لا خلاف حول أن دور الفن في حياة البشرية الرقي بالروح والفكر والذوق ، وتكمن قيمة الغناء كأحد مجالات الفن في تشكيل هذه الرسالة السامية في حياتنا من خلال الكلم الشاعري الرقيق، والمعنى الهادف، ولكن مع هذه الموجة السوقية التي غزت سوق الأغنية المغربية مؤخرا، يبدو أن هذه الأخيرة قد انسلخت من كل قيمها ولم تعد سوى تجارة رائجة يسترزق بها فنانون شبابا اختاروا الطريق المختصر للوصول. فنانون غوغاء وجمهور أجوف يبدو أن الجدل والضوضاء التي أثارتها بعض الأغاني " السوقية" لبعض الفنانين مؤخرا، جعل موجة كبيرة من الفنانين الشباب ينساقون وراء هذا النوع لتحقيق الانتشار والوصول إلى مزيد من الأضواء في وقت أقصر، وما يثير الاستغراب حقا المستوى الوضيع الذي وصل إليه الذوق المغربي الذي بات يتابع ويصفق ويتغنى بهذه الأغاني مجرد ظهورها، بلا أي نقد أو اختيار.
يبدو أن الذوق المغربي قد غدا أجوفا بليدا، وهو مستعد لسماع كل شيء خاصة ما هو أقرب للغة شارعه، كأن هذا الذوق لم يتعرف يوما على الصورة الأرقى للفن في عبارات" فيروز"و "عاصي الحلاني" و" عبد الهادي بلخياط"... إذن بصيغة أو بأخرى يبقى للجمهور جزء هام من المسؤولية في ابتذال الأغنية المغربية .
أغاني مبتذلة تغزو سوق الأغنية المغربية ربما وحدها المغنية الشعبية " الدوادية" دفعت نسبيا ضريبة أغيتها الأخيرة المثيرة للجدل " عطيني صاكي" التي جلبت لها سخط ولعنة الجمهور، فيما غفل هذا الأخير العديد من الأغاني الشبابية التي ظهرت مؤخرا وأساءت للأغنية المغربية بعمق .
نعتذر إن وصفنا ذلك بالأغنية، " أي لحن؟، وأية جمالية؟ وأية رسالة؟ وأي موسيقي في الكلم تؤهل نتاجهم لأن يوصف بالفن ؟. من بين هذه الأغاني " أغنية " ناري ناري" للفنان الشاب " محمد رضى"، وأغنية "كاينة ولا مكيناش " للفنان " أحمد شوقي"، فرغم أن هذه الأغنية لا تخلو من رسالة ومقاربة قيمة مثلى التي هي " الحب بين الماضي والحاضر"، ولكن كما يبدو طريقة اختيار الكلم واللحن كانت فاشلة، فبدا المغني كأنه يتحدث لا أكثر.
فيما كان الكليب الأخير "درتي ليا الطيارة" للفنانة المقتدرة " أسماء المنور" صاعقة للجمهور المتذوق، إذ ضربت أسماء بتاريخها الفني عرض الحائط وغنت بلغة السوق في ظهور باهت وخافت لا يليق بمستواها، وهو ظهور يبدو أشبه تماما بتقليد ظهور شوقي في "كليبه" الأخير " كاينة ولا مكيناش " .
فيما أقل ما يمكن أن توصف به أغنية " حك لي نيفي " وكلماتها التي تجاوب معها الجمهور المغربي بشكل كبير، وتغنى بها الكثر بالمهزلة .
قد يخيل لبعض الفنانين الشباب من باب " خالف تعرف" أن هذا الاختلاف عن صورة الفن الحقيقي هو بوابة الانتشار وطنيا وعربيا، ولكنه لن يكون سوى عملية تقتيل للأغنية المغربية، فالفنان "سعد المجرد" عندما حقق انتشارا عربيا في أغنيته الأخيرة " أنت باغيا واحد" فلأنها استوفت شروط الرقي ولم تعتمد لغة الشارع في كلمها رغم رسالتها المثيرة للجدل.