رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع إمام جزائري شاذ كتب "القرآن والجسد" وتزوج من جنوب إفريقي اعتنق الإسلام
نشر في نيوز24 يوم 24 - 10 - 2016

محمد زاهد يتحدث هنا حصريا ل "الأيام" عن حياة خاصة مثيرة، ويبسط أسباب وجوده في عالم المثلية الجنسية وكيف تم زواجه ثم طلاقه من رجل، ويقدم أهم خلاصات كتابه وأطروحة دكتوراه التي تتحدث عن موضوع جد حساس، وهو الإسلام والمثلية الجنسية، كتبه رجل كان يبحث علميا ولكن خصوصيته أنه كان يبحث عن أجوبة لحياته، وسؤالها الرئيس هو هل يمكن للمسلم أن يكون مثليا جنسيا أو هل يمكن للمثلي جنسيا أن يكون مسلما؟!

من يكون محمد زاهد لودڤيك؟

أنا جزائري رأيت النور سنة 1977، وقد عشت وكبرت في بيت درست فيه القرآن وقواعد الفقه، منذ أن كان عمري 12 سنة إلى أن أنهيت حفظ القرآن كله وعمري 17 سنة، وفي هذا المنزل المتواضع والبسيط، وفي هذه السن المبكرة، عشت مشاكل لم تكن تخطر على البال، حيث اكتشفتُ أن لي ميولات جنسية مختلفة.

كيف؟

اكتشفت وعمري 17 سنة أنني مثلي جنسيا.

وكيف تأكدت من ذلك؟

حدث ذلك رويدا رويدا، حيث بدأت أكتشف أن رغباتي الجنسية لا تميل إلى الجنس الآخر، وأن شيئا بداخلي يجذبني نحو الجنس الذي أنتمي إليه.

متى بدأت تحس بهذه الأحاسيس؟

لا أذكر بالضبط، لكن في فترة المراهقة على ما أعتقد، أي منذ أن كان عمري 13 أو 14 سنة، لكنني تأكدت من هذه الميولات الجنسية حينما كان عمري 17 سنة.

هل تطلب الأمر أن تجري عملية جراحية لتغيير أعضائك الجنسية؟

لا، المسألة لم تصل إلى هذا الأمر، لكنها لم تتم بسلاسة، كانت عذابا ومعاناة، كانت تتطلب الكثير من الاشتغال على الذات، فالمثليون الجنسيون وحدهم يعرفون درجة الجحيم الذي يعيشونه في مجتمع يرفضهم ولا يقبل أو يتقبل أن يتعايش معهم.

لقد حاولت في سن مبكرة أن أغير ميولاتي الجنسية، وكررت المحاولة أكثر من مرة، وحاولت ربط علاقات عاطفية مع فتيات، لكنني لم أقو على ذلك.

لقد كان الأمر أكبر مني، وهكذا لم يكن أمامي إلا الاقتناع بأنني مثلي جنسيا، هذا قدري الذي حملته معي من الجزائر إلى فرنسا منذ سنة 1995، وقد كانت حينها الجزائر تعيش على وقع الحرب الأهلية.

بعد أن زرت الجزائر في مناسبتين مختلفتين، أقمت بالديار الفرنسية بصفة نهائية، حيث اعترفت لعائلتي أن لي ميولات جنسية مثلية.

كان عمري حينها عشرين سنة، وكانت بداية مرحلة عصيبة، خاصة أن عائلتي تولي الدين وأصوله اهتماما كبيرا، وهي من بين العائلات المسلمة التي تعتبر العلاقات العاطفية والجنسية مع نفس الجنس حراما دينيا، فلم يكن هينا أن أقنعهم أن هذا قدري الذي يتعارض، حسبهم، مع أصول الدين وأحكامه.


لا بد أنها كانت مرحلة صعبة؟

أقرب إلى الجحيم.

لقد اضطررت للتخلي عن قناعاتي الدينية، والاهتمام بالدراسات العلمية والدينية التي تهتم بالعلاقة بين الدين والجنس وبالضبط المثلية الجنسية.

لم يكن هينا أن أغير قناعاتي الدينية وأسبح في ملكوت العلم والدين دون اكتراث للقواعد الجاهزة، حيث درست في البداية علم النفس وبعدها الأنتروبولوجيا، واكتشفت أن المثلية الجنسية ليست مرضا، وأن المثليين الجنسيين بشر في أول وآخر المطاف، وأنهم يستحقون أن يعيشوا كما الجميع، وأن يتمتعوا بجميع الحقوق، وأن مثليتهم الجنسية لا يجب أن تكون عائقا أمامهم.

