في بيت بسيط بشارع الحسن الثاني بأزيلال يجلس رجل وزوجته يتطلعان لكل وافد جديد في حين يتكلف اسعيد صهره العاطل عن العمل وزوجته بالسهر على الزوجين وتوفير الغذاء لهما ،مساء الجمعة الماضي قمنا بزيارة الناجين من "الموت الأبيض" بأيت عبدي بجماعة زاوية أحنصال بأزيلال ، اللذان فقدا أطفالهما الستة قبل شهر بعد انهيار جزء من مسكنهما تحت الثلوج ،محمد أعليتى وفاظمة الصادق بعد خروجهما من مستشفى أزيلال الاقليمي قبل أسبوع . وجدنا فاظمة الصادق جالسة صامتة في غرفة الضيوف ، في حين أقبل محمد أعليتى من غرفة أخرى استقبلونا بحفاوة لم تخفي حالة التيه وهول الصدمة بفقدان أطفالهما الستة دفعة واحدة. محمد أعليتى يحكي عن الليلة المؤلمة التي فقد فيها أطفاله الستة "بتنا في تلك الليلة ككل سكان آيت عبدي محاصرين بالثلوج من كل جانب ،فاق علوها ستة أمتار وغطت كل البيوت ،في تلك الليلة انتبهت وزوجتي على صوت قوي أشبه بصوت الزلزال حاولنا إشعال قنينة "البوطاغاز" التي نستعملها للإنارة ،كانت تلك الحركة البسيطة سبب نجاتنا من مقبرة ركام الأحجار والثلوج ،أصبت بأحجار كبيرة في رأسي وظهري كما أصيبت فاظمة التي أغمي عليها في الحين بجروح كثيرة في مختلف أنحاء جسمها " ، اغرورقت عينا محمد وزوجته بالدموع وهو يحكي عن سماعه لصوت ابنته " السعدية التي تبلغ خمس سنوات التي كانت تبكي تحت الركام قبل أن ينقطع صوتها وتلتحق بإخوانها الخمسة " لم ينتبه محمد لجروحه وبدأ في محاولة إخراج أبنائه من تحت الركام ،أخرجت ولدين ميتين قبل أن يغمى علي بدوري بعدما فقدت الأمل في نجاتهم وبعد أن انقطع صوت ابنتي السعدية". محمد أعليتى ابن عون سلطة الذي يرقد طريح الفراش منذ مدة بفرياطة عند أقارب للعائلة نزحوا هربا من الثلوج ،لم يتذكر بعد ذلك سوى سبابة زوجته فاظمة الصادق التي كانت ترفعها للسماء قبل أن يخبره أبناء الدوار أن ثلاثة أشخاص تكفلوا بإخراجه رفقة زوجته من تحت الركام كما "أخرجوا الأطفال الستة الذين تطوع أزيد من 120 رجل لحفر قبور لهم طيلة يوم كامل نظرا لسمك الثلوج الذي لم أ شهد له مثيل طيلة حياتي". بعد إخراج محمد وفاظمة من تحت الركام بقوا ثمانية أيام ينتظرون وصول تدخل السلطات لإنقاذهم" بعد تناقل أخبار بأيت عبدي تفيد أن طائرة مروحية ستأتي لحمل الجرحى للمستشفى، لكن يبدو أن أحوال الطقس وكثرة التساقطات الثلجية حالت دون ذلك" ،يقول اسعيد الصادق أخ فاظمة ،"طيلة أسبوع كان الدواء الوحيد هو الماء الساخن والفلفل الأحمر نغطي به الجروح ،قررنا حمل الجريحين والمغامرة بالنزول بهما لأزيلال بعد تدهور حالة فاظمة الصحية". محمد أعليتى يحكي عن الأجواء التي كان يعيشها برفقة سكان آيت عبدي وعن مصاعب الحياة هناك ،" الجوع استبد بالسكان هناك ،كنا نجمع مؤونة شهر أو شهرين فقط لم نكن ننتظر أن يطول موسم الثلوج كل هذه المدة ، لقد كنت أملك قطيع ماعز من قبل ، نفقت 25 رأس منها بسبب قلة الأعلاف والجوع ، ونحر السكان 17 رأس أخرى لإطعام الجوعى الذين قدموا أثناء العزاء ولم يتبقى من القطيع سوى 15 رأس وأظن أنها نفقت هي الأخرى بفعل الجوع ومحاصرة الثلوج". محمد أعليتى يؤكد أن "سكان دواوير أيت عبدي لو اقترح عليهم بناء منازل تأوييهم فلن يمكث أحد بتلك الجبال البعيدة نظرا لما عاشه السكان هذه السنة من حصار وجوع ". فاظمة أم الأطفال الستة التي بدأت تنطق بعض الكلمات قبل أسبوع فقط منذ حادثة وفاة أطفالها الستة كانت تتنهد طيلة اللقاء عند ذكر أسماء ابنائها "الرضيعة زهرة ذات 8 أشهر ،والسعدية 5 سنوات،ورابحة 7 سنوات،وعلي 12 سنة،وعائشة 14 سنة وأكبرهم الحسين 16 سنة " لكنها ابتسمت في آخر اللقاء عندما سألت "المساء" الزوجين حول تفكيرهما في إنجاب أبناء آخرين بعد فقدان أبنائهما الستة وقالت بصعوبة "أتمنى أن ألد أبناء آخرين ،الكل بيد الله ،أرجو الله تعالى أن يرزقني بأبناء آخرين". يتماثل محمد أعليتى وزوجته فاظمة الصادق للشفاء ببيت تكفلت عمالة أزيلال بمصاريف كرائه وتوفير بعض الغطاء والفراش البسيط ،يؤكد أقارب محمد أن العامل الجديد علي بيوكناش وعد محمد بمنصب شغل بعد أن تتحسن حالته الصحية ،لكن قلب محمد وفاظمة معلق بالتفكير بأرواح أبنائهما الستة دون أن ينسى محمد التفكير في مصير والدته التي تركها في أعلى الجبل مريضة لا يعلم عن مصيرها شيء، ودعنا محمد اعليتى وزوجته اللذين استقبلا في بيتهما مساء نفس اليوم الحسين دينار الشاب الذي خرج من المستشفى وسبقنا بدقائق لبيت أعليتى الجديد ،والذي حمل هو الآخر على النعش من آيت عبدي لأزيلال يومين بعد فاظمة الصادق وزوجها، ،يستعد الحسين برفقة والده في الغذ للعودة لأيت عبدي عن طرق أنركي رغم الثلوج وحالته الصحية والده الذي جاء برفقته منذ 20 يوم يقول بابتسامة كبيرة فرحا بنجاة ابنه الذي لم يلج المدرسة يوما من موت محقق، "تركت زوجتي وعشرة أبناء آخرين لا أعلم عن مصيرهم شيئا ،لذلك يستحسن أن أعود لأيت عبدي لأن الحسين ينتظره عمل كثير هناك" م أبوالخير هشام أحرار تصوير أ، مراوي إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل