تعلمت المرأة القراءة والكتابة منذ تعليم الرجل، بيد أنها لم تحقق غزارة ولا كثافة ما حققه الرجل في مجال التأليف، وقد يكون السبب راجع لما عرفته المرأة من انكسارات تاريخية و حضارية عبر العصور جعلتها تهتم بجسدها الفاعل المنجب أكثر من اهتمامها بفكرها. في المقابل ارتضت سفن الحياة ان يظل الرجل ربّان الفكر والحامل لأسرار القلم، وتظل المرأة تحت جناحه يرشدها نحو وحدة المصير وبالكاد يسمح لها بمشاركته في ملكوته الخالد. هنا نتساءل : ماذا لو أن المرأة حملت قلم الحبر حملها قلم الاكتحال واهتمت بمنتجات الفكر اهتمامها بالجسد، هل كانت ستغير شيئا من ملامح الكون؟ تقول إحدى الفتيات في احدى الحوارات العابرة: قلم الكحل لدي أهم من قلم الحبر..لا يمكنني الخروج أو مقابلة الناس دون أن أضع ولو قليلا لأتزين به، وان بقيت من دون قلم كحل وأحمر شفاه أشعر أني امرأة يكسوها الحزن. أكثر ما تهتم به المرأة في الحياة.. جسدها، فعلاقتها بذاتها تنطلق من تفكيرها في جمالها وأناقتها وكيف تحتفظ بل وتستزيد مما حباها الله به من جمال وجاذبية، وهذا الأمر راجع وبكل بساطة كونها ارتضت لنفسها أن يظل تفكيرها متمركزا على الرجل وقدرته على جلب ما تشتهيه من الأمور المادية والمعنوية، لهذا يظل قلم الاكتحال هو الصاحب الحميم للمرأة والذي استخدمته بكثرة طوال تاريخها، تحمله بين أصابعها ..لا تفارقه طوال حياتها. في عالمنا العربي كان القلم الحبر وعاء شفافا تعكس به المرأة خبايا روحها الدفينة، لذلك تغلب على كتاباتها المشاعر والأحاسيس ليكون عندها منبع عطاء روحي وهيمنة القلب أكثر من عطاءاته الفكرية وهيمنته العقلية، وحينما غزت المشاكل المرأة العربية وتراكمت عليها ووعت حجم مسؤولياتها اضطرت للكتابة كي ترفض وتقبل، تعترض وتوافق، تواجه وتستسلم… بكل بساطة بدأت تتفاعل مع واقعها بايجابية خجولة، وبدأت تخرج من دائرة تلوين عينيها بالكحل إلى تلوين كتاباتها بالتحليل والنقد والقياس والدراسة المنهجية…لكن ظلت أغلب محاولات الأقلام النسائية في وطننا العربي حبيسة الأدراج سجينة دون نشر، ومع قلة حمل قلم الحبر بين أنامل نسائنا وأستثني هنا الكاتبات – السكرتيرات – اللواتي هن بالاسم كاتبات وبالفعل مكتحلات يشتغلن بأجسامهن أكثر من شغلهن بأفكارهن، ومن يعترض يحصي عدد المحجبات في هذا الصنف من العمل! بل إن مهامهن تقتصر على تنظيم الأوراق وترتيب أجندة ومواعد المدير… إن قلم المرأة – الحبر- هو مرآة شخصها وفكرها لكنها اعتادت أن تكون موضوعا لقلم الرجل يكتبها شعرا و نثرا مما أغنى خزانة الكتب بأغراض الغزل مما أغناها عن التفكير في قلم الحبر والتركيز على قلم الاكتحال، وذاك نزار القباني خير دليل وهو الذي رفرف اسمه في عوالم الشعر ممتطيا اسم المرأة والغزل في عيونها…. الشاهد اليوم، وجود نساء في مناطق منسية من المغرب لم يحملن قلم الحبر إلا لتوقيع وثيقة زواجهن أو ليكتبن طلبات البيت من خضر ولحوم وما شابه ذلك، وللأسف… منهن من لازلن يبصمن بالصمغ الأزرق شاهدات على انتشار الأمية والرجعية في أعالي الجبال أو في النائي عن الحضارة في بقعة أرضية منسية… ومن الحقائق التي لا يمكن القفز عليها أيضا أن المرأة في عالمنا إن تجرأت وحملت القلم لتكتب رفضها لواقع صامت، وان قاومت وحافظت على تدوين أحاسيسها وهمومها فإنها تحاصر بنظرات عقيمة تسألها: وهل ستغير كتاباتك من سوء واقعك شيئا؟ بل قد تتهم في أخلاقها إن قوبلت كتاباتها بالنشر ليعزى النجاح إلى التدخل السافر لجسدها في تحقيق هذا المكسب وما إلى ذلك من أمور تعلمها المرأة علم اليقين ، لا شك فيه ولا تشكيك… ظهرت في فترة من الزمن مع انطلاق الطفرة الالكترونية ظاهرة الاسم المستعار، هذا الدرع الواقي الذي تحصنت وراءه كتابات المرأة العربية والذي استطاعت به أن تنعم ببعض من الترويح عن قلمها الخامل لعقود، مطيتها الانترنيت التي هي لها الورق والحبر والوجود أو ربما بعض المجلات هنا وهناك… لقد ظلت الأقلام النسائية العربية خجولة في حضورها، جنينية في ثوراتها تفضل حمل قلم الاكتحال عن حمل قلم الحبر، والوضع يزيد سوءا مع تدهور وضعية المثقف وتراجع قيمة العلم والمعرفة في بلداننا العربية مقابل الاهتمام المفرط بكل ماهو مادي صرف يوصل الى بحبوحة العيش والرفاهية الجسدية وينآى عن الفكر والتزود الروحي المعنوي؛ ليظل قلم الاكتحال المنتصر الأكبر في معركة التواجد في حقيبة كل امرأة عربية وياااا للأسف.