كم كان عمرك حينها؟

كان عمري عشرين سنة حينما حدثت هذه المواجهة.

وكيف كان رد فعل العائلة؟

أخبرت أبي أولا، خاصة أنه تابع معي تطورات ميولاتي الجنسية، وتابع عن كثب محاولاتي المتكررة لتغيير هذه الميولات نحو الجنس الآخر، وحينما تأكد أن المسألة فوق طاقتي وقدراتي ومتمنياتي، اقتنع وأخبر بقية أفراد العائلة بتقبل الوضع.

لقد كنت في حوار دائم مع جوارحي، وقد حاولت دائما أن أتخلص من حالة الارتباك، وأن أنهي هذه الحرب الذاتية، لكنني لم أستطع أن أتخلص من هذا العذاب، فاقتنعت أن قدري أن أكون مثليا جنسيا.

والدي رجل عاقل، عرف كيف يدير هذا الطارئ، على عكس أخي الأكبر الذي لم يتقبل كوني مثليا جنسيا، لدرجة أنه اعتبر الأمر عيبا اجتماعيا ودينيا يجب إخفاؤه عن المجتمع، بل إنه فكر وحاول بعدها في الضغط على والدي كي أغير ميولاتي وكأن الأمر كان متاحا، لكن والدي فهم أنني لستُ مريضا، ولا أعاني من مرض اسمه "مثلية جنسية"، ولذلك أقنع البقية بتقبل الأمر ما دام ليس هناك علاج..

وكيف تعامل معك محيطك في فرنسا، وخاصة من الجالية المسلمة؟

أنا مثليا جنسيا ولست مخنثا، والفرق بينهما قائم، ولذلك تقبلت الجالية المسلمة بفرنسا هذا الأمر، خاصة أن من بينهم ذوي علم ومعرفة، ويميزون بين المثليين جنسيا والمتحولين جنسيا والمخنثون، لكن هذا لا يعني أن الجميع تقبل كوني مثليا جنسيا، لأنني عانيتُ مع صنف من الذين رفضوا مثلا أن أصلي إلى جانبهم في المسجد، وكانت مثل هذه المواقف وأخرى سببا في تأسيسنا جمعية للمثليين بفرنسا تدافع حتى الآن عن المثليين المسلمين والعرب بفرنسا، والذين يعانون من تمييز وعنصرية وعنف باعتبارهم أقلية مثل عدد من الأقليات اللغوية والإثنية.

حينما قررتُ مكاشفة عائلتي، قررت أيضا التخلي عن الإسلام السلفي الذي تعلمته في الجزائر، الدين الذي يعتمد بالأساس على حفظ القرآن والشريعة الإسلامية، حيث لم أكن أفرق بين الإسلام السلفي والإسلام العادي، ولذلك تركتُ الإسلام السلفي لمدة سبع سنوات لدراسة سيكولوجية الإنسان المقهور وعلم النفس، وكم كانت سعادتي كبيرة حينما اكتشفت الكثير من الأشياء التي لم أكن على علم بها، ومنها علاقة الدين بالمثلية، والتي ساعدتني على العودة إلى للصلاة وقراءة القرآن، ومكنتني من حجز مكان دائم وآمن في رحاب الإسلام دون أن تتعارض ميولاتي الجنسية مع الدين ومع الإسلام على وجه الخصوص، والعيش في طمأنينة إلى الآن، خاصة أن دراساتي للدين الإسلامي وعلاقته ورؤيته وموقفه من المثلية أكدت لي أن العلاقة بينهما علاقة طبيعية، أي علاقة تفاهم وتفهم وليست علاقة عنف واصطدام.


كم نسبة المثليين بفرنسا؟

تقدر نسبة المثليين في العالم بحوالي 10٪، وإذا كانت هذه النسبة تمثل أقلية، فإنها نسبة مهمة لا يمكن تجاوزها، وهذا ما أكدته الدراسات التي أنجزت في هذا المجال.

كيف عشت ال 7 سنوات التي ابتعدت فيها عن الدين وعن الشعائر الدينية؟

كنت في حالة جدل وصراع دائم، ولم أكن أعيش في طمأنينة.

