مشروع "تقوية قدرات الجمعيات وأندية التربية على المواطنة في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان بإقليمأزيلال" -بدعم من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان- موضوع اتفاقية شراكة رقم 20/2012 تقرير الملتقى الوطني للنهوض بثقافة حقوق الإنسان تحت شعار: "النهوض بثقافة حقوق الإنسان مسؤوليتنا جميعا" أزيلال في 13 أبريل 2013 في إطار مشروع "تقوية قدرات الجمعيات التنموية و أندية التربية على المواطنة في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان بإقليمأزيلال"،وبدعم من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وبشراكة و تنسيق مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملالخريبكة و نيابة وزارة التربية الوطنية بإقليمأزيلال و اللجنة المركزية للتربية على المواطنة و حقوق الإنسان بوزارة التربية الوطنية. نظم النسيج الجمعوي التنموي بإقليمأزيلال TADAالملتقى الوطني الأول للنهوض بثقافة حقوق الإنسان تحت شعار:"النهوض بثقافة حقوق الإنسان مسؤوليتنا جميعا" و ذلك يوم السبت 13 أبريل 2013 ابتداء من الساعة التاسعة و النصف صباحا بدارالثقافة بمدينة أزيلال. وقد حضر هذا الملتقى الوطني أزيد من 95 مشارك من مختلف مناطق و مدن المغرب،و فاعلين و ناشطين حقوقين على المستوى الوطني(ذ/ مصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة و الإنصاف و الأستاذ عمر الزايدي) كما حضره أيضا جميع الشركاء المؤسساتيين للنسيج الجمعوي التنموي بإقليمأزيلال: -المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان -المجلس الوطني لحقوق الإنسان -وزارة التربية الوطنية -الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان و المجتمع المدني. استهل هذا الملتقى بكلمة تقديمية وتأطيرية للسيد رفيق ناجي المنسق العام للنسيج الجمعوي التنموي بازيلال،رحب من خلاها بداية بكل الفعاليات السياسية والحقوقية والجمعوية والنقابية وجميع الشركاء في هذا المشروع. مشيرا إلى السياقات العامة الوطنية والمحلية (الإقليمية) التي تعرفها بلادنا عموما وإقليمازيلال على وجه الخصوص: فالأول تؤطره الوثيقة الدستورية التي أعطت مهام واختصاصات جديدة وكبرى لهيئات المجتمع المدني (الديمقراطية التشاركية وإشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام) والثاني يتماشى مع الأهداف العامة والغايات الكبرى للنسيج الجمعوي التنموي بازيلال والتي صادق عليها الجمع العام الأخير.مواكبة منه للمستجدات والقضايا الكبرى التي يعرفها الوطن ، ولعل اختيار – يضيف المنسق العام- مشروع تقوية قدرات الجمعيات في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان بازيلال خير دليل على ذلك، كما أن ذلك الاختيار يرتبط باعتبارين اثنين: الأول أن إقليمازيلال من بين الأقاليم المشمولة ببرنامج جبر الضرر الجماعي والتي عرفت انتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كما جاء ذلك في توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة.والثاني وعينا وإدراكنا كمجتمع مدني بالإقليم بضرورة القيام بدورنا الحقيقي والفاعل خاصة في جانب الترافع والقوة الاقتراحية الفاعلة والمشاركة في التدبير ، أضف إلى ذلك كله، ما يعرفه إقليمازيلال ، إلى جانب الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من هشاشة حقوقية وضعف تواجد وتدخل الهيئات الحقوقية بكل تلاوينها في الإقليم. استطرد المنسق العام ، بالتذكير بكون هذا الملتقى الوطني يتوخى منه النسيج تبادل التجارب مع مختلف الجمعيات الشريكة للنسيج في إطار هذا المشروع ، ولعل حضور هذه الثلة من المتدخلين سيعطي دفعة قوية محليا وإقليميا ووطنيا لهذا المشروع من اجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى من المشروع. أعطيت الكلمة بعد ذلك للسيد احمد شكيب رئيس قسم النهوض بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان الذي أكد على أن هذه المبادرة تكتسي أهمية كبيرة وأساسية بالنظر إلى طبيعة الموضوع الذي تتناوله خاصة في هذه الظرفية التاريخية بالذات التي يمر منها المغرب.