انتهت دورة أكتوبر للمجلس الجماعي لطنجة بما لها وما عليها، فالأغلبية المطلقة والمريحة التي تتحكم بالمجلس مررت ما أرادت من قوانين وقرارات فيما بقيت المعارضة المحتشمة تعلق بصوت خافت لمستشار أو اثنين على ما كان يحدث في الدورة التي انعقدت في جلستين، شهدت الأولى طرد مستشار عن المعارضة من طرف رئاسة المجلس بدعوى عرقلته للسير العادي لأشغال الجلسة، ولم يكن حادث الطرد وحده المشهد الذي استرعى باهتمام المتتبعين للشأن المحلي بالمدينة، فاحتجاجات المواطنين واقتحامهم لقاعة الجلسات، ورفعهم لشعارات يتهمون فيها الجماعة بما يمكن وصفه الحيف والظلم والتقاعس في حل مشاكلهم، مشاهد هي الأخرى أصبحت تؤثث دورات المجلس، وهو ما استدعى في أكثر من مرة تدخل السلطات، بعدما أصبحت هاته الأحداث المتكررة تعرقل السير العادي لأشغال المجلس. أمام هذا الوضع هناك نقاط كثيرة لابد من إثارتها، وتستوجب الوقوف عليها، ولو من باب الفضول، فمسألة هيمنة الأغلبية المطلقة ورغبتها في الاشتغال بمنطق الأغلبية العددية يشكل بحسب الكثيرين خطرا يهدد مصلحة المدينة وسكانها، ولعل حالة عدم الرضى التي تسود الشارع الطنجي بخصوص عمل الجماعة التي بدت عاجزة أكثر من مرة على حل مشاكل تمس المواطن الطنجي من قبيل ملف أمانديس وصوماجيك وقطاع النظافة لأكبر دليل على غياب رؤية متكاملة ومنسجمة وذات فعالية لدى أصحاب القرار السياسي في المدينة. الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه الى دور المعارضة في كل ما يحدث، هذه المعارضة التي لا يكاد يسمع لها صوت، وربما اقتناعها بعدم جدوى معارضة أغلبية مطلقة قد يكون سببا في عدد الغيابات المتكررة لبعض المستشارين عن دورات المجلس، وفي حال حضورهم فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد حضور لبضع دقائق، مع أخذ نقطة نظام ، ثم الانصراف قبل ختام الدورة والتصويت على القرارات، وهو ما وقع خلال الجلسة الثانية من الدورة الأخيرة بعدما شوهد مستشار جماعي واحد بقي يشارك في أطوار الدورة التي كانت مخصصة للمصادقة على الميزانية وحساب النفقات وبيع بعض ممتلكات الجماعة ومنح الجمعيات …وهنا نتساءل أين كانت المعارضة التي كان ينبغي أن تلعب أدوارها في مثل هكذا مناسبات؟. إن المتتبع لأشغال جلستي دورة أكتوبر، سيعي جيدا الوضع الذي تمر منه المدينة، على مستوى التدبير السياسي لملفاتها الكبيرة والصغيرة، كما سيزن قدرة الفاعل السياسي على التفاعل مع قضايا طنجة الكبرى، تفاعل لا شك انه محتشم ولا يستجيب لتطلعات ساكنة المدينة، ولا لتاريخها، ولا حتى لمستقبلها، غياب خطاب تقني مقنع وواقعي، والإبحار في دروس البوليميك، والتباهي الفكري والإديولجي لن يفيد المدينة في شيء، ولن يخدم المواطنين ومصالحهم، وبالتالي لن يجد الحلول لمشاكل العباد والبلاد، فبعد ثلاث سنوات من ولاية المكتب الجديد، وعلى الرغم من الأغلبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من سيطرته على أربع مقاطعات بالمدينة، إلا أن التخوف لا زال حاضرا من كون أن هذه الأغلبية مجرد عدد يمرر به عمدة المدينة ما شاء من قرارات، وإن كانت في أحيان كثيرة المعارضة تتحمل هي الأخرى نصيبها من المسؤولية، فالمعارضة الصامتة أحيانا، والغائبة أحيانا أخرى، والمغلوبة على أمرها حينا، لابد وان تحاسب عن حصيلة عملها من باب الأدوار الدستورية والقانونية التي تتمتع بها . مدينة بحجم طنجة هي اليوم في أمس الحاجة الى فاعل سياسي قادر على فهم واقعه والتجاوب مع انتظارات الساكنة، والبحث عن الحلول للمشاكل العالقة، والخلق والإبداع، عوض الاكتفاء بإعطاء الدروس في السياسة، والحديث عن هوامش الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع، طنجة بحاجة الى رجال ونساء يشتغلون لمصلحتها لا لمصلحتهم، طنجة اليوم بحاجة الى من يسير بها الى الامام دون توقف، طنجة اليوم بحاجة الى فاعلين حقيقيين ينتجون العمل لا القول …