إذن، كيف يعيش المثليون جنسيا المسلمون بفرنسا؟

يعيشون نفس الاضطهاد النفسي والمعنوي الذي تعيشه الأقليات.

هل كنت تؤم المصلين في مسجد بفرنسا؟

نعم، كنت إماما بمسجد بأحد أحياء فرنسا.

وكيف تقبل الناس هذا الأمر؟

طبعا، لم يتقبلوا في البداية، وتطلب ذلك بعض الوقت لإقناع بعض المعترضين والممتعضين من خلال الاجتهادات والتطورات التي عاشتها بعض الدول الإسلامية، ومنها إيران التي تسمح مثلا بإجراء عمليات التحول الجنسي، باعتبارها حلالا دينيا، ثم أمريكا التي سمحت فيها الجالية الإسلامية بإمامة المرأة للمصلين في مسجد يدخله الرجال والنساء، أي في مسجد مختلط، بغض النظر عن ميولات المصلين الجنسية أو عرقهم أو جنسيتهم، مادام الجيمع يلتقي حول واجب ديني مشترك، وهو أداء الصلاة.

إيران الشيعية وأمريكا العلمانية تفسحان المجال للمثليين جنسيا للاستفادة من حقوقهم الدينية كأقليات، ولذلك بدأ الكثيرون في فرنسا يتفهمون أن الدين الإسلامي لا يتعارض مع حقوق المثليين جنسيا، وأن هؤلاء ولدوا هكذا ولم يختاروا بمحض إرادتهم أن يكونوا مثليين جنسيا، وقد ساعدني على أن أصبح إماما بعض التقدميين الذين أصروا على أن أصلي بالناس.

لم تتم العملية بهذه السلاسة، وهناك من طرح الكثير من الأسئلة، ومنها: هل يمكن أن يصلوا وراء مثلي جنسيا؟ هل صلاتهم حلال أم حرام؟ وهل يمكن لمثلي جنسيا أن يصلي بهم؟ ولماذا؟ لقد تطلب تقبلهم لهذا الأمر بعض الوقت، إلى أن تغلبنا على الآراء التي تمثل صراحة نشازا، بالنظر للاجتهادات الدينية والدراسات العلمية التي أجريت في هذا المجال، خاصة وقد استفدت من الدراسات التي أجريتها بنفسي، والتي كانت عوني لإصدار كتاب عن القرآن والجنس سنة 2012، وكانت سندي أيضا للحصول على الدكتوراه في الإسلام والمثلية قبل بضعة أسابيع.

وما حكاية زواجك من شخص مثلي؟

كان ذلك سنة 2001، حيث تزوجت من مثلي جنسيا يتحدر من جنوب إفريقيا، حين التقيته هناك، وقررنا الزواج، ثم سافرنا بعدها إلى فرنسا، وأقمنا فيها بعض الوقت، ثم عدنا إلى جنوب إفريقيا، حيث وضعنا حدا لزواجنا، خاصة بعد المشاكل الكبيرة التي كان قد ظهرت لديه، وتتعلق بنظرته الجديدة وموقفه الطارئ من الإسلام.

كيف؟

لقد اعتبر أن الإسلام ليس دين تسامح وعدل.

لماذا؟

لم يميز بين الدين الإسلامي كما هو نصوص وأحكام وقواعد لا تتغير بتغير الناس والطقوس والأماكن والأزمنة، وبين ممارسة هذا الدين من طرف الناس في الأماكن والأزمنة، ولذلك حينما طفت على السطح الممارسات التي تابعناها في السنوات الأخيرة، مع الدولة الإسلامية مثلا، والأحداث التي تفجرت في الآونة الأخيرة، قرر الارتداد.

في المقابل، لم يكن باستطاعتي أن أغير قناعتي بأن الإسلام الذي اعتنقتُ ودرستُ وتربيتُ عليه هو دين العدل والتسامح.

قلت له بالحرف: لا يمكن أن أتخلى عن ديني، بل إنني لا أتصور حياتي بدون هذا الدين، بل لا حياة لي بدون الإسلام الذي سكن روحي وجوارحي، فلم يكن أمامنا إلا الانفصال.

صحيح، هناك مشاكل تتم باسم الإسلام، أو تُلبس باسم الدين، و يتسبب فيها بعض المتأسلمين، لكنها لا يمكنها أن تكون سببا في إمكانية حدوث مراجعة دينية.

