الأنثى أو المرأة المغربية هي الأم و الزوجة و الأخت و الابنة والنصف الأخر للرجل , فخلف كل رجل عظيم امرأة , شكلت ومنذ القديم موضوعا مثيرا للجدل , فتحدثت عنها أعرق الحضارات, كما تناولها شعراء في قصائدهم تغزلا بها وبجمالها أحيانا وإقرارا بدهائها أحيانا أخرى, وتحدث التاريخ عن بطولاتها إلى جانب الرجل ودورها في بناء الدولة الإسلامية , دون أن نغفل مشاركة المرأة في أخذ زمام الأمور إلى جانب أزواجهن وأرفعهن قدرا أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها , ومن المغرب السيدة فاطمة الفهرية التي كان لها الفضل في بناء جامعة القرويين , الجامعة التي تعتبر من أكبر الجامعات في العالم.. الخ. ونتذكر بالأمس القريب مشاركة المرأة المغربية في عملية نقل السلاح إلى جانب رواد الحركة الوطنية. إلا أننا نجد فكرا ينقصها ويضعف فعاليتها وذلك باعتبارها عورة الأحق أن تستر , ويمكننا لمس ذلك عبر مجموعة من الممارسات التي تهين المرأة وتحتقرها كالعنف والاغتصاب والتحرش الجنسي ومنعها من حقوقها و تزويجها مرغمة في سن مبكرة في مجموعة من المناطق النائية بالمغرب العميق , ممارسات وأخرى لم ينجح في القطع معها أي احد والتي أراها لا تغدو أن تكون مدادا على ورق. وفي هذا المقال سنأخذ البعد النفسي للمرأة المغربية في علاقته مع الجانب العاطفي لها و العائلي والجنسي هذه الجوانب التي تشكل بؤرة الصحة النفسية للمرأة المغربية , كما سنرى تمثل مكانة المرأة المغربية في الأمثال العشبية. لكن لم المرأة آلمغربية, وليس الرجل المغربي ؟. المرأة في الكون كله لها مميزاتها , فما بالك بتلك المغربية الغاية في الأهمية , الغاية في التعرض للقهر والتحرش , الإهمال والاستغلال في مجتمع ذكوري صارخ الذكورة , إن تناول الأمر يجب أن يكون ثلاثي الأبعاد (سيكولوجي اجتماعي فسيولوجي). ولعل البعد النفسي هو أهم تلك الأبعاد قاطبة لتأثيره القوي ولدخوله عميقا في صلب الأشياء , وأيضا لتأثيره الشديد حتى على البعد الفسيولوجي , بمعنى أن تأثيرات وأحداث الحياة السلبية تسلب مرونة الدماغ وخلاياه العصبية وتتركه ضعيفا هشا , عرضة أكثر للصدمات , و تهيئه الواضح لكي لا يقاوم , بل ليستسلم لاضطراب مسبق , فالاستعداد مثلا للإصابة بالتشنجات الجزئية المركبة , يؤثر بوضوح على نفسية المرأة فيترك ندبا وجروحا مفتوحة لها علاقات من أهمها الإحباط , التوتر , الصراع , الفشل , الخوف , الغضب , مما يأخذ شكل الشرود الهستيري , نوبات التشنجات التي ينفصل فيها الجسد عن النفس , وتنفصل فيها المرأة عن واقعها المعاش المؤلم و المعذب. وما دمنا نتحدث عن المرأة دون الرجل فإن استعدادها الهرموني ووضعها الاجتماعي في مجتمع أبوي متسلط ذكوري متحيز , يجعلها أقل حركة وأكثر استسلاما للمرض , بل وأكثر مقاومة لطرق العلاج المتبعة والمعروفة مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا. يبتسم المغاربة في أسى عند سماعهم تلك المقولة التي شاعت في أرجاء الوطن "المرأة ياراجلها يقبرها" وهي إشارة خطيرة لمفهوم الخضوع والرضوخ والتسلط السلبي , وفي قصة ترويها إحدى المتزوجات تلك المرأة التي اعتقدت أن زوجها وأبو ابنها يحبها , لكنه في الحقيقة كانت عينه على مالها , وبالطبع حسبها ونسبها , ولما كتب الكتاب عليها لم ينتظر ليلة الدخلة , وإنما فضّ بكارتها ووضعها أمام الأمر الواقع (شكل هذا لاحقا شعورا ساحقا بالذنب نتيجة تطور الأحداث واختلاف نمط الحياة معه) , فلقد أهمل عواطفها ولم يعد يتشارك معها في أي من أمور الحياة , إلى أن