دشّن ماستر الدين والثقافة والهجرة التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، تجربة علمية فريدة من نوعها في حقلي علم الاجتماع والانثروبولوجيا بالمغرب، إثر تنظيم تربص إثنوغرافي بمدينتي مراكشوالصويرة طيلة أيام الأسبوع الأخير من أبريل المنصرم، لفائدة طلاب الماستر، الذي يُعتبر كأول تجربة نموذجية تضم طلبة مغاربة من داخل المغرب وخارجه، وتشمل أكثر من عشر دول أوروبية، وكندا وأمريكا وبعض دول الخليج. وركزت المحطة الأولى على تمكين الطلبة الباحثين من آليات وتقنيات المنهج الإثنوغرافي التطبيقية حول المعالم التاريخية والفضاءات الدينية. إذ أشرف على هذا التربص الإثنوغرافي كل من الدكتور أحمد البوكيلي منسق الماستر، والدكتور عياد أبلال مختص في الأنتروبولوجيا الثقافية، والدكتور المصطفى شكدالي مختص في علم النفس الاجتماعي. وقد شكلت معلمة الكتبية أول انطلاقة لهذه التجربة العلمية الميدانية، حيث وقف الطلبة الباحثون على تاريخ هذا الصرح الديني التاريخي، بفضل الشروحات التي قدمها السيد جمال أبو الهدى مفتش الآثار بالمدينة. مستكشفين بعضاً من أسرار الكتبية عن كثب. قبل أن الانتقال إلى المحطة الثانية من نفس اليوم في زيارة فضاء جامع الفنا، وتقصي أسراره التاريخية، من خلال ملاحظة الأنشطة الترفيهية التي تؤثث الساحة وما تحمله من رموز ودلالات ثقافية. في نفس السياق، قام فريق الأساتذة الباحثين وطلبة ماستر الدين والثقافة والهجرة، بالسفر من الحقبة الموحدية إلى عهد الدولة السعدية وصولاً إلى عصر الدولة العلوية من خلال زيارة استكشافية لقبور السعديين ثم قصر البديع وأخيرا قصر الباهية. إذ كانت الغاية من الانتقال عبر الأزمنة والحقب التاريخية، هو تمكُّن الطلبة الباحثين من التمييز بين خصائص العمران المؤرخ لكل مرحلة على حدة. وهو ما تحقق بواسطة أطر مرافقة من وزارة الثقافة مُشرفة على هذه المعالم، حيث تمكن فريق البحث من رصد مجموعة من التحف المعمارية ذات الطابع المغربي الأندلسي، كالزليج والنقش على الجبس والخشب وغيرها. وحطت رحلة وفد الباحثين وطلبة ماستر الدين والثقافة والهجرة، في يومها الثالث، بفضاء المُكوّن العبري باعتباره أهم روافد الهوية المغربية. وعلى هذا الأساس انتقل جرى التعرف على تاريخ "الملاًّح" بمراكش، وخاصة مكان صلاة اليهود المسمى "صلاة العزمة" الضارب في التاريخ منذ 500 سنة حسب القيِّم على هذه المؤسسة الدينية السيد "كوبي افراخ" الباحث في الشؤون الدينية. والذي ركّز بالأساس في حواره التفاعلي مع الشباب الباحثين على أهمية الذاكرة المغربية المُرتبطة بالتراث والثقافة المتجذرة عند المسلمين واليهود على نفس الأرض، من لباس ومطعم وعادات وتقاليد. ولربط الماضي بالحاضر زار الطلبة الباحثون المقبرة اليهودية التي يمتد تاريخها إلى أكثر من خمسة قرون بجوار مقبرة المسلمين "باب اغمات" ما يدل على التسامح والتعايش الديني بالمغرب منذ قرون. وفي نشاط مرتبط، استضاف جاكي كادوش رئيس الطائفة اليهودية بجهة مراكش أسفي، وفد مجلس الجالية المغربية بالخارج، وكلية الآداب والعلوم الانسانية، بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث أفاض السيد كادوش في تفسير الديانة اليهودية والوقوف عند علاقة اليهود بالمسلمين بالمغرب، معرباً عن امتنانه لإمارة المؤمنين وللمغاربة الذين يعتبرهم شعبا نموذجيا في العالم من حيث التشبث بقيم التسامح والعيش المشترك. واختتم فريق البحث والتقصي الخاص بماستر الدين والثقافة والهجرة باشراف مجلس الجالية، يومهم الرابع، بدخول مدينة الصويرة حيث كان أول لقاء مع الأب جون كلود كونز قديس الكنيسة الكاثوليكية الذي أعطى في تفاعل مع الباحثين شروحات بخصوص تاريخ الكنيسة الكاثوليكية بمدينة الصويرة، وحياة المسيحيين وعلاقتهم بباقي الشرائح الاجتماعية، ليقوم بعدها الفريق بجولة استطلاعية بمختلف المآثر التاريخية للمدينة. ومساء نفس اليوم، استقبل السيد أندري أزولاي مستشار جلالة الملك فريق الباحثين بفضاء "بيت الذاكرة" حيث قدم مداخلة حول الذاكرة والعيش المشترك، مركزاً على الدور الهام الذي قدمه السلطان سيدي محمد بن عبد الله في جعل مدينة الصويرة مركزاً تجارياً وحضاريا.