منذ البداية عرفت أصغر بنات الحسن الثاني أنه ليس بمقدورها أن تحلم بمهنة مثل باقي صديقاتها. لكن، كان لديها تقدير خاص لممارسة مهمة الطبيب، خاصة أطباء بلا حدود، مثلما كان لديها إعجاب بمراسلي الحروب الذين يجازفون بحياتهم لتقديم الحقيقة من عين المكان.. مفهومها للسعادة لا يختلف عن مفهوم أي إنسان آخر-كما وضحت لمجلة «سيدتي» في حوار نشر في نونبر 2005، كبرت بنسبة سبعين بالمائة طفلة مغربية وثلاثين بالمائة كأميرة مغربية بمبادئ وأخلاق عالية وليس بالأمور المادية، كما توضح بكثير من الإلحاح، فالتربية بالنسبة إليها تسبق الحسب والنسب. تتذكر والدها الملك الراحل الحسن الثاني بالكثير من الحسرة، وهي ترثيه بعد مرور ست سنوات على رحيله بطريقتها الخاصة:»..إنني فخورة به حين عرفته وفخري مضاعف لكوني ابنته، لأنه بالنسبة لي أحسن مدرسة تعلمت فيها وأعظم كلية تخرجت منها..»
ما طبيعة برنامجك اليومي؟ أحضر وأتواجد بمكتبي باستمرار حسب احتياجات الشغل، لدي التزامات أخرى اجتماعية ورسمية أقوم بها، يمكن أن أحضر للمؤسسة بشكل يومي لمدة أربعة أيام متتالية، ويمكن أن أغيب يومين بسبب انشغالاتي الأخرى أو لظرف صحي أو عائلي، فأنا غالبا ما أتناول غدائي في المؤسسة، فنحن لدينا دوام واحد منذ عامين، وبعد الغداء أزاول مهامي وأذهب لبيتي لأتفرغ لابنتيّ.
ما الذي يجذبك أكثر في العمل الاجتماعي؟ أفضل أن أحكي عما يؤلمني ويحزنني في هذا العمل، إنهم الأطفال، فهم أبرياء جدا ولم يطلبوا منا أن نأتي بهم إلى العالم، هم ملائكة الأرض بالنسبة لي ومن واجبنا كنساء وأمهات ورجال وآباء أن نساعدهم وأن يساهم كل حسب إمكاناته في إسعادهم.
لديك تدخل مباشر وغير مباشر حسب ما نعرف في هذا المجال؟ أرعى ميتما للأطفال في الدارالبيضاء تابع لجمعية الإحسان، ولها عمل ممتاز ومجهودها كبير وظاهر ومع ذلك مازال مطلوبا منا جهد أكبر، أسهر أيضا على رعاية قرية النجدة للأطفال المعوزين، حيث بدأت العمل معها وأنا في سن الرابعة عشرة حينما كلفني والدي الملك الحسن الثاني رحمه الله بها، وكان قد أسسها أحد النمساويين وهي منظمة رائعة ولحد الآن أنا رهن إشارتهم في كل وقت.
هذا الإحساس المرهف بالطفولة هل تغذى أكثر حين أصبحت أما؟ طبعا، الأمومة بالنسبة لي شخصيا منحتني إحساس أن تعطي دون أن تنتظر أي شيء، وحينما رزقت بابنتيّ حاولت أن أعطيهما كل شيء من وقتي وروحي دون أن آخذ، وهذا ما أحاول تطبيقه حتى مع الآخرين.