لاحظت عليه تغيراً ما , فلقد دأب على العودة ليلا (في أواخر الليل) وغالبا ما كان يتعاط عقاقير منشطة (القرقوبي) , كان يوقظها من النوم ويطلب منها أن تستحم وتتزين وتستعد لممارسة الجنس حتى يطلع الصباح بدون توقف . رأت في وجهه وجه الذئب المفترس , ولم تحس بأدنى متعة لكنها أحست بألم فظيع , باغتصاب حقيقي , اغتصاب من زوجها الذي بفعل ما يتعاطاه أصبح كماكينة الجنس , غالبا ما أنه لا يحصل على أي متعة , ولم يكتسب أي لذة , لكنه كان يتسلى ويقلد أفلاما إباحية أدمن على مشاهدتها مع رفاقه العزاب. أصيبت المرآة بالاكتئاب الشديد , بالقهر, بالمذلّة . كان وضعها كامرأة مؤمنة يضعها في موقف المطيع خشية غضب الله , لأنه لازم ولابد أن تستجيب لنداء زوجها في الفراش مهما كان الوضع , وبعد الجهاد لإقناع أهلها بحتمية هذا الطلاق , انتهي الأمر بطلاقها فعلا , لكن الأب بذكورته المعهودة وسمعته التي تملأ الأفاق , كان لا يهتم لمشاعر ابنته , كان يقلد ما يقوله آباء كثيرون (ابنتي خصك تصبري على زواجك وأنا شنو غادي ندير؟ الناس غادي تسولني علاش بنتك طلقات ؟! ). و نجد أب أخر أجبر ابنته على الزواج بمن لا تحبه , لأنه أعطى للناس وعد الرجال ( تزوجي بيه غير مطيحيش كلمة باباك ابنتي ومن بعد طلقي منو) , ثم انتهى الأمر بطلاق بعد 20 سنة وثلاثة أولاد وقهر وحالتها متطورة جدا من الأمراض شملت ضغط الدم العالي , الإغماءات المتكررة. هذه بعض النماذج التي تمثل حالات القهر والعنف المعنوي , الظلم والمرارة والألم النفسي والجسدي التي تعيشها المرأة المغربية ننتقل من تلك الحالات الأولى إلى ما يمكن الاصطلاح عليه باكتئاب المرأة المغربية , وهو إلى حد كبير ينطبق على المرأة العربية بشكل عام , لكننا خصصنا المرأة المغربية نظرا لكثافة حالاتها نسبة إلى تلك العربية في مجال خبرتنا النفسية البسيطة . ولنا أن نتساءل هل يجوز أن نخصص اكتئاباً للمرأة المغربية؟ نعم، يجوز لأنها (قوية) أحيانا تصبر كالجمل , ثم بعد ما يهجر البيت الأولاد وينام الزوج , تنطفئ الشموع وتبدأ عملية اجترار الذكريات عندها , وقد تدمع عيناها بسبب وبدون , وقد تشتاق إلى حضن زوجها , بل تشتاق إلى الفراش المهجور. هنا لا يمكن التعميم , فالمغربيات منهن سيدات المجتمع , وزوار النوادي والحمام التركي والسيارات الفاخرة عموما المرأة المغربية أكثر شجاعة و جرأة في التقدم بشكواها أحيانا ما تكون شكّاءة جدا , لكن معظم الحالات التي ترتاد العيادات النفسية تكون مظلومة مقهورة متعبة منهكة لا حيلة لها , كثيرا إن لم يكن غالبا يخجل الرجل ولا يحضر مع زوجته إلى العيادة النفسية (هذا إن وافق أصلا على ذهابها) , يغضب للغاية ويقلب الدنيا جحيما إذا أشار أحد إلى أنه سبب اكتئاب زوجته. لكنه يضغط عليها لكي تقف على رجليها دون كلل في المطبخ من أجل ضيوفه , يلومها في كل الوقت , وأحيانا يضربها , يهجرها في الفراش ويعطيها ظهره أو ينام في غرفة ثانية إن وجدت أو على أريكة ما في الصالة. وقد يظهر اكتئاب المرأة في المغرب في صورة نهم شديد إلى الطعام , حالة شره عصبي تساعد عليها البنية الجسدية للمرأة المغربية , فتبدأ الامتلاءات تظهر في الأرداف والبطن وأحيانا كل الجسم وكأنها تأكل همومها في طبق. كذلك فإن المرأة المغربية , هي مثل أي مرأة في العالم العربي يعبرنّ عن أحزانهن جسديا , فنجدها تشكو من آلام أسفل ظهرها , من سقوط شعرها , من ألم في الصدر إلى آخر تلك القائمة , بجانب ازدياد نسبة توتر ما قبل الدورة الشهرية حيث تزيد حدة المرأة وعصبيتها وغضبها في العشرة