لم تتوقع المسنة الغزيّة زينب الخِيسِي، (65 عاماً)، أن تضطر لإعداد الطعام بواسطة “فرن الطينة”، الذي كان أجدادها يسخدمونه في الأزمنة الغابرة. لكن تدمير الجيش الإسرائيلي لمنزلها، في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، أعاد هذا الفرن إلى الحياة، كما أعادها وعائلتها إلى “الحياة البدائية”، كما تقول. وتستعين “الخيسي” بالحطب لإشعال نار الفرن “الطيني”، من أجل طهي الطعام لأسرتها، التي أقامت خيمة بجوار المنزل المهدوم. وبينما كانت تقلّب أقراص “الخبز″ على نار الفرن، قالت لوكالة الأناضول إن “آلة الحرب الإسرائيلية دمّرت منازل منطقة (النزّاز) في حي الشجاعية، بشكل كامل، كما أنها حرقت الحقول والمحاصيل، ولم ينجو من حجارة منزلنا، إلا بعض الأعمدة الإسمنتية الآيلة للسقوط”. ولا يزال أهالي حي الشجاعية يعيشون هول صدمة الدمار الذي لحق لمنازلهم، على يد الجيش الإسرائيلي، فجر يوم 20 يوليو/تموز الماضي، حينما تعرض الحي لقصف عشوائي عنيف، أسفر عن مقتل أكثر من مائة، وجرح أكثر من 500 آخرين. وكان متحدث عسكري إسرائيلي أعلن أن الجيش ألقى على حي الشجاعية، 120 قنبلة بوزن طن لكل منها على بيوت وشوارع الحي. ويقول السكان إن الجيش قصف الحي، دون سابق إنذار، ودمر المنازل على رؤوس أصحابها. وبقطع من القماش المهترئ، تسدّ “الخيسي” الفراغات الواصلة بين الأعمدة الإسمنتية التي بقيت صامدة أمام القصف الإسرائيلي لمنزلها، موضحةً أن الحرب الإسرائيلية التي استمرت لأكثر من 51 يوماً، أعادت “حياة” أهالي حي الشُّجاعية، إلى العصور “البدائية”، حيث يعيش معظمهم داخل الخيام القماشية. وذكرت أن الجيش الإسرائيلي “أباد” عدة مناطق بشكل كامل من حي الشُّجاعية، بحيث أخفت الغارات الإسرائيلية “معالم” الحياة في منطقة “النزّاز″. وتابعت “هنا نستعيض بأفران من الطين عن المطابخ، كما أننا نعيش داخل خيام، ونغسل بالطرق البدائية، فقد دُمرت كافة الأجهزة الكهربائية مع القصف الإسرائيلي، كما أن خطوط الكهرباء مقطوعة عن هذه المنطقة”. ووسط ركام بيت مجاور، تجلس قريبتها المسنة غصون الخيسي،67 عاماً، مقابل وعاء بلاستيكي كبير، وتغسل ملابس أفراد عائلتها يدويا. وفيما كانت تحاول حكّ قماش الملابس بعضه ببعض كي تزيل “الأوساخ” عنه، ذكرت للأناضول أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت منزلها، ومنزل أبناءها الثلاثة ليلاً. وقبل لحظة الاستهداف، خرجت “الخيسي” وأفراد عائلتها مخلّفين ورائهم كافة ممتلكاتهم، وأوراقهم الثبوتية، ونقودهم أيضاً، كما ذكرت للأناضول. وتابعت: “لم يبق من منزلي إلا غرفتين، إحداهما قد تسقط مع مرور الوقت، كما يعيش وسط هذا الركام أكثر من 11شخصاً”. وأوضحت أن أفراد العائلة نصبوا خيمةّ مقابل ركام المنزل، كي يعيشوا فيها، حتّى يتم إعادة إعمار المنزل، حيث تتساءل “الخيسي” :”هل سيتم إعماره قريبا أم لا؟” واستكملت قولها للأناضول: “الحرب الإسرائيلية أعادت حياتنا أكثر من ستين عاماً للوراء، كأننا نعيش في العصور البدائية، نعيش داخل الخيام، ونطهو الطعام على أفران الطين، كما أننا نجلب المياه بدلو بلاستيكي”. وبيّنت الخيسي أن جيرانها من ذات الحي، يعيشون بظروف مشابهة، حيث تنعدم ملامح “الحياة” في هذه المنطقة. وأشارت إلى أن ارتفاع أسعار الشقق السكنية، يقف عائقاً أمام إيجاد بديل للسكن عن ركام ذلك المنزل. وقال نجلها نعيم الخيسي إن الحرب بدّلت الأحوال في حي الشجاعية، فاليوم لا يوجد بديل عن الأجهزة الكهربائية، أو خطوط الكهرباء، أو أساسيات الحياة التي كانوا يمتلكونها داخل المنزل، مشيراً إلى أن الظروف تضطرهم للعودة إلى حياة “البدائيين”. ومع اقتراب ساعات الليل، يشعل “الخيسي” ناراً داخل الخيمة، كي يطرد الحشرات من داخلها، ويمنع دخول القوارض والأفاعي. ويتخوف الخيسي من المرور بظروف معيشية وصحية “صعبة”، خاصة وأن مياه الصرف الصحي بدأت بالتسرب نحو الشوارع العامة، باتجاه المنازل المدمرة، والخيم القماشية. ويذكر “نعيم” أن وجود جهاز الراديو في “حياته” هو ما يؤكد له انه يعيش في القرن ال 21، مشيراً إلى أن واقع الحياة في منطقته مختلف تماماً. ومنذء بدء سريان الهدنة طويلة “الأمد”، يوم الثلاثاء المنصرم، نصب الحاج إبراهيم سكّر 63 عاماً، خيمة أمام منزله المدّمر، في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة. وذكر أنه يعيش في تلك الخيمة لمدة 24 ساعة يومياً، رغم وضعه الصحي الذي يزداد سوءاً بسبب الظروف المعيشية والنفسية التي يمرّ بها بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع. وقال للأناضول:”الحرب أعادتنا إلى عصور قديمة جداً، كان الإنسان يعيش فيها داخل الخيم، لا تأويه حجارة ولا حتى طين”. واستعان الكثير من أهالي حي الشجاعية، وأصحاب المنازل المهدمة، بالقطع القماشية ك”خيمة”، تأويلهم وذويهم، على أنقاض منازلهم المدمرة. ودخل اتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، حيز التنفيذ الساعة السابعة مساء أمس بالتوقيت المحلي (16.00 ت.غ) وذلك بعد 51 يوما من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وشنّت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في ال 7 من يوليو/ تموز الماضي، وتوقفت الثلاثاء الماضي، بعد إعلان وقف اطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، وأسفرت الحرب عن مقتل ما يزيد عن 2100 فلسطيني، وأكثر من 11 ألف جريح. ودمر الجيش الإسرائيلي في غاراته المدفعية والجوية قرابة 15671 منزلا، منها 2276 دمر بشكل كلي، و 13395 بشكل جزئي، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل المتضررة بشكل طفيف، وفق إحصائيات أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.(الاناضول)