معرجا إثرها على التعريف بالمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والتي– حسب قوله– أحدثت شهر ابريل 2011 ووضعت نصب أعينها خطة إستراتيجية (2013-2016) ثلاثة أهداف رئيسية: أولا: مواكبة النهوض بحقوق الإنسان وثقافتها. ثانيا: تقوية الحوار مع جميع الأطراف المعنية وطنيا. ثالثا: تعزيز التعاون مع الفاعلين الدوليين والمساهمة في إدماج مقاربة حقوق الإنسان في البرامج والسياسات العمومية وتقوية القدرات باعتباره ورشا حقوقيا كبيرا يجب أن يتفاعل معه الجميع. إلى جانب إصلاح القضاء ومواكبة مساره بالنظر لأهميته البالغة في تقوية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والعدالة. ودعا السيد شكيب إلى ضرورة إشراك مختلف الأطراف المعنية بمجال حقوق الإنسان من حكومة ومؤسسات متخصصة رسمية وبرلمان وإعلام وجامعة ومجتمع مدني في نشرها وممارستها. من جانب آخر، حاول ممثل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، أن يسلط الضوء على التعامل مع الفاعلين الدوليين كذلك، من خلال تعزيز الحوار والتعاون مع هيئات الأممالمتحدة والمؤسسات الأوربية ذات الصلة بمجال حقوق الإنسان ( الانخراط بالاتفاقيات وما ينتج عنها من التزامات) وتعزيز التعاون مع الآليات الجهوية ودعم الحوار والتعاون مع المنظمات الدولية غير الحكومية أيضا. وقد ختم مداخلته بالتطرق إلى أهم المعايير التي تعتمدها المندوبية لتمويل مشاريع جمعيات المجتمع المدني ( النسيج الجمعوي لازيلال نموذجا) خاصة ما ارتبط منها بالتجربة في التدبير المالي للميزانيات ( تقارير مالية مضبوطة ودقيقة) وخاصة التجربة في مجال حقوق الإنسان إلى جانب توخي الواقعية في المشروع وقابليته للانجاز مع مراعاة ما تتم الإشارة إليه و تحديده في طلبات عروض المشاريع، إضافة إلى الوضوح في تحديد الفئات المستفيدة من المشروع والانسجام التام بين كل عناصر المشروع من بدايته حتى نهايته. أما المداخلة الثانية فكانت للسيد مصطفى المرجاني عن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الذي عبر مند بدايته عن تقديره العميق لاختيار النسيج الجيد لهذا الموضوع بالذات، ومساهمته من جانبه في النهوض بثقافة حقوق الإنسان. مشيرا إلى أن المغرب استطاع أن يكسب رهان حقوق الإنسان لأكثر من عقد ونيف، وان تشكل هيأة الإنصاف ولمصالحة رصيدا مميزا تبنى عليه استراتيجيات وتجارب رائدة في أفق القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، مؤكدا أن تجربة الإنصاف والمصالحة ستظل دوما مرجعا ومنطلقا أساسيا نحو تطوير وتقوية ثقافة حقوق الإنسان، باعتبارها خلاصة لنقاشات طويلة ساهم فيها جميع الفاعلين السياسيين والحقوقيين والجمعويين أشخاصا والهيئات، ومعرجا بعد هذه التوطئة، بالتذكير بأربعة خصوصيات أساسية تؤهل المجتمع المدني للتفاعل وممارسة الفعل الحقوقي: الأولى كونه منفصل عن السلطة وغير تابع لها والثانية عدم خضوعه للسياسي وان كان متأثرا به ومؤثرا فيه مهما تحولت المسارات السياسية للبلد والثالثة كون المجتمع المدني هو الأقدر على رصد الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون بحكم انه في تماس واسع ومباشر ودائم مع كافة شرائح المجتمع، والرابعة ، الخبرة الطويلة التي راكمتها منظمات المجتمع المدني في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتي جعلت منها رائدة، يستفيد منها المجتمع برمته. كما أشار السيد المرجاني من جانب آخر، إلى انه وانسجاما مع دسترة مجموعة من الحقوق ومجموعة من آليات الاشتغال الجديدة، خاصة القطاع الوزاري المكلف بالمجتمع المدني والتي تم العمل من خلالها لوضع إستراتيجية عمل بأهداف إستراتيجية كبرى وغايات سامية خدمة لحقوق الإنسان عامة. وفي سياق حديثه عن مجال النهوض بحقوق الإنسان في السياسات العمومية، أكد على أن الدستور الجديد ألزم من خلال الفصل 13 ،السلطات الحكومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد وتفعيل وتنفيذ وتتبع وتقييم هذه السياسات، كما أن المجتمع المدني إلى جانب المواطنين ، يلعب دورا أساسيا ومهما في التاطير ومواكبة ورصد وتقديم العرائض.. في الموضوع. وفي هذا الإطار ومن اجل توفير هذا المناخ الديمقراطي والحقوقي والاستجابة لمطالب الحركة الحقوقية والجمعوية ، تم إطلاق مبادرة الحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية خاصة ما يتعلق بالتأهيل الشامل للحياة والجمعوية في مختلف جوانبها بغية إعداد ميثاق وطني بمثابة مرجعية ، يحتكم إليه الجميع في تدبير الشأن الجمعوي عموما. من ناحية أخرى، ذكر أن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني تمكنت من إعداد رؤية وإستراتيجية من اجل الرفع من قدرات ومهارات الفاعلين الجمعويين بكافة تراب المملكة، باعتمادها على عدد من البرامج الوطنية التكوينية المستقبلية منها على الخصوص برامج الترافع لتقوية قدراتهم الترافعية ومهاراتهم القانونية والتدبيرية، ثم" برنامج تأهيل " وهو موجه أساسا للشركاء المشتغلين مع الجمعيات المدنية في قضايا مختلفة بما فيها مجال حقوق الإنسان. وفي ختام مداخلته، ابرز السيد المرجاني أن اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأداوره الدستورية تمكنت أخيرا من إرساء آليات اشتغالها ، وعملها لن يدوم أكثر من سنة، وهي التي ستحدد المعالم الكبرى للنصوص القانونية والتنظيمية المرتبطة بالموضوع، معتبرا أن هذه المناسبة / المبادرة تعتبر فرصة تاريخية مهمة يجب أن يتفاعل معها الجميع، داعيا مختلف الفاعلين على اختلاف تلويناتهم واتجاهاتهم إلى المساهمة في رفع وتعزيز وتقوية أداء النسيج الجمعوي في مختلف ربوع البلد. المداخلة الثالثة، جاءت على لسان الأستاذ عبد العالي المعلمي عن اللجنة المركزية للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان بوزارة التربية الوطنية ، ابرز من خلالها أن كل ما تحقق في المغرب تم بفضل الجهود المشتركة لمختلف القطاعات الحكومية ومختلف الفاعلين المدنيين والحقوقيين ،يعتبر مهما جدا، لكنه رغم ذلك يظل دون الانتظارات والطموحات بسبب مجموعة من والاكراهات والمعوقات. وتبقى وزارة التربية الوطنية – حسب تعبيره- واحدة من القطاعات الحكومية التي تلعب دورا رياديا في مجال حقوق النهوض وإرساء ثقافة حقوق الإنسان عبر عدد من المناهج والبرامج والكتب المدرسية والعدة البيداغوجية والتكوينات وغيرها. وارتباطا بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان، اعتبر المعلمي أن وزارة التربية الوطنية تعتبر المجتمع المدني المغربي استثناء في المنطقة المغاربية برمتها وذلك لاعتبارات عدة: أولها غنى مكوناته وتعدد مجالات اشتغاله وتدخله والمستوى المتقدم لديناميته، وثانيها نجاحه في الحفاظ على استقلاليته واستثمارها للنهوض بأدواره رغم الصعوبات وضعف الموارد والإمكانات،و ثالثها لكونه يعتبر تجسيدا عمليا للمواطنة المسؤولة والتي مكنته أن يرقى إلى مستوى الشريك الأساسي للدولة، مما أهله أن يجد لنفسه مكانا مميزا في دستور يوليوز 2013. وأمام ذلك، أصبح على المجتمع المدني عبء كبير ومتزايد ومضاعف عما كان عليه، مما