من أهداف التنمية المجالية تطوير الوسطين القروي والحضري، بتزويدهما بالخدمات الاجتماعية والإدارية، والرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي لساكنتهما، بإدماج الانشطة الهامشية في النسيج والاقتصادي والاجتماعي الوطني والمشاركة في التنمية المستدامة. فمن أبرز معيقات التنمية البشريّة هي المعرفة ومحو الامية، وتمكين المرأة من انشاء مشاريع وتدبيرها والاستفادة من الطاقات الإبداعية الشابة والمحافظة على البيئة. وفي هذا السياق، وفي إطار تبادل الخبرات ومناقشة التجارب المحققة على ارض الواقع في التنمية المجالية للمناطق القروية، نستحضر هنا تجربة لمشروع نموذجي وتنموي تحت شعار "العيش الكريم لكل الصناع المغاربة"، احتضنته جمعية "وكر الطائر للطفل والمرأة" بمدينة تمارة والتي تترأسها الأستاذة يطو عليوي، وبإشراف من جمعية "نساء النور" بتامسنا والتي تترأسها الأستاذة بشرى ساهلة، وبتأطير من طرف الخبير في التكوين والتأطير والتواصل في مجال التسويق والتسيير التنموي الأستاذ حسام الفيلالي الذي تابع تكويناته وتداريبه بالديار الإيطالية، أثر بعد رجوعه الى ارض الوطن ان يتقاسم مجال خبرته مع فعاليات المجتمع المدني وغيرهم بهدف تحقيق تنمية مجالية وترابية ومحلية على الصعيد الوطني. علما ان الأوبئة عبر التاريخ أدت الى احداث بتحولات وتغييرات كبرى في جميع انحاء العالم فتحت الباب امام التجديد والابداع، وعلى هذا الأساس فإن فكرة "المدرسة الافتراضية للصناع والحرفيين والفنانين عن بعد" هذا المشروع الطموح ولدت وترعرعت اثناء الحجر الصحي وما خلفه من فقدان للشغل بين صفوف العديد من العاملين بالقطاع الغير المهيكل وآثار ذلك النفسية على المتضررين. جاء هذا المشروع للأخذ بيد ما يقرب من 300 شخص من اجل تكوينهم في مجالات الصناعة التقليدية ومساعدتهم على تصنيع منتوجاتهم حتى يتسنى لهم توفير دخل قار من شأنه أن يحقق لهم العيش الكريم، الشيء الذي يذكرنا بالمثل القائل "لا تعطيني سمكة كل يوم، بل علمني كيف اصطاد". فكرة "المدرسة الافتراضية للصناع والحرفيين والفنانين عن بعد"، تهدف عامة الى التكوين والتكوين المستمر للعاملين في مجال الصناعة التقليدية، وبالخصوص الفئات الهشة منهم، من اجل خلق فرص الشغل لهم ولغيرهم، بواسطة مشاريع تنموية إنتاجية موجهة للسوق الداخلي وكذا الخارجي، وخلق دينامية بين الفاعلين من صناع وحرفيين وفنانين عبر منصة للتواصل الافتراضي تخول لهم الانخراط في عالم التجارة الرقمية وتسهيل وتيسير طرق التسويق الاليكتروني للمنتوج الوطني محليا ووطنيا ودوليا. هذا المشروع الطموح والواعد والذي يعد سابقة، خصص له عدة وسائل لوجيستيكية وموارد بشرية كفئة على المستوى البيداغوجي والتقني حتى يتسنى له النجاح والوصول والتوصل للنتائج المتوخاة من وجوده. نذكر من بينها منصة تفاعلية وتواصلية، اعداد برامج تكوينية مهنية حسب التخصص عن بعد، مشفوعة بدروس في تقنيات التواصل والدعاية والتجارة والتسويق الرقمية وكذلك تقييم وتثمين مستوى التحصيل من طرف المتكونين باجتياز اختبارات دورية، تخول للناجحين الحصول شواهد تقدير تأهلهم من انشاء مقاولاتهم والشروع في تحقيق مشاريعهم على أرض الواقع وتحسين منتوجهم ومداخيلهم بأساليب مهنية وعلمية راقية تميزهم عن الباقين. وعليه فإنه لا يسعنا الا تشجع مثل هذه المشاريع التنموية المجالية والترابية والمحلية، بل أكثر من ذلك الدعوة الى الاقتداء بها في كل ربوع المملكة، فهي لا تتطلب تمويلات مالية كبرى، لكن لها نتائج واسقاطات إيجابية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، غايتها تحقيق الاستقلال المالي للأشخاص في وضعية صعبة والتخفيف من البطالة، بتوفير مدخول قار ودائم والتقليص من نسبة الفقر والهشاشة، والمحافظة على الموروث التراثي المغربي الأصيل ووضعه بين الأجيال القادمة بأسلوب حديث.