يقال: ان اذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب، يقال ايضا: الصمت علامة الرضى، فهل صمتنا من ذهب؟ اوليس علامة رضى على حالاتنا المزرية؟ اليست المقولتان صحيحتان في بلدتنا؟ في بلاد الصم يحب المسؤول مجتمع الصامتين، فلا رغبة له في الاصغاء ولا الانصات لشكوى المتضررين، ومتى ينفع الصراخ إن لم يدنو من أذان الأصم ؟ أغبالا، بلدة صمتها من ذهب لدى المسؤول، ومن غائط تجاه نفسها وأبناءها ومصالحها العامة، صمتها يجعل منها بقرة حلوب للحلابين وروثها من واجب أبناءها تنظيف الاسطبل منه، في هذه البقعة الصمت يقتل الطبيعة ويقتل الإنسان، هذه الخصلة الدميمة تؤدي بحياة المنظومة البيئية يوميا، تنفي قيما انسانية كل ساعة، لم يعد هناك شيء يربط ابن أغبالا ببلدته سوى خيطين هاشين، خيط الأمل في التغيير وخيط انعدام الحيلة للهروب. لقد تغيرت البنية السكانية في اغبالا، من هرم ذو اغلبية شبابية إلى هرم طفولية وشيوخية، نزيف ديموغرافي خطير بسبب الهجرة السرية القسرية، (قسرية بظروف قاسية فرضت على الشباب) انها سياسة تغيير بنية المجتمع والطبيعة لأجل التحكم عن طريق التنوع السلبي، فمن اين لنا بميزة الصمت؟ لقد انتفضت جميع المناطق مجاورة للبلدة، إميلشيل، أنركي، انفكو، تنكارف، … وذلك من خلال فئاتها المثقفة والواعية بمخاطر الصمت في بلاد لا تطحن سوى الصامتين على حقوقهم، رفعوا شعار اللاصمت وكانت الاذان لها منصتة، في حين نامت اغبالا على صمتها، فكيف تريدون من الأصم ان يسمع الضجيج وما بالكم بالصمت ؟ ميزة الصمت في بلدتنا بذرة استعمارية في تربة حرة ترعرعت بأسمدة مخزنية بعد “الاستقلال”، تنامت هذه الخصل الذلية مع القمع الذي مارسه قياد المنطقة فترة ما بعد خروج العساكر الفرنسية من البلاد، فأصبحت متجذرة مع مطلع الألفية الثالثة، ساهمت في نضجها تلك الجحافيل الضخمة من الوشاة الذين انتقلوا من الفعل “النضالي” الاسترزاقي الى افعال العبيد بعد 20 فبراير 2011. الصمت، ليس خصلة جميلة وراقية وخادمة للذات ولا للاخر دوما، بل يغلب عليها طابع الذل، وهي الطريق نحو الاستغيال (أغيول) والاستعباد والطحن والرفس…. والخطير في الأمر، أن تجذر هذه الخصلة في بلدان صماء رعاتها، تنمي لدى هولاء فكرة مركزية، ألا وهي أن المجتمع أبكم بطبيعته ومشلول أزلي وسرمدي، وكل صراخ جرح هو شاذ عن الإنسان والطبيعة فيأتي العقاب.