كادت المواجهات السجالية بين الصحافيين ومجموعة كبيرة من قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة أن تزيغ عن مسارها في كثير من الأحيان بسبب التهم الثقيلة التي مافتئ طرف يقذف بها الآخر، خلال سير أشغال اليوم الدراسي الذي أشرفت عليه وزارة العدل والحريات أول أمس السبت بالرباط والذي يندرج في سياق الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة في المغرب.
فرغم أن محاور اللقاء كانت محددة بدقة وهمت قضايا مهنية وقانونية من قبيل التغطية الإعلامية للشأن القضائي، إلا أن النقاشات حادت عن الموضوع بشكل كامل تقريبا، واستغل كل طرف الفرصة لصالحه لقذف الطرف الآخر بتهم تباينت خطورتها.
وكان لافتا أن يتدخل القضاة والمحامون بأعداد كبيرة جدا في المناقشات العامة التي أعقبت ثلاث جلسات عقدت طوال اليوم، بيد أن المتدخلين من جانب الصحافيين كان عددهم قليلا جدا.
وكان الزميل نورالدين مفتاح رئيس فدرالية الناشرين سباقا إلى بداية هذا التجاذب حينما قال إن القضاء استخدم لتصفية حسابات معينة، وأن القضاة أنفسهم يستخدمون الصحافة لتصفية الحسابات بينهم، وعاب على القضاء عدم استقلاليته، وغياب مخاطب داخل المحاكم بالنسبة للصحافيين وغير ذلك كثير جدا، وما أن جاء دور وكيل الملك بابتدائية آسفي الذي ألقى عرضا أكاديميا هاما حتى رد الدين لمفتاح وقال بالجزم إن الصحافة لا تحترم أخلاقيات المهنة وأنها تشهر بأعراض الناس ومليئة بالسب والقذف وأنها لا تحترم سرية التحقيق وتمارس الضغوط على قناعات القضاة، وانتقد ما صرح به مفتاح بشدة حينما قال إن القضاء استخدم لتصفية حسابات، وعاب عليه التعتيم، وأكد أن القضاة المغاربة نزهاء ويشتغلون بكل استقلالية، وأن القاضي الذي يستعمل الهاتف هو الذي يريد ذلك. وما أن منح المجال للمناقشة العامة حتى تهاطلت الانتقاذات العنيفة جدا ضد الصحافة المغربية بما خرج بموضوع اللقاء عن إطاره وتحولت الجلسة إلى محاكمة صريحة ضد الصحافة والصحافيين، فهناك من عاب على الصحافيين سعيهم وراء ضمان أعلى معدلات المبيعات على حساب المهنية والمصداقية، وهناك من قال إن مهنة الصحافة أضحت مهنة من لا مهنة له، مشيرا في هذا الصدد إلى إشكاليات التكوين والتأهيل وتطرق كثير من المتدخلين إلى إشكالية الثقة فيما ينشر في الصحف المغربية.
تدخلات الصحافيين التي كانت قليلة وتدخل واحد من قاض مقال، أكدت أن التعليمات موجودة في القضاء، وأن الحديث عن سرية التحقيق مجرد تعتيم عن الحقيقة، لأن وزارة الداخلية هي التي تخرق سرية التحقيق، إذ مافتئ وزراء الداخلية المغاربة يدلون بتصريحات خطيرة جدا تدين المتهمين في قضايا الارهاب بالخصوص، ومن خلال حرص الضابطة القضائية على تسريب محاضرها للصحافيين للدعاية لنفسها، وفي كثير من الأحيان فإن هذه الضابطة هي التي توجه الدعوة لوسائل الاعلام لتغطية إعادة تمثيل الجريمة وتبث التغطية في التلفزيون.
وكان مثيرا أن نبه محامون إلى خطورة الاكتفاء بالمطالبة بإلغاء العقوبة السالبة للحرية في قانون الصحافة. بل لابد من الانتباه إلى خطورة الرفع من قيمة الغرامات، لأن العجز عن تسديد هذه الغرامات يعني تطبيق الاكراه البدني، أي ادخال الصحافي إلى السجن، وستكون وضعيته أسوأ من الوضعية الحالية، لأن القانون الآن وإن نص على العقوبة السالبة للحرية، إلا أنه ترك للقاضي هامشا كبيرا من التقدير بيد أن هذا القاضي يفقد هذا الهامش في حالة تطبيق الاكراه البدني.
الزميل يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية الذي قدم عرضا هاما في جلسة المساء حاول نزع فتيل المواجهة بين الطرفين بأن تطرق إلى الاشكاليات الحقيقية والتي يتحمل مسؤوليتها الطرفان معا قضاة وصحافيين.