إنه لم يستطع أن يستوعب الفرق بين الفكر والدين، وممارسة هذا الفكر وهذا الدين، ولم يستوعب أيضا أن المثليين جنسيا يوجدون في كل الديانات والأقليات الثقافية، وأن الذي يوحدهم هو تعرضهم للعنف والحصار وحتى القتل.


ما هي العلاقة بين الدين والمثلية كما جاء ذلك في كتابك "القرآن والجنس" الذي صدر في سنة 2012؟

هذا سؤال مهم، بداية لم أجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن المثلية الجنسية أو المثليين جنسيا، وكل ما هنالك قصة قوم لوط الذين كانوا يعبدون الأصنام وكانوا يمارسون الجنس على بعضهم من نفس الجنس بعنف وقوة لدرجة الاغتصاب، لكن الدين الإسلامي لم يأخذ عنهم في التعامل مع المثليين، علماً أن قوم لوط لا علاقة لهم بالمثلية الجنسية كما هو متعارف عليها اليوم، وإذا كانت في القرآن الكريم أكثر من سبعين آية تتحدث عن قوم لوط، فإنه في آية قرآنية يقول الله عز وجل: "ما سبق بها أحد من العالمين"، وهذا دليل على أن لقوم لوط ممارسات جنسية رفضها الإسلام، كما أنهم لا يمثلون المثلية الجنسية التي لم تكن في تلك الفترة، علماً أنها كانت قبل قوم لوط، وطبعاً بعده.

هل هناك في الدين أحكام في التعامل مع المثليين؟ وهل هناك حكم في موقف الدين منهم؟

لم تكن المثلية الجنسية كما هي اليوم في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان هناك المخنثون، وكان النبي الكريم (ص) يدافع عنهم، لأنه ثبت أن المخنثون كانوا يعيشون مع نساء الرسول (ص)، لدرجة لم تكن نساء النبي (ص) يرتدين الحجاب بحضور المخنثين لأن هؤلاء ليست لديهم شهوة جنسية تجاه النساء.

يمكن القول إن المخنثين أقرب إلى المثليين جنسيا من قوم لوط، وهم الذين اكتسبوا في ما بعد، أي بعد قرون من التراكمات، صفة المثليين عندنا في العصر الحالي، لكن الأهم هنا هو أن الدين والرسول (ص) كان يدافع عن المخنثين ولم تكن علاقته بهم علاقة صدام.

تقصد أن الرسول (ص) لم يكن لديه مشكل مع المخنثين الذين يمكن اعتبارهم مثليي هذا العصر؟

نعم، وقد دافع عنهم وحماهم من بعض الصحابة الذين نادوا بقتلهم، لكن النبي (ص) هو الذي حماهم كما ثبت في صحيحي مسلم والبخاري، وقد فعل ذلك مادام أن المخنثين يؤمنون بالله عز وجل ويؤدون الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام ما معناه أنه حرِّم عليه قتل من يصلِّي، فالصلاة كانت رمزا لوحدة الأمة الإسلامية، ومعياراً للعدل والمساواة بين المسلمين.

هل كانت هناك حكايات أخرى في علاقة الدين بالمثلية؟

هناك حديث ينادي بقتل الفاعل والمفعول به، لكنه حديث ضعيف، وقد تم اختراعه للنيل من نبل رسالة الإسلام في هذا الشأن، والإسلام بريء من أن يدعو للقتل حتى في حالة الزنا.

لم يكن للإسلام مشكل مع المخنثين لأنهم ولدوا كذلك، كما أن المثليين المسيحيين قبل الإسلام كانوا يعيشون في سوريا والعراق، ولم تكن لهم مشاكل مع المثليين، كما هو شأن المثليين اليهود الذين كانوا يهاجرون من أوربا إلى الإمبراطورية العثمانية هربا من الاضطهاد الذي كان يمارس عليهم، وبالتالي يمكن التأكيد على أن دار الإسلام كانت فضاء للأمن بالنسبة للأقليات، من المخنثين وغيرهم، لكنها اليوم أصبحت في بعض البلدان العربية جهنم للأقليات بمن فيهم المثليين جنسيا، وهذا دليل على أن الاضطهاد الذي مورس ويمارس على الأقليات لا علاقة له بالدين، بقدر ما له علاقة بالثقافة الدينية والإسلامية.