يستوجب عليه ويحتم عليه، تحمل مسؤوليته أكثر، والاجتهاد في تكريس مبدأ التعاون والتشارك مع الجميع كل من موقعه، خاصة ما يرتبط بموضوع ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، يختم الأستاذ عبد العالي المعلمي. أما المداخلة الرابعة، فتطرق من خلالها الأستاذ علال البصراوي عضو المجلس الوطني ورئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملالخريبكة، إلى أن تقوية قدرات الفاعلين الجمعويين في تيمات مختلفة، ليست هدفا في حد ذاتها بل وسيلة تمكنه من الترافع مستقبلا في مواضيع متنوعة وباليات متقدمة. مشيرا إلى أن هناك مواضيع أخرى مرتبطة بها تم فيها تنظيم دورات تكوينية بميزانيات ضخمة، لكن رغم ذلك يبقى السؤال الملح، بالنسبة له، هو أين هي النتائج المحققة؟ وماهو وقعها على ارض الواقع؟ وبذلك فالنسيج الجمعوي مطالب بالقيام بعملية تقييم وتقويم لهذه الدورات التكوينية ونتائجها وتأثيراتها. وفي سياق حديثه عن وظائف المجتمع المدني ، اعتبر أن المرافعة والترافع من المهام والوظائف الكبرى التي يجب أن يضطلع بها ، مؤكدا على قدرته على فعل ذلك. إلا أن المشكل في ذلك- يضيف- هو الآخر " المستمع" والمسؤول والمتفاعل معه. حيث انه في مجال حقوق الإنسان ، خاصة في جهة تادلة ازيلال يجب أن تكون وسيلة للإدماج الاجتماعي ولتكافؤ الفرص بين الأفراد وبين الجهات في مختلف الجوانب الحقوقية. بعد استراحة خفيفة،انطلقت الجلسة الثانية للملتقى، والتي قام بتنشيطها الأستاذ محمد بوكال عضو النسيج الجمعوي التنموي لازيلال، بمداخلة موسعة وغنية للأستاذ المحامي ورئيس المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف السيد مصطفى المانوزي الذي أعرب " بداية مرافعته" عن سعادته الكبيرة لحضور أشغال هذا الملتقى مع مختلف قوى المجتمع المدني بالمنطقة، معتزا في ذات الوقت بمصاهرته لأحد أبناء منطقة ابزو بإقليمازيلال. اعتبر المانوزي انه لا يمكن التربية على المواطنة وحقوق الإنسان إلا بممارستها واستشعارها في يومي المواطنين، بعد أن يتم بناؤها، مستشهدا بما قاله حسب تعبيره، الشهيد بنبركة" نبني الطريق والطريق تبنينا" ذلك ان السياسة باعتبارها نبيلة في أصلها ، يجب ان تكون موجهة ومؤطرة دون أن تهيمن، إذ بها سنتحرر من كل ما تبقى من تمثلات وأفكار سلبية تسكننا. وفي سياق حديثه عن تاريخ حقوق الإنسان وانتهاكاته بالمغرب، أعرب المانوزي عن نيته وعزمه رفقة عدد من المناضلين الحقوقيين والجمعويين تأسيس النسيج الأطلسي للتنمية المستدامة والذاكرة والتواصل التاريخي نظرا للتقارب الكبير والتقاطعات الكثيرة بين مختلف مناطق الأطلس الممتد. مشيرا إلى انه في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف الذي يترأسه، حاول أن يلامس موضوع الحق في التنمية من جوانبه وأبعاده المختلفة، في إطار تفاعلات قوية مع كل الحقوق الأخرى الملازمة له. مقدما شهادات حقيقية تبين أن المناضل السياسي لعب دورا كبيرا لكي يصير حقوقيا منذ تسعينات القرن الماضي خاصة بعد وفاة الحسن الثاني ،من خلال ديناميتين مهمتين: ظهور منتدى المواطنة الذي ضم أطيافا إيديولوجية متنوعة ، كان الهدف منه هو الاشتغال على " التنمية تربية" أساسا وما يرتبط منها من قيم حقوق الإنسان والمواطنة. ثم المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف الذي اهتم " بالتربية حرية" وما يرتبط بها أيضا من حقوق . من ناحية أخرى، ركز في معرض مداخلته، حول أهمية التأهيل والتكوين في المجال الحقوقي لمختلف الفاعلين مع ضرورة توفير الإمكانات اللازمة والكافية لذلك. وقد خلص المانوزي، إلى انه بدون مؤشرات تدابير عدم تكرار الانتهاكات وبدون تنفيذ لتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وبدون إدماج الضحايا وجبر الضرر الجماعي والمناطقي.. يصعب القول بتحقق فعلي للحق في التنمية كحل تلقائي وذاتي مواطن، خاصة وان الخوف قد رفع ولا يكفي التعبير بل لابد من حسن التقدير والاستماع من الأطراف الأخرى في الضفة الأخرى. جاءت المداخلة الثانية على لسان الاستاذ عمر الزايدي كفاعل مدني وحقوقي ، الذي أطرها في أربع محاور أساسية: صورة المجتمع المدني ومجالات اشتغاله ، وثقافة حقوق الانسان وطرق النهوض بها، ثم بعض المفاهيم المرتبطة بموضوع الحقوق والمواطنة من قبيل العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية.. وأخيرا تطور شروط العمل الجمعوي والتشريعات القانونية المرتبطة به. استفاض الاستاذ الزايدي في تسليط الضوء على كرونولوجيا تاريخية للمجتمع المدني وللفعل الجمعوي بالمغرب منذ السبعينات إلى الآن، وما عرفه ذلك من انتكاسات ثارة، وتضييق وقمع ثارة أخرى من طرف بعض أجهزة الدولة للحيلولة دون المساهمة في الوعي المدني والسياسي للمواطنين. إلا أن ذلك- يضيف- لم يثني المناضلين الجمعويين والحقوقيين من القيام بأدوارهم التوعوية والتاطيرية وتقديم تضحيات كبيرة من اجل المواطن والمجتمع برمته. من جهة أخرى، ومع التطورات والتحولات الكبرى التي عرفها ويعرفها المغرب، بداية التسعينات، أصبح المجتمع المدني يشتغل باحترافية ومهنية كبيرة، أبان من خلالها عن قوته وحنكته في تدبير بعضا من الشأن العام للمواطنين، باعتماده على آليات وأدوات وتدابير علمية دقيقة ومضبوطة. مستدلا بذلك بعدد من الشبكات الجمعوية الوطنية و الجهوية التي أصبحت تلعب دورا رياديا مهما في المساهمة في التدبير والتغيير. ختم الاستاذ الزايدي عرضه، بالتأكيد على أن المجتمع له ادوار مختلفة عن تلك التي تلعبها الدولة ، فهو ليس بديلا لها من جهة، لكنه يساهم في تأهيل وتأطير المواطنين من جهة أخرى، عوض أن "يستر عورات الدولة" في مجالات وقطاعات متنوعة ، خاصة تلك التي لها ارتباط وثيق بهموم ومشاغل المواطنين وحاجياتهم، وذلك في استقلالية تامة جدا. إضافة إلى مساهمته في التربية على حقوق الانسان الكونية التي جاءت بها جل العهود والمواثيق الدولية الشاملة من حرية فردية وكرامة ومساواة وتسامح وتعايش وتضامن وتطبيق للقانون واحترام للبيئة. أما المداخلة الثالثة والأخيرة ، فتقدم بها الاستاذ الحسين الإدريسي عن الشبكة الامازيغية من اجل المواطنة، وعنونها ب" الانتماء للهوية الامازيغية : مفاهيمها ومرجعياتها وماذا بعد دسترتها"، معتبرا أنه من الضروري الوقوف على مجموعة من المفاهيم والأسئلة وتوضيح إشكالياتها.فقدم منذ البداية نقدا لاذعا لليسار الديمقراطي في علاقته بالمسألة الهوياتية الأمازيغية، من جوانبها الثقافية والفكرية والحزبية السياسية والجمعوية المدنية- وهو نقد ذاتي في العمق- على اعتبار أن التراكمات والتضحيات النضالية على جميع الجبهات كانت تفتقد أبعاد الهوية الأمازيغية، وذلك لتبنيها " القومية العربية" كهوية ملتبسة ومتلبسة باليسار، مما فسح المجال- على حد قوله- للقرصنة الأصولية أن تستحوذ على كل شيء بعدمية فكرية ونضالية وخواء نظري مهول، وذلك عبر خدعة تبني المقدس وممارسة الأدوار السينمائية منه وبه وعليه وفيه. بعد حلول ما يسمى ب " الربيع العربي". وقد بلغت فيه نخبة اليسار، يضيف ، درجة التنظير للحركة القومجية العربية بأكملها فيما كان يسمى لديها ب" العالم العربي"، وأكبر مثال على ذلك قدمه الدكتور الجابري في مشروعه " نقد العقل العربي"، ولهول المفارقة هو أنه لما سئل الجابري الفكيكي عن اللغة الأمازيغية وثقافتها أجاب:" بأنها مجرد لهجات وتقاليد بالية ستندثر بعد سنوات"، مؤكدا في معرض مداخلته الحماسية ان" القومية العربية" كإيديولوجيا صالحة في المشرق، وهو ما يبين تحمس