ببلدة أغبالة النائية، وجدت العشرات من النساء أنفسهن مجبرات على إعالة أسر ممتدة، والقيام بوظيفة ليست من اختصاصهن ،،وحينما تتلبد السماء بالغيوم وترسل أطنانا من الثلوج ،تجد هؤلاء النسوة أنفسهن رفقة فلذات أكبادهن يتضورن جوعا ببطون فارغة، بعضهن مهددات بالتشرد بعدما تهاوت بيوتهن الطينية فوق رؤوسهن . هذه شهادات نسائية من قلب المغرب العميق. في أغبالة نواحي ببني ملال ،تعيل النساء العشرات من الأسر ،مصدر قوتهن بسيط في منطقة معزولة عن العالم "كل مناطق المغرب تمر في القناة الثانية ويطلع الناس على أخبارها إلا منطقتنا ،فرغم أن الطرق التي تربطنا بالقصية وإملشيل وخنيفرة معبدة فإننا نعيش في عزلة تامة ولايعرف أحد أخبارنا "هكذا تتحدث فاظمة أوعلوا شابة في العقد الثاني من عمرها وهي تحاول إسكات طفلها الذي لم يجد شيئا يأكله بعدما توقف الزوج عن العمل نتيجة حادثة شغل في البناء لم يعوض عنها، وأصبحت الزوجة تبحت عن عمل مفقود . تتساقط الثلوج في أغبالة كل سنة، فتقطع الطرق، وتهدم البيوت، وتقتل الماشية وتشعل النار في أثمنة الحطب بعدما تكون الغابة قد لبست البياض. توضح فاظمة أوعلو " هذه السنة تساقطت الثلوج بأغبالة ،بشكل لم نعرف له مثيلا منذ 23سنة ،فسدت أبواب الأزقة والطرق الرابطة بين القصيبة ،وبين أغبالة وإملشيل وأغبالة وخنيفرة،وبين جميع الدواوير التابعة لتراب أغبالة ،وغطت الغابة بالثلج، فتوقفت الحركة بالبلدة المتوقفة أصلا ،ولم يعد السكان يجدون مايأكلون ". قسوة الطبيعة ببلدة أغبالة التابعة إداريا لدائرة لقصيبة،تجعل الكثير من النساء في وضع صعب في هذه الفترة التي تتوقف فيها الحركة ،وتجد المرأة نفسها في أزمة خانقة ،تقول حفيظة العدلونية( 34 سنة ،مطلقة ) "زوجي طلقني بدون منحي مصاريف طفلي الوحيد ،ومن الصعب العثور على عمل بأغبالة فلايوجد سوى العمل في البيوت،علما أن جل النساء يرفضن تشغيل امرأة مطلقة ، وحتى إن قبلن تشغيلك فإنك تقومين بكل شيء مقابل أجر هزيل لايتعدى خمسة عشر درهما أو ثلاثين درهما في اليوم على أبعد تقدير ، وهو مبلغ لايمكن أن يلبي حاجيات طفلي فبالأحرى أداء سومة الكراء وفواتير الكهرباء التي لم أدفعها منذ شهرين ثم نفقات البيت؟" . تصمت قليلا ثم تضيف،"حينما يحل فصل الشتاء تتوقف الحركة ، فقد كنت أشتغل في غابة على الحدود مابين دوار إمرابضن وتاشكونت وعملي يتمثل في تحضير الخبز للعمال الذين يصنعون الفحم في الغابة وأعد لهم الفطور والغذاء .وكنت أقيم لوحدي في خيمة من البلاستيك في الغابة ولم يكن أجري يتجاوز ثلاثين درهما في اليوم، أجلس هناك مدة عشرين يوما ثم أعود لأغبالة لأطمئن على ابني الذي أتركه لدى شقيقتي أو عند الجيران وأعود للعمل، لكن بعد التساقطات الأخيرة لم تعد الخيمة تستحمل ثقل الثلوج و توقف العمل وتركت أمتعتي من أغطية وأفرشة هناك وعدت لأغبالة في انتظار ذوبان الثلوج . الآن أنا عاطلة وعلي أداء فواتير شهرين من الكهرباء ومصاريف الكراء...