شكلت النتائج الانتخابية التي أوردتها مختلف وسائل الإعلام الأمريكية بتأكيدها على حصول المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن على الاصوات اللازمة والقانونية والتي أكملت النصاب الانتخابي في أن يكون الرئيس 46 القادم للولايات المتحدة في ظل عدم اعتراف ترامب بهزيمته رسميا , صدمة في بعض أوساط اليمين المتطرف بالمشهد السياسي الغربي عموما وفي بعض أوساط الأنظمة العربية خاصة الخليجية الداعمة للاستبداد بدول الربيع العربي والتي لاتختلف عن نظيراتها اليمينية المتطرفة بالغرب. فمنذ صعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة ببلاد العم سام رأينا أن الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف بالغرب بدأ يجد له صدى داخل الأوساط الجماهيرية الغربية ،هذه الخطابات والتنظيرات الشعوبية كانت دائما توجه سهام نقدها تجاه قضايا الهجرة واللاجئين والإسلاموفوبيا. فمنذ صعود نجم ترامب شهدنا حوادث إطلاق نار تجاه المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية وأسيوية في الولاياتالمتحدة كانت اساسا دوافعها عنصرية بحتة حيث كانت تنهل من أدبيات اليمين المتطرف والتي إتكئت على التصريحات التي أطلقها ترامب غير مامرة تجاه المهاجرين واللاجئين علما ان الخطاب اليميني الشعبوي المتطرف تنامى بشكل كبير في الولاياتالمتحدة في بداية 2009 مع صعود حركة الشاي القومية الراديكالية (tea party movement) لأول مرة في الساحة السياسية الأمريكية وكانت مدفوعة بخطر انتصار (باراك أوباما) في الرئاسة، والعداء الشديد الذي أظهرته هذه الحركة ضد برنامج إصلاح الرعاية الصحية الذي دعا إليه (أوباما).هذه الحركة تغلغلت في صفوف الحزب الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، لكن تأثيرهم في الجمهوريين واضح جدًا، نظرًا لنجاح حركة الشاي والتي بالأساس أنشئت داخل الحزب الجمهوري في دفع أعضاء الحزب أكثر نحو التطرف والراديكالية، فقد أصبح للحركة نفوذًا ليس بالهين في أوساط الكونغرس، والذي يعطيها فعليًا -وفي بعض الأحيان- القدرة على عرقلة المنظومة التشريعية الأمريكية بالكامل.ولعل العلامة الأبرز على انبعاث الشعبوية من جديد في القارة الأوروبية في عهد ترامب وتنامي أدبياتها وأفكارها اليمينية المتطرفة في أوساط الحياة السياسية وفي أوساط بعض النخب،السياسية صعود حزب Vox اليميني المتطرف بإسبانيا والذي اضحى قوة سياسية معارضة داخل البرلمان الإسباني أما في النمسا فقد تمكن اليمين المتطرف من الحصول على ثلاث وزارات سيادية في الحكومة الائتلافية: الدفاع والخارجية والداخلية، ولقد ارتكز اليمين المتطرف النمساوي في حملته الانتخابية على قضايا الهجرة واللجوء الإنساني والإسلاموفوبيا معتمدًا على (البروباجاندا) الإعلامية غير الموضوعية التي سوقت لهذا البرنامج.أما في إيطاليا فقد حقق حزب الرابطة اليميني المتطرف الذي يرأسه (ماتيو سالفيني) فوزًا ساحقًا في الانتخابات الإقليمية بإيطاليا، بجانب حليفته في روما حركة 5 نجوم التي تعتبر اليوم الحزب اليميني الأول في إيطاليا. أما في فرنسا وبالرغم فشل وصول زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان إلى الإليزيه إلا أن إيمانويل ماكرون الذي كان دائما ضد أفكار اليمين وهو لاينتمي الى هذه الجهة الأيديولوجية اليمينية الا أنه استعمل مؤخرا خطابا تحريضيا غير عقلاني للهجوم على المهاجرين من أصول مسلمة من خلال تصريحاته الاستفزازية تجاه الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في محاولة منه لإيجاد أصوات انتخابية مقبلة داخل الأوساط اليمينية الفرنسية وذلك بعد فشله الذريع في إدارة ملفات اقتصادية واجتماعية بفرنسا. وربما مذبحة نيوزيلندا الإرهابية التي وقعت في عهد إدارة دونالد ترامب كانت مؤشرا واضحا على الخطاب المتنامي للكراهية والعنصرية وكراهية الإسلام التي تغذي نمو الجناح اليميني المتطرف في الغرب . ومجزرة نيوزيلندا أكدت على مدى خطورة الأحزاب الشعبوية اليمينية في تهديد التجربة الديمقراطية الغربية التي احتوت كل الأطياف الشعبية والألوان الثقافية والدينية، والذي تشكل حاضنة جيدة في رعاية وحماية حقوق المسلمين أكثر من بلدانهم التي ترزح تحت نيران الطغيان والاستبداد وهضم الحقوق وعدم المساواة في ثروات وخيرات أوطانهم المخطوفة من قبل الأنظمة السياسية العربية المنكوبة. فصعود الحمار الديمقراطي بقيادة جو بايدن إلى المشهد السياسي الأمريكي هو ضربة قاسمة لليمين المتطرف والفاشية في العالم وربما من أبرز أسباب خسارة ترامب في هذه الانتخابات هو عدم احترامه للتعددية الثقافية والعرقية والدينية التي تتميز بها الولاياتالمتحدة والتي قامت اساسا على أكتاف المهاجرين واللاجئين.