سنعود بك قليلا إلى الماضي ونود لو تحدثينا عن ذكرياتك مع والدك الراحل الحسن الثاني؟ كلمة ذكريات لا تروقني كثيرا، الملك الحسن الثاني رحمه الله ليس مجرد ذكريات، إنه أولا يسري في عروقي يوميا، وثانيا أنا الآن أعيش على المبادئ التي لقنها لي، وثالثا لأنه كان شخصا فريدا لا يمكن أن يمحى بعد ست سنوات من رحيله ليصبح مجرد ذكرى، لو أردت أن نتحدث عن مواقف لا أتذكرها كلها، هو رجل كما نعرف كلنا كانت له شخصية خارقة للعادة وأنا أقولها وأكررها إنني فخورة به حين عرفته وفخري مضاعف لكوني ابنته، لأنه بالنسبة لي أحسن مدرسة تعلمت فيها واعظم كلية تخرجت منها، كان رحمه الله يفرق جيدا بين حضوره كملك وبين وجوده كأب بيننا وكحضور إنساني، كان مثل أي أب يحب أبناءه ولا أنسى أبدا حين كان يستاء أحيانا من بعض تصرفاتنا كان يقول لنا حينما ستكبرون ستترحمون علي، وفعلا أقف يوميا على كلامه ومواعظه وأترحم عليه.
قلت كلمة (عرفته) فمتى عرفت أن والدك هو الملك؟ أظن أنني فهمت أنه ملك حين بدأت ألاحظ أن تصرف الناس من حوله ليس هو نفس تصرفهم مع رجال آخرين.
وما كان وقع هذه الصورة عليك؟ كنت أراه ملكا بصفة رسمية وفي نفس الوقت كان أبي الذي يعيش معنا نأكل معه وندخل غرفة نومه، ونراه إنسانا عاديا بيننا، لا أذكر وقعا خاصا أو صادما لكونه ملكا، كنت أراه أبي الملك...
أكيد أنك انبهرت بشخصيته؟ كان هناك انبهار وافتخار واحترام وأكثر من كل هذا ربانا جيدا على الإحساس بالمسؤولية، تعلمنا المسؤولية ونحن صغار فكريا ومبادئيا، كانت لديه حكمة يرددها باستمرار هي أن الأدب سبق النسب، وكانت التربية هي هاجسه اليومي، حاول أن ينشئنا على البساطة ولهذا عشنا وسط أبناء الشعب اليتامى وأكثرية الأطفال الذين أحاطوا بنا ودرسوا معنا كانوا أطفالا فقراء، إلى جانب أطفال بعض الوزراء أو أطفال حاشيته، ولكنه حرص -رحمه الله- على أن لا تنقطع الصلة بيننا وبين الشعب، كنا نتواصل في حياتنا اليومية مع كل المغاربة، لهذا أقول كبرت بنسبة 70 في المئة طفلة مغربية و30 في المئة كأميرة مغربية بمبادىء وأخلاق عالية وليس في الأمور المادية، كنا مثل كل الناس لا نلبس أحسن منهم أو نأكل أفضل منهم، كان لدينا نفس البرامج ونفس أسلوب الحياة.
هل يمكن أن نعرف منك اسما خاصا أو اسم دلع كان والدك الملك الراحل يخصك به؟ اعذريني ولا تؤاخذيني لن أستطيع أن أجيبك لأنها كلمة من حقه هو وقد حملها معه إلى مثواه الأخير.
هل كان أسلوب والدك في التربية لا يفرق بين الأولاد والبنات؟ لا فرق، وإن كان مختلفا ومتشددا أكثر مع ولي العهد والأمير مولاي رشيد، في العقاب لم يكن يستثني أحدا، وأحيانا كنا نعاقب نحن الخمسة في نفس الوقت وفي أغلب الأحيان كان الموضوع يتعلق بنتائج الدراسة، وكانت أقسى اللحظات علينا تلك التي نقدم له فيها الدفاتر المدرسية ليرى النتائج.
وعلى ماذا تبنين علاقتك مع ابنتيك الأميرتين للا علية وللا أميمة؟ أختزل علاقتي بهما في ثلاثة مبادىء... الحوار والحوار ثم الحوار، وهو أهم شيء في التربية بنظري، إن غاب الحوار يعني الظلام، بعض أقربائي يعتبرونني قاسية مع ابنتيّ بينما الأمر يتعلق فقط بنظام في الحياة لأني أعشق النظام والاحترام. نتحدث كثيرا وأحيانا تحكيان لصديقاتي عن مشاكلهما، أحاول أن أهدىء قلقهما بصفة غير مباشرة حتى لا أحرج صديقاتي وحتى إن تحدثتا إلي مباشرة فلا أقمعهما، فليس لدي معهما أي موضوع (طابو).