أيام التي تسبق نزول الحيض. النظرية القديمة في الطب النفسي كانت تقول أن هناك اكتئابا تفاعليا تتسبب فيه ظروف الحياة السلبية واكتئاب مرضي يحدث بلا سبب إطلاقا , لكن الاتجاه العلمي الآن يقول أن الاكتئاب : اكتئاب, لأنه في كلتا الحالتين هو تعكر كيمياء الدماغ العصبية , ويتطلب الأمر جلسة علاجية وأحيانا جرعات محددة من مطمئنات تحت استشارة الطبيب , و بالنسبة لسن اليأس (أي فترة ما بعد انقطاع الحمل) فإن هذا الأمر في المغرب مربك وله دلالات اجتماعية , نظرا لأن المرأة المغربية إذا وصلت سن انقطاع الحمل أو استأصلت رحمها فإنها في غاية التهيؤ لمسألة فقدان أنوثتها أو أنها تعرف بأنها تنتظر الموت فقط , مع تقديرنا البالغ لانشغالات المرأة المغربية إلا أنها تحب الجلوس في البيت , وحديث الجيران , والتليفون والتليفزيون , كما أن المرأة تمر بمرحلة تغيرات وتبديلات هرمونية كثيرة كل شهر , وعلى الرغم من أن البحث العلمي لم يثبت بعد أن التغيرات الهرمونية تلعب وظيفة في الإصابة بالاكتئاب إلا أن هذا يبدو كذلك للبعض. الأنثى في طريقها إلى مرحلة البلوغ معرضة للاكتئاب مرتين ضعف الذكر , يعتقد علميا أن الأمر راجع للتغيرات الهرمونية المرتبطة ببدء الدورة الشهرية , والنظرية التي تعارض ذلك تؤكد على أن البنت في تلك المرحلة تتعرض لضغوطات وصراعات أكثر من الولد وكل هذا يتسبب في الاكتئاب. الأنثى أو المرأة المغربية أكثر تعرضا للاغتصاب والتحرش الجنسي وهذا من بين الأسباب القوية لتعرضها للاكتئاب , هنا فإن سوء تقدير الذات والشعور باليأس , ولوم النفس تعد أعراضا لقسوة الرجل الجنسية للمرأة واعتدائه النفسي والجسدي لها. وعلى الرغم من أن المرأة المغربية أصبحت وزيرة وأستاذة وقاضية , وتبوأت مناصب عدة إلا أن النمط الاجتماعي الذي تربينا عليه في المجتمع الذكوري يجعل المرأة تشعر بأنها أقل من الرجل شأنا وأنها أحيانا بلا قيمة , وأن دورها قد انتهى , وأنها خادمة ومهمشة , مسكينة ومغلوبة على أمرها , تربي الأولاد , تغسل , تمسح , تطبخ , تعمل. كل هذا يشكل ضغوطا لا تنتهي على المرأة المغربية ويؤدى إلى اكتئابها. إذا ناقشنا اكتئاب المرأة المغربية أو أنوثتها فلابد وأن نتناول الأمور المتعلقة بأساسيات هذا الموضوع (فالمرأة في المغرب لا تنصف اقتصاديا أو اجتماعيا بسبب عدم احتساب قيمة جهدها بشكل يومي , إذن فعدم الإنصاف هنا يؤدى بها إلى سلوكيات قد تعد منحرفة مثل أن تسرق أو أن تأخذ باقي النقود من جيب زوجها وهو نائم أو أن تقتصد (تشطر) في المصروفات تحسبا لوقت تحتاج فيه المال. لا يمكننا إطلاقا تناول مكانة المرأة المغربية بعد أو قبل أو أثناء البحث إلاّ بمناقشة ما طرحه (سيغموند فرويد) منذ أكثر من قرن من الزمان , بأن الجنس والمال , بما يحويه من عمل الرجل وولاءه المادي والعاطفي الأكبر تجاه أهله (غالبا أمه وأخواته) , وتفضيلهن في أحوال كثيرة على بيته (زوجته وأولاده) يشكل صراع قوي بينهم , ومع يقيننا بأن هذا المقال ليس لمناقشة الموضوع الجنسي إلاّ أننا ندخله هنا من زاوية ارتباطه بالمرأة المغربية و صراعاتها النفسية عموما. وكما ذكرنا سابقا , فقد تستغّل المرأة جسديا دون أي احترام أو تقدير لمشاعرها , فتؤتى حينما يريدها الرجل , وفي أحوال كثيرة ترضيه خشية تحقق مفهوم الخطاب الديني (بأنها ستنام ملعونة وستغضب عليها الملائكة). في حين آخر متناقض تماما , فإذا هي رغبت في اللقاء الجنسي , فليس لها الحق في طلب ذلك وقتما تشاء , بل إن الأمر قد يصل إلى أبعاد مبالغ فيها للغاية حين تهجر في الفراش , وعلى الرغم من أن هذا (محّرم) إلاّ أن الرجل المغربي كعادته يرى الأمور مبتورة , يراها من وسطها حسب ما تهيئ له ذاكرته وإدراكه وفهمه , ففي حالات سفر الزوج للعمل خارج البيت لمدد طويلة , أو خارج الوطن تماما تحرم المرأة تماما من الإشباع الجنسي المطلوب , ولقد صرخت نساء كثيرات بأن (الهجر) ممكن أن يطول إلى 3 سنوات يكون فيها الرجل مريضا بالاكتئاب , أو بميل جنسي جانح قد يؤدي إلى الطلاق. إن الزوجين الذين يرهقان أنفسهما ولا يتمكنان من المعاشرة بانتظام لن يفكرا في التخلص من هذا المأزق , وسيستمران في الروتين , لكن إذا كسرا قاعدة المثلث فسيجدان أن الجنس له فعل السحر و ليس مجرد لحظات نشوة وتفريغ للطاقة , و سيستغرقان وقت أكثر في التعرف على جسد كل منهما , وسيمتلئان بالطاقة والانتعاش , وليس التعب على عكس ما يعتقد البعض. من صراعات المرأة المغربية الأشد وطأة ودهشة ووضوحا هي تلك الممثلة في الجهل الجنسي , فالصراع الأول متمثل في طبيبة متزوجة لها ولدان , ناجحة جداً في عملها لكنها لم تدرك إلاّ بعد سنوات أن زوجها يعانى من عجز جنسي (عضوي) , ولم تدرك معنى العلاقة الجنسية الصحيحة المكتملة ولم تعرف ضرورة الوصول الجنسي لذروة المتعة بشقيها السيكولوجي والفسيولوجي , وظهرت الأمور اتضحت في اختلافات على (المال) , وضعت همها و خلعته بعد 15 سنة من الزواج , حاولت فيها أن تستحمل كما يقول معظم الناس , لكن لما فاض الكيل , واختلف الزوجان على (شقة) تبين أن لبّ المشكل هو أمر جنسي , ليس بمعنى الأداء والإشباع والتحقق جسديا فقط ولكن بمعنى الاقتراب والحميمية والتوحد والمشاركة . هذا النموذج وغيره كثيرة (ناجحات عملياً، فاشلات عاطفياً) , ولا نعني بالضرورة هنا فشل اختيار الزوج فحسب لكن فشل الحياة الانفعالية أيضا , هن فاشلات لأن الفشل الحقيقي يعطل التواصل الوجداني الحق , ويمنع تحقيق الذات مع الآخر , ويقوم بتحقيقها مع النفس فقط (العادة السرية). ولا يمكننا أن نغفل في خضم هذا الموضوع تمثل مكانة المرأة المغربية في الأمثال الشعبية باعتبارها ركيزة من ركائز الفكر الذي يحمله الرجل المغربي على , فالمثل القائل "ديرها فالرجال وترجاها وديرها فالمرأة ولا تنساها" , وقولة الجاهل "المرأة ناقصة عقل ودين " , و المثل القائل "شاورها ولادير بريها" الذي يحمل في خبياه نظرة تؤكد على أن رأيها ضعيف جدا أمام سلطة الذكر. والمثل القائل"الرابح من المرا والخاسر من المرا" فإن ساءت أو تحسنت ظروف الرجل يرجع السبب إلى زوجته. إن هذه الأمثال المتداولة لا يمكننا أن نخفي أنها تمارس عنفا رمزيا على المرأة المغربية كالمثل القائل "بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف" ما يعني أن تدريس البنت يرتبط بانحلال أخلاقها وانحرافها، و أن ما يناسبها هو الزواج عملا بقول "الحرث بكري والزواج بكري و المرأة ياراجلها ياقبرها" , ونجد أيضا المثل الذي يحيل للمرأة المخادعة والماكرة كما في المثل القائل "يتحزموا باللفاع، ويتخللوا بالعقارب" , وأيضا "سوق النساء سوق مطيار يا داخله رد بالك, يوريو لك من الربح قنطار ويخسروك في راسمالك". وتشبيه المرأة بالحيوانات "مولاة الدار عمارة ولو كانت حمارة" و أيضا "المرا كتربط من لسانها, والبهيمة تربط من لجامها" , وقد نجد الأنثى تتحول إلى بطة و قطة "البنت القصيرة إذا سمانت بطة وإلا ضعافت قطة" , وقد تتحول إلى قردة أيضا"سعد البلدة كيرد العروسة قردة، والعكوزة جلدة" , وأكثر اهانة من ذلك شبهت المرأة المغربية بإبليس "المرا لفعة ومتحزمة بابليس".