ما حكاية الدكتوراه التي حصلت عليها في الأسابيع القليلة الماضية حول علاقة الإسلام بالمثلية؟ وهل هناك علاقة بين الدين الإسلامي والمثلية؟

في كتابي "القرآن والجنس" رويت قصتي منذ أن اكتشفت ميولاتي الجنسية المغايرة، أي منذ أن كنت سلفيا إلى الآن مرورا بسفري إلى الجزائر ودراستي لعلوم النفس والأنتربولوجيا... لكن في الدكتوراه تعمقت في دراسة الدين والمثلية والعلاقة بينهما، وأضفت إليها حكايات مسلمين مثليين جنسيا في العالم العربي والإسلامي، وقمت بتحليلها واستخلاص العبر منها...

مثل ماذا؟

رويت قصة المثليين جنسيا بالمغرب، والذين أسسوا جمعية أصوات للدفاع عن آرائهم، ورويت كيف اكتشفوا ميولاتهم الجنسية المغايرة، وكيف توافقوا معها، وحافظوا في نفس الوقت على ممارسة شعائرهم الدينية من قبيل الصلاة في المساجد مثلا، وكيف تعاملوا مع نظرة الناس إليهم كمجموعات تبدو مختلفة...

رويت أيضا قصة "راندا" التي أسست جمعية "أبو نواس" في الجزائر، وهي قصة فريدة تعرضت خلالها "راندا" لمشاكل ومضايقات بسبب ميولاتها الجنسية، والتي جعلتها تغادر إلى لبنان، حيث تعرضت لنفس المشاكل والمضايقات، قبل أن تقرر الاستقرار اليوم في استوكهولم بالسويد.

وبعد ذلك، أخضعت هذه الحكايات الحقيقية والواقعية لمجهر التحليل والبحث، وتعمقت في الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت هؤلاء المثليين إلى تأسيس جمعيات تدافع عن حقوقهم وخصوصيتهم اليوم بالأخص، وليس بالأمس، وحتى الأمس القريب...

وإلى ماذا توصلت؟

المثلية الجنسية موجودة في الثقافة الإسلامية العربية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وموجودة حتى قبل ذلك، وأن المثليين كانوا محميين من طرف الرسول (ص)، وقد أعطت نساؤه كما أشرت إلى لذلك نموذجا رائعا في التعامل مع المثليين جنسيا، لكنهم لم يعودوا يعيشون في أمن اليوم.

ألم تجد في دراساتك أسلوبا سلبيا في التعامل مع المثليين؟

هذا سؤال مهم، لقد تغيرت علاقة المسلمين بالمثليين مباشرة بعد وفاة الرسول (ص)، بحيث تمت العودة لنفس المنطق الصدامي الذي كان يتم التعامل به مع المثليين، وهذا ما دفع الصحابة على التوالي من أبي بكر وعمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم للاتفاق على حماية المثليين تماشيا مع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، خاصة أن بعض القبائل العربية ارتدت عن سنة النبي بعد وفاته، وقالت إن الإسلام مات بعدما مات محمد (ص)، لكن الصحابة وقفوا أمام هذه الدعوات والممارسات التي كانت تتم في عهد قوم لوط، حيث كان الرجال يغتصبون الرجال.

ولم يتغير موقف الدين في عهد الخلفاء من المثلية؟

لا، علما أنه كانت هناك دعوات خطيرة لممارسات قوم لوط، بالنظر للتيار الجارف الذي نادى بذلك بدعوى أن أحكام الإسلام وقواعده ماتت مع محمد (ص)، وقد حدثت وقائع خطيرة في عهد الخلفاء، مما دفعهم للاتفاق المبدئي على تحريم هذه الممارسات عملا بالسنة النبوية الشريفة.

هل كان المخنثون يمارسون حريتهم الجنسية في عهد الرسول (ص)؟

ليست هناك دلائل قطعية في هذا الشأن، وكل ما هناك أنهم كانوا يخدمون نساء الرسول (ص)، لأنهم لا يملكون شهوات جنسية تجاه النساء، وأن هناك من طالب بقتلهم، وأنهم كانوا يلبسون مثل النساء ويضعون الحناء على بعض أطراف أجسادهم، لكنه لا يمكن القول والحسم بأنهم لم تكن لهم ممارسات جنسية.

صحيح، ليست هناك نصوص تدل على ذلك، لكن القول بأنهم لم يمارسوا الجنس في ما بينهم ادعاء خاطئ واقعيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.