ماذا أفادتك تربيتهن؟ معهما ربيت نفسي من جديد وتعلمت الصبر والإنصات أكثر، صدقيني إن قلت إن تربيتهما ربتني كثيرا.
وطبعا استقيت أصول التربية من محيطك العائلي؟ أخذت أصول التربية من والدي، والتي كنت أعتبرها آنذاك صعبة، لكن بدون شعور أجد نفسي أكرر نفس التربية مع ابنتي وأقول نفس الجمل وأطبق نفس النظام، ليس هناك قاموس للتربية في تقديري. فلكل منا موروث يعيد الاستفادة منه.
كيف ترين شقيقك الملك محمد السادس بعيون الأخت؟ هذا سؤال يحتاج مني لجواب طويل جدا، وعلي أولا أن أحكي عن شقيقي كملك، فلدي إعجاب خاص بنسبة ألف في المئة بالملك الذي قدم الكثير للمرأة المغربية بعد إقرار تغيير قانون الأسرة، ولن تسعني هنا كل العبارات لتقديم الشكر والامتنان له على هذا الإنجاز العظيم، أما عن علاقتي به كأخت فلم تتغير، فمنذ أن نشأنا صغارا ونحن متحابان، علاقتي به كانت مبنية دائما على الاحترام كأخ أكبر، وهذا يعني أنني أحترم في نفس الوقت أخي الأمير مولاي رشيد، الأمر الذي تغير هو انشغالاته الكثيرة التي تجعل وقته ليس ملكه، إلا أنني أستغل كل فرصة لألتقي به أينما كان، لأستشيره ونتحاور في كل أمور الحياة.
وكيف هي علاقتك بباقي أشقائك الأمراء والأميرات؟ نحن مثل أصابع اليد خمسة، كل واحد منا يختلف عن الآخر وإذا نقص أصبع فإن اليد لا تعمل، هذه الصورة هي التي ألخص بها هذه العلاقة القائمة على الحب والاحترام، نحن يد واحدة، قد نختلف ككل الإخوة في العالم لكننا متلاحمون جدا.
والرجل العربي بصفة عامة ما رأيك فيه؟ أبني تصوري عنه بناء على علاقتي بوالدي - رحمه الله - وأشقائي، يمكن للمرأة أن تكسب الرجل العربي أكثر باللين واللطف.
ما هي هوايات الأميرة للا حسناء؟ أحب السفر كثيرا وآخذ ابنتيّ معي منذ أن كان عمرهما سنتين إلى أي مكان في العالم، زرت بلدانا عربية بالسيارة لأنني أعشق جس نبض الثقافات من خلال الآثار والأسواق الشعبية وتذوق المذاقات والنكهات المختلفة.
على ذكر المذاقات، هل تدخلين المطبخ؟ أتقن الطبخ لكن دخوله عقوبة، تصوري أن والدي الملك الحسن الثاني - رحمه الله - حرص على أن نتعلم الطبخ، وكنا نذهب في بداية مراهقتنا لدروس الطبخ مساء كل يوم سبت على امتداد عشر سنوات، أليست هذه عقوبة؟ أشرف على نظام الأكل في بيتي وأشرف أيضا على تفاصيل استقبال ضيوفي وأحدد محتوى الخوان الذي سيقدم لهم.
هل لديك أكلة مفضلة؟ أحب كل أنواع الأكل، وأتذوق كل النكهات وليست لدي أكلة أحبها بعينها.
ومن أين تكتسبين هذه الرشاقة؟ لا أدري، رغم أني أحب الأكل لكنني مهووسة بالرياضة التي هي جزء من برنامجي اليومي وتمارسها حتى ابنتاي.
