اليوم الثاني من مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة عرف عرض فيلم «شلاط تونس» للمخرجة كوثر بنهنية، الذي يواصل جولته العالمية، قبل أن يحط الرحال في مهرجان سلا، تماشيا مع «تيمة» المهرجان، التي تناقش وضع المرأة عموما عن طريق استخدام عدسة الكاميرا لرصد صورة نون النسوة في المجتمعات العربية والغربية. ويدور فيلم «شلاط تونس» حول واقعة قصة حقيقية شهدتها تونس العاصمة سنة 2003، تتمثل في ظاهرة «الشلاط» (منفذ اعتداءات بآلة حادة)، الذي بث الرعب في شوارع تونس في الماضي القريب، وخصوصا بين نسائها، بعد أن دأب على اختيار ضحاياه بدقة واللائي كن نساء متحررات، سواء من ناحية المبادئ أو اللباس، وقد نظر إليه في ما بعد من قبل الرأي العام آنذاك كعمليات «عقابية» انتقامية الفيلم يصنف ضمن الافلام الوثائقية، حيث تتأسس القصة على تحقيق تقوم به المخرجة حول «الشلاط»، وهو شاب عاطل عن العمل اسمه جلال الدريدي، وهو بالاساس ضحية لمجتمع فاسد ومتزمت، وقد ركزت المخرجة على اعتماد استحضار بعض ضحاياه والتصوير بالسجن الذي أودع به والظروف التي ساهمت في بلورة عقدة الانتقام به. المشاهد «الواقعية» التي يصورها الفيلم، من حوارات تلقائية، وشخصيات بعضها حقيقي وبعضها متخيل لكنها تصب في خدمة الخط السردي والرؤية القبلية والحبكة الحكائية التي ترسخ لرسالة واضحة المعالم تجاه مجتمع تونسي وعربي قبل كل شيء ما زال يعاني من اشكالية التنافر بين التحديث الذي وجب اعتماده و قيود التقاليد والعادات التي يعكسها الفيلم الذي يبدأ بسماع خبر إذاعي حول القبض على المعتدي بلهجة انتصار واضحة، أن «الشلاط» المتهم لعب دوره الحقيقي في الحياة والفيلم، وكذلك محيطه العائلي من قبيل والدته وابن عمه وساكني الحي الشعبي الذي يقطنه في تونس العاصمة، وهو عنصر أضفى مصداقية على العمل. كوثر بن هنية مخرجة الفيلم لم تكن تقصد انجاز مهمة تقص بوليسية مثيرة حول قضية «الشلاط» وحيثياتها وخلفياتها، بل وظفت تلك الاسس لتفكيك خطابات المجتمع التونسي على اختلاف شرائحه حول حقوق المرأة وعلاقتها بجسدها بين ملكية ذاتية وشهوة غيرية، حيث تكشف وجهات نظر معبر عنها ضمن فضاءات عامة، ميلا ذكوريا نحو تبرير الهجمات التي استهدفت توقيع ندوب غائرة على أجساد الضحايا، بحجج «أخلاقية»، وطبعا تحميل المسؤولية الكاملة للمرأة واتهامها بالتبرج، هكذا تتحول الضحية لمذنبة بقدرة قادر. والمخرجة قدمت اشارات مرموزة حول مصداقية الرواية المتداولة في المجتمع التونسي، فرغم اعتراف الشاب جلال بأنه مقترف الجرائم وهو المذنب الوحيد، فإن الأمر لم يخل من مفاجأة حين تبين أن الشاب جلال لا علاقة له بالوقائع، حيث آلت القضية إلى الحكم ببراءته من التهم المنسوبة إليه، لتنهار أسطورة ضخمتها الإشاعة، ولتظل الضحايا في انتظار حل للغز، اعتداءات طبعت ذاكرتهن بجرح لا يندمل، لغز لم يفكك لحد الساعة. وفيلم «شلاط تونس» حظي بترحيب لدى عرضه في مهرجانات دولية كبيرة مثل «مهرجان دبي» و»مهرجان كان» فئة الأفلام المستقلة واليوم يثبت جدارته في «مهرجان سلا لسينما المرأة» ويتنافس مع 12 فيلما من مختلف الدول.