بني ملال، المدينة التي تتخلص من مظاهر البداوة في سياقاتها «القدحية» ، وليس في عمق أصول باديتنا من قيم التكافل والتضامن ودماثة الخلق والأخلاق ... وهذه المظاهر التي التقطتها عيون غير زائغة قبل أهل الدار هي مرتبطة بالبنية التحتية وما تركته مسارات البناء والتعمير أو ما يسمى بالهدم والتدمير للوعاءات العقارية، بما فيها المحرمة بقوة القانون أو بقوة انتمائها المجالي، وكانت حقيقة ينطقها الواقع هي أن مدينة بني ملال حصدت لوحدها تركة ثقيلة في مجال البناء والتعمير تجاوزت حد المؤشرات التي يسجلها سلم الاعاقة التنموية في باقي المدن المغربية: 92 تجزئة عالقة بدون الحد الأدنى من المواصفات، تشوهات عمرانية لم تسلم منها أية واجهة عمرانية، جشع في المضاربة العقارية غير مسبوق، انطلق معه مسلسل التدمير للمحيط البيئي والطبيعي بمعاول غير معقمة شمل تخريبها الأخضر واليابس، المائي والبري، الداني والقاصي، القديم والحديث، ولم ينته هذا المسلسل إلا بعد إحكامه القبضة على مدينة دلتا عين أسردون ليحولها إلى قرية كبيرة، كما أكد على ذلك وزير الداخلية لدى استقباله للمسؤولين والمنتخبين بالإقليم على هامش الزيارة الملكية الأخيرة لهذا الإقليم، والتي أعطيت على إثرها الأوامر لإخراج مدينة بني ملال من هذه الوضعية التي تتسم بالاختناق في مجالاتها العمرانية وما تتسم به من تشوهات، ومحاورها الطرقية وما تتميز به من ضيق وهجوم على الطريق العام والأرصفة والملك العمومي حتى تحولت هذه المظاهر من حالة الاستثناء إلى قاعدة يعمل بها الجميع، فلم يعد هناك بالمدينة مكان عمومي غير محتل، وحسب إحدى الدراسات فالراجلون يستعملون الطرق بنسبة 60 في المائة واحتلال الملك العمومي بنسبة 96 ، وتحولت كافة أطراف وأزقة المدينة إلى مواقف مخنوقة للسيارات مؤدى عنها. ومن جهة ثانية فإن المشروع الحضري والذي أشرف على انطلاقته والي الجهة، واعتبر حينها بداية الغيث، لم يساهم بدوره بالشكل المطلوب في التخفيف من حدة المشاكل العمرانية ، ونظرا لغياب الدراسات الحقيقية والمعمقة لمعالجة المشاكل البنيوية بحلول بنيوية وإمكانيات مالية مراقبة في توظيفها وصرفها وتتبع مجالات صرفها ومطابقتها لدفاتر تحملات المشاريع. وكان لابد أن تكون للمشاريع المهيكلة التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك خلال زيارته الأخيرة للإقليم ، الآثار الإيجابية من حيث الأفق المستقبلي ونتائجها الاستثمارية والتنموية. هذه المشاريع: كتطوير القطب الفلاحي، المطار، الطريق السيار، القطار، كلها واعدة لتحقيق الطفرة التنموية الجادة، وذلك سيكون الحد الفاصل مع استثمار التهافت على البقع الأرضية كما وقع خلال فترة إحداث المنطقة الصناعية ببني ملال حيث هناك من اعتبرها فرصة للحصول على عقار مجهز وهناك من تنبأ بفشل التجربة وبالتالي فالحصول على بقع أرضية بشروط تفضيلية دفع به إلى توهيم الجهة المكلفة «المركز الجهوي للاستثمار بمشاريع لقطاعات إنتاجية». وهكذا انطبق على المنطقة الصناعية المثل الشعبي القائل: «مالو طاح؟ من الخيمة اخرج مايل»، وهكذا وبعد أزيد من 13 سنة من التجربة بالمنطقة الصناعية ، وجد جميع الأطراف أنفسهم في ورطة: إدارة وسلطات، ومركز الاستثمار، والمستفيدون أنفسهم، وبقي الطرف الأخير وكل واحد حسب طبيعة مجال استثماره في وضعية صعبة، فمنهم من اضطر إلى تغيير التصميم لأسباب مرتبطة بتطور الإنتاج أو لأسباب مرتبطة بالمنافسة أو ما تمليه التعاقدات مع أطراف أخرى، وبالتالي السقوط في عدم احترام دفتر التحملات وعدم مطابقة التصميم لواقع الوحدة الإنتاجية أو المخزن، وهناك من قام بتغيير النشاط الاستثماري الأصلي، ومن حول جزءا من البقعة إلى سكن ... هذه المخالفات الاضطرارية في الكثير من الأحيان تعاملت معها السلطة بنوع من الصرامة وخاصة قضية السكنيات والتي اعتبرتها السلطة مخالفة لا تسامح معها، وقد لجأت هذه الأخيرة إلى قطع الماء والكهرباء عن المستفيدين كخطوة أولى في انتظار إعادة الأمور إلى نصابها. هذه الوضعية أدت إلى تأزيم أوضاع المنطقة الصناعية والتي يمكن اعتبارها منطقة معزولة ومحاصرة وتحولت أنشطتها التجارية والصناعية إلى مجرد مخازن للشركات وللمواد الغذائية وحتى «الكحولية»، وهكذا أصبح الجميع يؤدي ثمن أخطاء الانطلاقة غير الصحيحة للمنطقة الصناعية. بمن في ذلك بعض المستثمرين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للرفع من حجم الاستثمار أملته طبيعة المشروع وتطوره وكذا التنافسية التي يعرفها القطاع، أي أن مجرد ملاحظات جزئية وأحيانا بسيطة قد تحول دون توسيع الاستثمار والرفع من حجمه وكذا تحقيق يد عاملة جديدة، وبالتالي إذا لم يتم تسهيل المساطر بنوع من المرونة الموضوعية قد تقبر هذه المشاريع وتطورها. ولعل هذه الإشكالات والمظاهر الشائنة التي تسببت في تعطيل عجلة التنمية المحلية، قد أدت إلى الإصابة بالتخمة في الأعطاب وخاصة بالبنية التحتية والتي كانت بحق محط امتعاض كل زائر لهذه المدينة حيث خصص لها غلاف مالي يقدر ب 962,00 مليون درهم وسمي المشروع بإعادة تأهيل مدينة بني ملال من خلال تقوية وتوسيع وإصلاح المحاور الطرقية بطول إجمالي يقدر ب 250 كيلومترا ..فهل ستتمدن «القرية الكبيرة» بني ملال؟ حسن المرتادي