يأتي علينا شهر رمضان كل سنة فيقدم لنا الطهر ونستقبله بالعفن، يجرنا لراحة النفس فنحسبه معذبنا اليوم بطوله، يقترح علينا تخفيف أوزارنا فنحمله سخفنا وحماقاتنا… فرمضان ليس هرولة لملء القفف وتكديس الثلاجة والوقوف يوما كاملا في المطبخ لتحضير عشرات الأطباق التي لا طاقة لنا في تناولها، هذه العقلية المهوسة بالالتهام وتخمة البطون، هي معبر يسمح بمرور المضاربين بالأسعار والغشاشين والمتلاعبين بسلامة المستهلك اللاهث وراء وهم الجوع القادم، هذه الثقافة الاستهلاكية المعتلة هي التي تشجع على دوام التواطؤات بين إدارات تصنف "فاسدة" وتجار يصطفون في صف المطففين… فقبل بضعة أيام من حلول شهر رمضان المبارك، بدأ الناس يتأففون ويشتكون من واقع اقتصادي صعب، وارتفاع في الأسعار عادة ما يكون حاضرا وبصورة تلقائية مع حلول شهر الصوم.. وكأن الأمور مبرمجة آليا، حسب رأي المواطنين، فأسعار الخضر ترتفع تلقائيا، والفواكه على ذات المنوال، والمواد الغذائية يتخذ تجارها نفس النهج، لكن وزارة الاقتصاد الوطني تؤكد أن لديها خطة متكاملة للتعامل مع الأسعار وضبطها داعية المواطنين إلى عدم الارتباك. ولا يملك المواطنون غير الشكوى من حال الأسعار التي تفوق في بعض الأحيان القدرة الشرائية لدى الكثيرين. ويكتشف المار في الأسواق حجم الشكاوى من المواطنين، فيما يؤكد أصحاب الكثير من المحال أن الأسعار لديهم بقيت كما هي ولا توجد ارتفاعات حقيقية، قائلين إن المواطنين يحبون الشكوى دائما. إلا أن السائد لدى الرأي العام عموما أنه كلما حل رمضان المبارك، وهل هلال هذا الشهر الفضيل، كلما تفتحت شهية المضاربين في السوق الاستهلاكية ضدا على القوانين الجاري بها العمل، حيث تستعيد الأسواق نشاطها بشكل ملفت الأنظار مخلفة ردود فعل متضاربة بين كل الفاعلين والمتفاعلين مع الاستهلاك وتكثر معها لغة الاحتجاج للمطالبة بالمراقبة الحقيقية في هاته الأسواق مستندة على الاضطراب المرافق لأسعار المواد الغذائية بالرغم مما قد تكون قد قامت بها المصالح المعنية من تدابير لتعلن في الأخير أن بعض الأسعار عادية وأن بعضها يقوم على حرية الأسعار والمنافسة، وأحيانا الجودة مما يشكل نوعا من الامتعاض لدى المواطنين ويتسبب في الإكثار من التشكي … لكن البعض من المواطنين العاديين يرى أن الأمر لا يقتصر فقط على المضاربة في الأسعار بل يتعداه إلى احتكار السوق من قبل الوسطاء لجملة من المواد الغذائية مما يؤدي إلى تفشي الغش في جملة من المواد المعروضة بسبب التدليس الذي لا يستثني من جهة أخرى مسؤولية المستهلك للمساهمة في تمييع هاته الظاهرة بفعل التهافت على المواد الأساسية مما يفقد الحملات التحسيسية التي قد تبادر بها بعض الجهات المرتبطة بحماية المستهلك … وتتجلى مظاهر هذه الاستعدادات في المواد التي يشتد الإقبال عليها في شهر الصيام، مثل الفواكه الجافة (من ثمور وتين مجفف ولوز وقطاني…)، وكذا "الشباكية"، التي يتطلب تحضيرها كراء محلات خاصة، غالبا ما تحطم سومتها كل الأرقام القياسية في مثل هذه المناسبة من كل سنة… وتبقى أكبر وسيلة في تعثر الحماية سواء منها الإدارية أو القانونية للمستهلك تلك العملية المرتبطة بقانون المنافسة وحرية الأسعار في غياب نضج حكومي يتطلب معه معرفة أهمية دور النسيج الاقتصادي والاجتماعي لضمان حقوق المستهلك… وبالتالي تعود المسؤولية على المستهلك نفسه بالرغم من تشديد المراقبة على بعض محلات بيع المواد الاستهلاكية التي يكثر عليها الطلب خلال فصل الصيف وشهر رمضان الذي يتخلله.. ففي قراءة متأنية لواقع الاستهلاك في رمضان، يمكن القول أنه منذ أواخر القرن الماضي، وباقتحام الثقافات الدخيلة على المجتمع المغربي مع مجيء العولمة، كان لابد للثقافة الاستهلاكية هي الأخرى أن تشهد تغيرا جذريا في الأنماط والعادات عما كانت عليه، وقد يكون مرد ذلك لعدة عوامل أهمها تغير المفاهيم المرتبطة بالتركيبة الأسرية وازدياد وتيرة اضطرار المرأة للعمل خارج البيت ما يقلص الوقت الذي تخصصه للمطبخ على وجه الخصوص، لكن يظل العامل الأكثر تأثيرا، هو الانفتاح غير المسبوق على ثقافات أخرى عبر بوابة القنوات الفضائية… من هذا المنطلق، أصبح شهر رمضان هو الآخر، يحل علينا في زخم حمى التبضع المدفوع برغبة جامحة في تجريب ما وصل إليه الغير من زوارنا عبر التلفزة، وما سهل في بلوغ ذلك، هو التنوع المسجل على مستوى العرض، وإذا كانت الأسواق او السويقات (كما وقف على ذلك منبرنا يومه الأول من رمضان المبارك في سويقة برج مولاي عمر بمكناس) تشهد بمختلف المناطق، حالة من التموين المتجاوز لحاجة المواطن، حد وضعه في حالة الحيرة بين قدرات جيبه وشهوة تذوق كل المعروضات، هذا وما يطبع رمضان في السنوات الأخيرة، حلوله في ذروة الصيف حيث العطلة تفسح المجال للتجول أكثر بين السلع في الأسواق، وإذا كانت الأسواق الأسبوعية تلعب أدوارا اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة ومهمة في العصور الماضية، فقد كانت مكانا لتبادل السلع والمنتجات والبضائع والمصنوعات، بين السكان سواء منها المستوردة أو المحلية، وكانت مكانا لاجتماع القبائل والسكان لتبادل الأخبار، وحل الخلافات وغيرها، بل وكانت تستغل كمكان لتجمع الجيوش وتجهيزها وتموينها… كون الأسواق الأسبوعية تعتبر ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد وطنيا ومحليا، وتلعب دورا هاما في التنمية وتنشيط دورة الحياة الاقتصادية المحلية للجماعات والمدن على السواء، ويبقى ارتباط المواطن بها ارتباطا قويا لا مناص له منها، فإننا هنا سنقف على حالة لسوق من الاسواق التابعة لإقليمإفران، ونثير ما تعرفه السوق الأسبوعي لمدينة آزرو والذي يرافق كل يوم ثلاثاء، كونها تعتبر الوجهة المفضلة لساكنة دائرة آزرو من أجل التبضع، نظرا لتنوع بعض المنتجات التي يعرضها الباعة، وكذلك الأثمنة التي أساسا يتوخى منها أن تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن الآزروي، ورغم المنافسة الشرسة للمراكز التجارية لازال السوق الأسبوعي لآزرو وجهة الآلاف من السكان بسبب المنتجات التي يتم عرضها مما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي بالإضافة إلى حجم فرص العمل التي يوفرها بالرغم مما تتضارب فيه المواقف من حيث الجودة والأسعار؟ كل هذه الحيثيات، تدفعنا لقرع ناقوس اليقظة والتأهب التي يجب أن تتحلى بها السلطات الموكل إليها خلق توازن بأسواق الإقليم، فالوزارة المكلفة بالاقتصاد أكدت قبل أسابيع أن حالة الأسعار مستقرة ولن تعرف أية زيادة بفضل وفرة العرض، لكن واقع الحال بإقليمنا لا يعكس أي تطابق مع هذه التصريحات الرسمية؛، إذ من خلال جولة لموقع "كاب 24 تيفي" صبيحة يوم قبل فاتح رمضان الكريم وبالسوق الأسبوعي لمدينة آزرو، اتضح أن الأسعار تشد الانتباه خلال ذات الجولة، ومع ذلك فإن الإقبال على الشراء من طرف المواطن يجعل السوق ينتظم في شكل طوابير لا متناهية من المنتظرين أمام التجار. ففي إطار التحضيرات لاستقبال الشهر الفضيل، عمرت السوق بمختلف الأصناف وبكميات وافرة لم تمنع من تشكي العديد من المتسوقين الذين اعتبروا أن الأسعار ملتهبة لكن التجار رأوا