قبل خمس سنوات عقب تعيين الملك محمد السادس لعبد الاله ابن كيران في منصب رئيس الحكومة، قبل زعيم إسلاميي المؤسسات أن يفتح قلبه وبيته ل "الايام" التي أفردت له عددا خاصا عبارة عن مجلة تحدث فيها هو بالطبع و لأول مرة عن مسار حياته بين العام و الخاص، ثم تحدث كل أفراد أسرته، وكان حيئنذ الحدث. وبعد تعيين ابن كيران في ولاية ثانية، نعيد نشر حواره مع "الايام" لتقريب القراء من هذا الرجل الذي دخل إلى التاريخ بتسجيله لولايتين حكوميتين، و للمقارنة بين ما كان يفكر فيه قبل 5 سنوات وحاله اليوم، خصوصا عندما يتحدث عن صديق عمره قيد حياته أنذاك عبد الله باها، وهو ما يجعلنا نفهم بعض فصول التوتر التي عاشها بن كيران عقب الرحيل التراجيدي للمرحوم عبد الله باها. يعرف المغاربة عموما المحطات الكبرى من التاريخ السياسي لعبد الاله بن كيران، لكن هناك بعض المراحل التي ما يزال يطبعها بعض الفراغ ومنها التحول السياسي في قناعة الشاب عبد الاله من الفكر اليساري في الشبيبة الاتحادية، إلى التوجه الإسلامي و الشبيبة الإسلامية فكيف حدث هذا التحول الكبير في القناعات السياسية؟ صحيح أنني انتميت للشبيبة الاتحادية مع مطلع السبعينات من القرن الماضي، لكن أول فضاء سياسي و حزبي اقتحمت أجواءه هو حزب الاستقلال، لكن دون أن يعني ذلك أنني انتظمت في تنظيماته، أولا كون والدتي كانت استقلالية وشاركت في العديد من الأنشطة السياسية و الجماهيرية التي نظمها الحزب بمدينة الرباط. والتحقت في مرحلة الشباب باليسار المتطرف، ورغم أنني لا أنتمي إلى أي تنظيمات هذا اليسار، فقد كنت أشارك في المظاهرات التي كان ينظمها مناظلو اليسار، ولم أستمر مع اليسار طويلا. لماذا؟ لأنني اصطدمت معهم سنة 1972، حينما شككوا في نزاهتي و مصداقيتي. لماذا شككوا في مصداقيتك؟ إنها قصة طويلة تعود إلى سنة 1971 أو 1972 لكن جوهرها يكمن في أنهم استغربوا من حماس تلميذ شاب كثير الحركة و الحيوية و المشاركة في كل المظاهرات التي كانوا يدعون إليها، لكن دون أن يلتحق عضويا بتنظيماتهم. ومنهم هؤلاء الذين اصطدمت معهم في هذه القصة المثيرة؟ صدقوني أني لم أعد أتذكر الكثير من التفاصيل لأننا كنا صغارا لم يكن عمري يزيد عن 15 سنة، لكنني أتذكر بعضا من الأصدقاء ومنهم محمد الساسي، بالإضافة إلى شخص آخر اسمه نور الدين الذي اشتغل في ما بعد في سلك الشرطة و قد توفي رحمه الله. وفي تلك الفترة كان الاتحاديون بربطون الاتصالات بمحمد الساسي، وفي هذه الظروف التحقت بالشبيبة الاتحادية، ومع ذلك لم أكن أجد تعبيرات عن تطلعاتي الدينية، علما أنني لم أعرف الاشتراكيين يدافعون عن الفقراء و المستضعفين و الكادحين مثلما كان يفعل سيدنا عمر رضي الله عنه. ولذلك لم أكن مرتاحا في الشبيبة الاتحادية، مع أنني حضرت أشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975، و ما زلت أتذكر الكثير من التفاصيل المرتبطة ببعض الشخوص الذي اشتغلت إلى جانبهم في الشبيبة، بالإضافة الذي انعقد فيه. لقد كانت علاقتي بالساسي قوية، كما هو الشأن بالنسبة لعلاقتي بالسي عبد الله باها، وقد أسست رفقة محمد الساسي فرعا لجمعية الشباب للتعارف من أجل المستقبل، و ظلت علاقتي به و بالشبيبة الاتحادية متماسكة إلى شهر شتنبر 1975. ما الذي حدث في هذا الشهر؟ في هذا الشهر سأعيش تحولا دينيا كبيرا، التقيت في مدينة ايموزار بالشيخ عبد الرحمان بنموسى، وهو الذي ساهم في لقائي بنشطاء الشبيبة الاسلامية صدفة، وكان يصر أن نؤدي الصلاة في المسجد لأنني كنت أصلي في المنزل فقط. لقد قضيت مع الشبيبة الإسلامية مرحلة امتدت من أبريل إلى يناير 1981، قبل أن أقرر القطيعة مع التنظيم بعدما اكتشفت و اقتنعت أن قائدها لم يعد يناضل بشكل جدي من أجل القضايا الكبرى حتى و إن ظل يدعي ذلك. في تلك الفترة تأسست الجماعة الإسلامية، وفي سنة 1985 اجتمع حوالي 60 من الاخوة في صالون هذا المنزل، و قرروا فيه أن أترأس الحركة الاسلامية، و أصدرنا ميثاق الحركة، قبل أن نقرر تجميع الاسلاميين في إطار حزبي، الذي تأجل إلى سنة 1997، فكانت بداية دخولنا للحياة السياسية. من هم الناس الذي أثروا في عبد الاله بن كيران فيما يخص مشواره السياسي؟
أول هؤلاء الأشخاص بحكم التسلسل التاريخي الذي يعود إلى بداية السبعينات من القرن الماضي هو محمد الساسي إلى حدود 1975 ثم عبد الله باها بعد 1976 إلى اليوم قبل وفاته. ما هي الأشياء التي عاشها ابن كيران طيلة مساره الدعوي والعائلي؟ هناك أشياء أنساها بسهولة و هناك أشياء رغم قساوتها علي فإني أتعامل معها بتسامح مع من أساء إلى رغم إني تعرضت للتعذيب في مناسبتين مرة بالكومسيارية بالرباط، حيث تعرضت للاعتقال على يد الخلطي ومرة مقرات dst. هل من الممكن أن تحدثنا عن نوع العلاقة التي تربطك بالخلطي؟ في البدء قام باعتقالي وفي ما بعد أخذت العلاقة طابعا عائليا، حيث نتبادل الزيارات في المناسبات العائلية و العلاقة طيبة إلى حد الآن. ألم يكن تعاملك مع الخلطي يثير لديك نوعا من الاحراج مع الإخوان داخل الجماعة؟ لم يكن هذا الأمر مهما بالنسبة إلي باعتبار أن الشبهات كانت تحيط بي منذ سنة 1972، حيث كان الرفاق في اليسار يروجون أني أقيم علاقة مشبوهة و كوني بوليسيا و بالتالي لم يعد هناك شيئ جديد يحرجني فأقصى ما يمكن أن يقال ضدي قد قيل بحيث لم يكن هناك شيء مشين ضدي إلا وقد قيل في حقي، هناك شتغل لحساب وزارة الأوقاف، وهناك من قال أني اشتغل لحساب الحسن الثاني. أما أنا فكان همي أن تكون العلاقة وبين الله صافية وعلاقتي مع الاخوان واضحة. من هي الشخصيات إلتي ما زلت تقيم معها علاقات في اليسار ؟ في الحقيقة الحركة الاسلامية جرفتني إليها و حتى علاقتي بعائلتي تأثرت بهذا ورغم ذلك فإني أحافظ على صلة الرحم. هل انجرافك نحو الحركة الاسلامية هو الذي جعلك تضع نوعا من القطيعة مع ربطة العنق؟ فقد كنت بالعكس، من الحريصين على اختيار أحسن أنواع الملابس، وكنت منفتحا على الحياة، بخلاصة جميع الأمور التي فعلها الشباب في حياتهم قمت بها باستثناء أني لم يسبق لي تناول الخمر. هل تعاطيت السجائر؟ نعم كنت أدخن و كنت أقتني نوع "كزا" كنت أقتني علبة بها خمس سجائر لا يتجاوز ثمنها خمسة ريالات، وسبب انقطاعي عن التدخين أني مرضت يوما بذبحة صدرية.و كانت آخر سجارة دخنتها 1976، أما الخمر فلم أتذوقه يوما، و أما الأخطاء وكافة المخالفات الأخرى فإن لي فيها نصيبا ككافة الناس و أسال الله أن يغفر لي وللجميع. هل يمكن أن تكشف لنا عن تفاصيل الليلة التي استقبلك فيها الملك؟ الخبر وصلني من طرف الديوان الملكي في الوقت الذي أنهيت فيه عقد ندوة صحفية بمقر الحزب. و أول من أخبرته بهذا الأمر هو مصطفى الرميد، ثم صعدت إلى مكتبي بمقر الحزب، ويوم الثلاثاء استقبلني الملك كنت عاديا. اللحظة القوية التي مررت منها هي ساعة قراءة القسم حيث تأثرت كثيرا. وفي اليوم الموالي التقيت بعباس الفاسي لتسيير الوزارة الأولى بدأت استشعر ثقل المسؤولية وبكل صراحة ولا أخفيكم سرا أني تأثرت كثيرا لدرجة أني أبكيت ليلا وقد ساعدتني زوجتي على تجاوز هذه اللحظة