هل حصلت المرأة المغربية على كل حقوقها بعد مدونة قانون الأسرة؟ لم يعد هناك مجال للشكوى في هذا الموضوع، علينا فقط أن نتيح فرصة للزمن لتتعرف النساء في جميع أنحاء المغرب، أي في بواديه وحواضره، على هذا القانون الجديد، ويستوعب المجتمع جيدا هذه النقلة النوعية التي تمهد الطريق للمرأة لتتطور وتحقق ذاتها بجد.
تتألقين دائما بالزي التقليدي وتحملين أناقة القفطان الراقية، لكن هل ثمة طقوس خاصة بلباس الأميرات؟ سأتحدث عن نفسي لأن لكل أميرة ذوقها وأسلوبها في اللباس، لدي إعجاب خاص بالقفطان واللباس التقليدي المغربي وأجده أنيقا وعمليا حتى بالنسبة للجلابة التي لا يتطلب لباسها مجهودا مثل الجينز تماما، أكون فخورة بلباسي أينما حللت في العالم، واللباس «المخزني» في القصر يتميز بطوله وأكمامه الواسعة والصنعة التقليدية الأصيلة المحاكة بخيوط الذهب الصقلي أو الحرير والتغيير الذي أقوم به يكون على مستوى اختيار الألوان والأقمشة.
شخصيات طبعت ذاكرتك؟ جدي الملك محمد الخامس، لم أعرفه لكن تاريخه العظيم كان رمزا للنضال والتضحية والعمق الإنساني، السيدة الفاضلة فاطمة الفهرية التي أعتبرها من أعظم النساء في تاريخ المغرب، فهي رمز للعطاء وامرأة علم وبَنت أقدم الكليات الإسلامية في العالم، وأقصد جامع القرويين عام 859 للهجرة، وأعطت الكثير من مالها ووقتها من أجل العلم والإنسانية، ثالثا سعيد عويطة البطل الرياضي العالمي، الذي كان أول مغربي عربي يرفع علم بلاده في أكبر ملتقى رياضي عالمي، في بداية الثمانينيات كنت قد تابعت الألعاب الأولمبية فإذا بعويطة يهدينا لأول مرة أجمل إحساس بالفخر، وشكل يوم عودته إلى جانب نوال المتوكل لحظة تاريخية، توجت باستقبالهما من الملك الحسن الثاني رحمه الله أعظم استقبال.
ما هي السعادة لأميرة تملك كل شيء؟ مفهومي للسعادة لا يختلف عن مفهومك أنت أو أي إنسان آخر، ليست هناك سعادة مرتبطة بأميرة أو ملكة، أنا امرأة وأم وربما السعادة الحقيقية هي التي لا نبحث عنها وننشغل عنها بتحقيق أهدافنا في الحياة، أعتبر أن لدي كل شيء لأني أتمتع أولا بصحتي وعائلتي وسلامتي فماذا أطلب أكثر من هذا؟
وكيف تجدين المرأة العربية في رأيك؟ محاربة ومكافحة ولها مؤهلات قصوى وأعتبر سيرة السيدة خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا عظيما، فهذه السيدة المتوازنة الحكيمة والقوية كانت أول سيدة أعمال في الإسلام لها شخصيتها وكيانها وحقوقها التي قد نمنعها اليوم عن النساء بحكم بعض الأعراف، لكنني متأكدة أن المرأة العربية لها عزيمة قوية ستمكنها من الوصول لما تصبو إليه.
ما هي الصورة التي تودين تقديمها للآخر خارج بلدك كأميرة مغربية عربية؟ تربيت على أن هناك شرقاً وغرباً، إلا أننا ننتمي جميعا لكوكب الأرض، لدي تقاليد أصيلة لن أتخلى عنها أبدا، وفي نفس الوقت لست أسيرة الماضي، أنا منفتحة على العالم.