أن هناك اعتدالا في الأسعار و قالوا أنهم أمنوا كميات بقيت أقل من مثيلاتها في السنوات السابقة بسبب توقعات بتراجع الإقبال على الشراء وإن كان السائد أن الأسعار أصبحت عرضة لتذبذب شديد وفقا لمعادلة العرض والطلب… مواطنة وربة أسرة قالت:"سلة مشترياتي كانت عادية من حيث الأصناف والكميات لكن كلفتها تضاعفت بسبب ارتفاع الأسعار"، وأضافت قائلة: "أتوقع أن تقصم فاتورة مصاريف رمضان ظهورنا"، وتساءلت نفس المواطنة: "ربما كان بوسعي شراء أصناف أخرى من المواد الاستهلاكية فأنا وزوجي نعمل وترهقنا الفواتير، فكيف ستتدبر الأسر المستورة والمتعطل أربابها عن العمل أمرها خصوصا في هذا الشهر الفضيل؟" و في تصريح لأحد المهتمين بالاستهلاك (رفض ذكر اسمه) قال:"لم نلمس مظاهر احتكار في هذا الجانب، لكن على الجهات المعنية أن تكف عن مقولة سوق حرة ومفتوحة، عليها التدخل لمنع استغلال المستهلك وضبط السوق وهذا لا يتأتى عبر قوائم أسعار استرشادية غير ملزمة وإن كانت أهميتها تكمن في فتح عين المواطن على السقف الأعلى لمنع تجاوزه". وعلق أحد الحقوقيين من جهته كذلك غير راغب في نشر هويته: "لم تكن هناك ارتفاعات كثيرة في أسعار الخضر على عكس الحديث الذي يتداوله الكثيرون، لكن المواطنين يرون أن هذا الارتفاع المحدود يؤثر عليهم، فمستويات الدخل منخفضة أيضا والالتزامات كثيرة وترتفع في رمضان بشكل كبير، وحجم الإنفاق يتضاعف عن الأشهر العادية". كل المعطيات التي عرضت لحد الآن تجعلنا نتساءل: "هل من الممكن تغيير مفاهيم التبضع المقترن برمضان بوسائل تقليدية لا تتعدى بعض الجولات الرقابية تحت لواء عمالة إقليمإفران؟ سيما وأن المستهلكين يشكون من ارتفاع الأسعار ويتهمون التجار بالاحتكار واستغلال الشهر الفضيل لتحقيق مكاسب عالية بسبب الطلب الكبير على الخضر والفواكه؟". بطبيعة الحال لن تتكلل هذه الجولات بأية قيمة مضافة مادامت لا تراعي الأمور التالية: * تطبيق المساطر القانونية الصارمة المرتبطة بالزجر في حالة ثبوت نية الغش من طرف التاجر والقطع مع ممارسات مكشوفة تجعل بعض التجار فوق القانون، حيث يتطلب الأمر قيام السلطات المختصة والساهرة على صحة المواطنين الضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه المضاربة في الاسعار باستغفال المتسوقين والمتاجرة في السلع الفاسدة على حساب صحة وحياة المواطنين… وفي هذا الصدد يمنع القانون بيع أو عرض المواد الفاسدة والمضرة بصحة المواطن للبيع، ومن جهة ثانية يعرض كل مخالف نفسه لغرامة تحدد من 12 درهما إلى 5000 درهم مع مراعاة العقوبات أكثر شدة المنصوص عليها في نصوص تشريعية خاصة… ويذهب الظهير الشريف رقم 1.59.380 في الزجر عن الجرائم الماسة بصحة الأمة في مادته الأولى إلى المعاقبة بالإعدام في حق الأشخاص الذين قاموا عن تبصر قصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو باشروا مسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها. * تعبئة المواطنين قبل حلول الشهر الكريم من خلال نشرات تحسيسية أو خطب في المساجد، تصحح هوس الاستهلاك الذي يضر بالصحة قبل الجيب ويجعل المستهلك عرضة للنصب بسبب ركضه المحموم لملء قفته كيفما كانت السلعة. * تأطير التجار من طرف غرفة التجارة والصناعة والخدمات من أجل وضعهم أمام مجمل المساطر القانونية الزجرية والشروط الأساسية للجودة، والتي يجب أن يلتزموا بها تفاديا لأي أضرار قد تلحق بالمستهلك من غير علم، هذا كي يصبح الدور التأطيري منظما في شكل دورات تحسيسية وتعود دوريات العمالة لواجبها الرقابي الذي لا يقبل