المفكرين المسيحيين وتنظيرهم لها، لأنها كانت تشكل عاملا وحدويا جامعا بين ما يفرقه الدين بين المسيحيين والمسلمين العرب. أما في شمال إفريقيا والمغرب الكبير بالنسبة للأستاذ الإدريسي فعلى العكس من ذلك كانت الأمازيغية هي عامل الوحدة الجامعة بين ما فرقه الدين بين الأمازيغيين الوثنيين واليهود والمسيحيين والمسلمين، ذلك أن إطلالة سريعة على التاريخ الديني لشمال إفريقيا يبين بأن الأمازيغيين ظلوا يغيرون أديانهم من الوثنية إلى اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام، لكن الهوية الأمازيغية بلغتها ولهجاتها وملابسها وعمرانها وموسيقاها وفنونها وموروثها ظلت واحدة وجامعة بينهم جميعا على اختلافهم، ولذلك وجدنا اليهودي والمسلم الأمازيغي يرتديان جلابة واحدة على اختلاف ديانتهما.مستدلا في ذلك بقوله انه حينما نقرأ كتاب " الاعترافات " لأوغستين نجده يحكي فيه التحول الديني الكبير الذي عاشه بفعل تأثير والدته، كما يحكي عن رفض والده التحول من الوثنية إلى المسيحية. لكن ما يثير الانتباه في حكي أوغستين،حسب تعبيره، هو ثبات مظاهر الهوية الأمازيغية في الحياة العامة رغم تغير الدين، ولو أن هذا الجانب الهوياتي الثقافي يبدو هامشيا إزاء الجوانب الروحانية التي يركز عليها أوغستين، لكن الإشكال الرئيس الذي ظل يتكرر هو خلط الرومان بين الانتماءين الروماني والمسيحي، ليمسحوا بذلك عنوان "المسيحية الأمازيغية"، ويسمونها ب"المسيحية الرومانية" نسبة للمكتسح الروماني، وهو الإشكال نفسه الذي عانيناه مع الحركة الصهيونية حينما ربطت التدين الأمازيغي اليهودي بالجنس العبراني فاعتبرت كل أمازيغي تهود بمثابة عبراني مقيم في بلاد تامزغا، ولذلك قامت بتهريب وتهجير اليهود الأمازيغ إلى إسرائيل على اعتبار أنهم عبرانيون يهود . من ناحية أخرى اعتبر المناضل الأمازيغي الاستاذ الإدريسي أن هذا الضرر كان نتيجة ربط التدين بالعرق وفق ما يسمى ب " شعب الله المختار"، وليس من الصدفة أن يكون خلافنا أيضا مع الأصولية المتأسلمة هو نفسه، وذلك لربطها التدين الإسلامي بالعروبة قومية ولغة وجغرافية، وقد استعانت في ذلك بكل شيء بما فيه الشعر العربي الجاهلي الذي كان يتعارض مع الدين كمعتقد، وهذا ما يفسر حشو كتبنا المدرسية –إبان سياسة التعريب حسب تعبيره- بهذه الآداب والأشعار الجاهلية، مستشهدا بقول الشاعر: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا أبا هند فلا تعجل علينا وأنذرنا نخبرك اليقينا بأنا نورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا في حين ظل النظر إلى الشعر الأمازيغي بأنه مجرد هرطقات للرقص والدندنة، ولم يحظ بأي اعتراف تربوي أو فني أكاديمي؟ ولعل أهم ما أكدت عليه الاستاذ الإدريسي وشدد عليه في مداخلته، هو أنه في الحركة الأمازيغية لا يجب ربط الانتماء للهوية بالعرق،رافضا بذلك التصنيف الذي يصنف القبائل المغربية على أساس عرقي دموي،أثناء الحديث عن " القبائل العربية الأمازيغية" بناء على تصنيفات لهجية ولغوية، أو تقطيعات أو هجرات تاريخية وجغرافية مصطنعة ومفتعلة، أو بناء على جدران أبدية بين حركات سياسية وعسكرية، قائمة على ولاءات إما تجويعية وإما قتالية وإما اقتتال أو تدينات مزورة وترهيبية. ختم الملتقى بمناقشة عامة من طرف جميع الحاضرين ، تفاعلوا من خلال مداخلاتهم مع مختلف المحاور والآراء والمواقف التي طرحها المتدخلون أمامهم خاصة في الجلسة الثانية ، ولم تخلو هذه المناقشة من مواقف حادة أحيانا وعتابات أخوية أحايين أخرى. لكن الجميع اجمع على ضرورة انخراط المجتمع المدني في الدينامية الوطنية، وضرورة تقويته وتعزيز أدواره من اجل الإسهام في تدبير الشأن العام . إعداد:نورالدين حنين(عضو لجنة التواصل بالنسيج الجمعوي)