وحتى الحطب لاأجد ثمن اقتنائه فنضطر لتحمل قساوة البرد". قبل اشتغالها في الغابة قامت حفيظة بالعديد من الأشغال :كالعمل في المقهى ،وإعداد الحلويات في رمضان . كما اشتغلت أيضا في المجال الفني حيث مثلت في فيلم أمازيغي صور بأغبالة، وأسند لها دور شخصته بإتقان وإخلاص، رغم أنها ليست ممثلة ، لكن في النهاية تقاضت عن ذلك الدور مبلغ 150درهما. حفيظة هي نموذج للكثير من النساء بأغبالة اللواتي يعلن أسرا ، ويقطن في بيوت للكراء، ويعانين من عدم توفر فرص الشغل ، فعائشة ذات السبعة وثلاثين سنة هي الأخرى مطلقة تعيل ابنتها ذات العشرين سنة و تعيش نفس المعاناة. عائشة تتجنب الحديث عن ظروفها ،وتكتفي بالقول " كل شيء متوقف بأغبالة ،ومن الصعب العثور على عمل ،وعندما حلت الثلوج زادت من أزمتناحتى أصبحنا في الكثير من الأحيان ننام وبطوننا فارغة ". تؤكد حفيظة أن الكثير من الأسر هنا بأغبالة لاتتوفر على الحالة المدنية ،أو عقد الزواج أو البطاقة الوطنية ،وتبرر ذلك بكون العديد من الناس يعتبرون ذلك ليس بذي أهمية ناهيك عن عدم الوعي والفقر لأن هذه الأسر ليس في استطاعتها دفع خمسين درهما على كل فرد لتسجيله ،بالإضافة إلى بعد المسافة مابين أغبالة وقصبة تادلة". فاظمة أوعلو شابة جميلة سمراء من جماعة بوتفردة ،وجدت هي الأخرى نفسها مضطرة للبحث عن عمل بعدما توقف زوجها عن عمله كبناء نتيجة حادثة شغل. تتدخل فتشرح ذللك بإسهاب "كان زوجي يشتغل بناء لكن سقط، فأجريت له عملية أقعدته البيت وأصبح جد عصبي لايطيقنا ويضربني بدون سبب ويطردني من البيت ويهددني بالطلاق في كل لحظة ،وقد أصبحت أبحت عن عمل ،وأتوجه للغابة رفقة جاراتي لتقطيع الخشب اليابس بيدي وحمله على ظهري لكي أستعين به في طهي الخبز في الكانون ونتدفأ به ،وأعد عليه الأكل، وأذهب عند جزار يمنحني العظام التي يرميها للكلاب لكي أحضر بها العشاء ". لاتتوقف المعاناة عند شظف العيش بل تتجاوزه إلى الاعتداء الجسدي تقول حفيظة "سبق لعدة متسكعين أن هاجموا مينة وأطفالها في بيتها ليلا،وقاموا باغتصابها واعتدوا عليها (جنسيا) بقنينات زجاجية ،وحينما اشتكت لدى الدرك ووجهت بالتوبيخ والاستهزاء ". وتتوالى حكاياتهن... فاطمة تاوعجيجات هرب زوجها لإسبانيا وترك لها ولدين بدون حالة مدنية لحد الساعة مينة ،امرأة أنجبت أربعة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 22 سنة ،عندما تراها تخالها فتاة مراهقة بسبب شدة نحافتها ،توفي زوجها فترملت مبكرا ولم يترك لها أي وثيقة تحدد هويتهم،تعمل حاليا في إحدى المقاهي بأغبالة. رقية المرأة العجوز ، توفي زوجها منذ سنوات وترك لها ابنا مختلا عقليا تتجرع معه مرارة الحياة ،جارتها المرأة المسنةالتي لاتعرف سنها ، مات زوجها منذ عهد محمد الخامس، وبقيت وحيدة بدون أبناء تتسول لإعالة نقسها ولإعالة أبناء أخيها الخمسة الذي توفيت رفقة زوجته . تستمر حكايات هؤلاء المنسيات حياتهن لاتؤرخها الأيام لأنها كلها متشابهة أما وثائق الهوية فلاتعني لهن أي شيء.