دوام الأعذار. * التعجيل بإحداث سوق الجملة للخضر والفواكه، والمساحات التجارية الكبرى، ومجازر اللحوم البيضاء وتحسين ظروف العمل في مجازر اللحوم الحمراء عبر الإقليم وكل الآليات التي من شأنها تقليص كلفة السلع الأساسية ورفع مستوى جودتها. * إحداث نقط بيع مرخصة تراعي المقاربة الاجتماعية من أجل لملمة "الفراشة" الذين يتجولون بالسلع في ظروف لا توفر دوام جودتها خصوصا تلك التي تعرف بسرعة تلفها. * تسهيل الولوج لبرامج دعم التجار التي توفرها بعض الوزارات بشراكة مع الأبناك؛ كبرنامج رواج الذي أطلقته منذ سنوات وزارة التجارة والصناعة والخدمات.. * التعريف إعلاميا بنتائج عمل الأقسام المختصة التابعة لإقليمإفران في مجال السلامة الصحية خصوصا حين يتعلق الأمر بالمواد الغذائية التي يقبل عليها المستهلك بوتيرة متزايدة خلال شهر رمضان، وكذلك إيفاد المنابر الصحفية المحلية بتقارير رقمية قبلية وبعدية. *الدفع بالمجتمع المدني من أجل الانخراط في حماية المستهلك. كلها نقط من بين جملة من النقط المرتبطة بحماية المستهلك تتطلب رؤى واضحة ومسؤولة إذا ما أثرنا سؤالا صريحا حول التدابير الزجرية التي تنوي عمالة إقليمإفران اتخاذها للضرب على أيدي كل من سولت له نفسه التلاعب بسلامة المواطنين، خصوصا ذوي الدخل المحدود؟ وهل ستبقى هذه الدوريات موسمية لا تتجاوز الدور التحسيسي أم أن الأقسام المختصة التابعة لعمالة إقليمإفران ستتجرأ على الدخول في مواجهة صريحة مع المجالس المحلية من أجل إقرار مبدأ العقاب على الكل دون محسوبية انتخابوية؟؟ وعن اجواء الدوريات الرمضانية بإقليمإفران، وقف موقعنا"كاب24تيفي"قبل تنقله الى مكناس خلال اليوم الأول من رمضان الكريم الجاري حاليا، عن قيام لجنة محلية بآزرو بجولة وسط سويقة أحداف، لجنة مختلطة من السلطات المحلية والمصالح الخاصة بمراقبة جودة السلع والأثمنة هدف الوقوف على واقع الأسواق وضبط الأسعار ومنع حالات التلاعب والاحتكار من قبل التجار… جانب ذي أهمية قصوى في المراقبة نغلق به هذا الملف ويرتبط بمسألة الأمن الغذائي التي تعني تحقيق الاقتصاد لأي دولة ومجتمع وشعب تثبيت الدعائم والأسس التي تقوم على الأخلاق والمبادئ والدين والحكم وذلك بسيادة القانون واستقلال القضاء والشفافية والإفصاح والمساءلة وتحقيق العدالة الاجتماعية باعتبار أن مسألة الأمن الغذائي في تحقيق الاقتصاد هي تلك القوانين التي تحمي مبادئ هذا الاقتصاد بكل آفاقه ووسائله وتنظيماته وتشريعاته لتخلق بيئة استثمارية آمنة مادامت مسألة الأمن الغذائي في تحقيق الاقتصاد تعني إعلان الحرب بلا هوادة على الفوضى والرشوة والمرتشين، وعلى الفساد والمفسدين، وعلى مروجي السموم والمخدرات.. وبائعي الوهم والنصب والاحتيال في إطار منظومة واضحة بكل يسر وسهولة وثقة وأمانة بعيدا عن التعقيدات والإجراءات والتشريعات التي تخضع للأهواء والأمزجة الشخصية، وقوانين العرض والطلب، والمحسوبية وغيرها… كلها عوامل تخلق الفوضى والخلل والاضطراب والانحلال والسقوط لكل مبادئ الأمن والأمان وتتجه بالاقتصاد نحو مواقع الخراب والخلل وانعدام الثقة في تشريعاته وأسسه وقوانينه ودساتيره… لننظر من حولنا لنتأمل اليوم واقع المغربي عموما والإقليمي على وجه الخصوص في ظل حضارتنا الإنسانية لنجد كم هي حجم التحديات والمشاكل والأزمات التي تواجهنا في ظل غياب تشريعات عادلة وقوانين منصفة تتخللها مقومات النزاهة والشفافية والنقاء بعيدا عن الفساد الذي يمكن أن يعصف بأخلاقيات اقتصادها ويعرقل مسيرتها نحو التنمية والانتهاج والتقدم والازدهار.