” ليس كل الكتابة كتابة، فمن يريد أن يكتب يجب أن يتحسس معنى المسؤولية، وأما الكتابة من أجل الكتابة أو المال، فمن الأفضل أن لا يكتب، ومن هذا النوع يوجد طائفة، إن لم يكن الكثير ” خالص جلبي أصيب شبابنا بخيبة أمل عميقة، ويبحث عن مكان دافئ، مكان يشعر فيه بإنسانيته، مكان يشعر فيه بالحرية، مكان يتمتع فيه بتعليم جيد وصحة جيدة وشغل قار، وخصوصا عندما اقتنع أن في الضفة الأخرى ملاذه وملجأ شافيا لمعاناته وهمومه. الحزن والشجن سيطرا على أحاسيس شبابنا، عندما يبدأ الواحد منهم بالحديث، ترى كيف تمتلئ عيناه ببريق حاد، وكيف يجتهد لتحويل آلامه إلى أماني خيالية، لا وجود فيها للحزن والشجن، وكيف يتخذ من الضفة الأخرى حلا وحلولا لمشاكله ومعاناته، وكيف يبني ويعقد آماله عليها. هدفي هنا من هذا الإستطراد ليس الوقوف عند عتبة تشخيص مشاكل الشباب ومحاولة جلدهم، أو عقد مفارقات يائسة، وإنما إثارة إشكالية الهجرة ومخاطرها على الدولة والمجتمع على حد سواء، الشباب لم يعد قادرا على تحمل لظى لهيب البطالة، ما يجعل التفكير في الهجرة بأي طريقة أمرا محتوما لا محيد عنه، بعدما تيقنوا أن لا أحد يهتم بهم ويستمع لشكاويهم وتظلماتهم، وبعدما سدت في وجههم كل الأبواب والنوافذ، بعدما وجدوا صرخاتهم وهناتهم تلقى آذانا صماء من السياسيين، وما زاد الطين بلة، أن أمر الهجرة لم يقتصر على الشباب وحدهم، بل تجاوزهم وألقى بظلاله على فئة القاصرين وفئة البالغين، وقد سجلت بعض الحالات في صفوف فئة الشيخوخة. أضحت الدولة مثارا للسخرية والتهكم من قبل مواطنيها قبل المنتظم الدولي، لذا أصبح المرء يفكر بشكل جدي في الهجرة، وربما خيار الرحيل النهائي والإبتعاد قدر الإمكان عن هذا البلد الذي لم يعد يسع للمواطنين، بل يرغب و يسعى في استقبال الرعايا، ولا حاجة له بالمواطنين. هل سيستمر الوضع على هذا المنوال؟؟؟ هذا السؤال يخيم كسحابة فوق رؤوس بعض الشباب الذي مازال يأمل في التغيير وتحسين الأوضاع وإلإحساس بالكرامة، قال الكاتب الإنجليزي برنارد شو: ” إذا أردت أن تخدشني فاخدشني بابتسامة “، يبدو أن الدولة تجاوزت حد الخدش إلى إهانة الشعب، لذا نجد اليوم معظم الشعب يصيح ويقول: قد حان الوقت للرحيل والموت في البحر خير من العيش وسط هذا الذل والإقصاء الممنهج، وذل أوربا لخير من ذل ذوينا. إن التحولات التي تشهدها أوربا بشكل عام، ستحقق لشبابنا مخرجا اقتصاديا وربما حلا اجتماعيا، ومما لا شك في ذلك، ستكون له في المقابل عواقب وخيمة لا تحمد عقباها على الدولة، وحينها ستفتقد الدولة أي دعم أو مساندة من قبل المنتظم الدولي. عندما أستحضر أسماء شباب بلدتي الجميلة، أتفاجأ بعدد ليس بالهين ممن اجتاحتهم رياح الغربة، وارتموا في أحضان أوربا، ولم يعد بإمكانهم العودة إلى بلدتهم، لأسباب تختلف من شخص لآخر، ضاعت آمالهم وتبخرت كما ضاعت وتبخرت آمال عائلاتهم. هذه ليست آراء ولا قراءات ولا تأويلات، هذه حقائق تجمعت لتخلف أزمة، أزمة أضعفت هيبة الدولة التي تتبجح بأنها تستقبل مهاجرين أفارقة، وتسعى لتسوية وضعيتهم ودمجهم أو إدماجهم، في حين تسمح إن لم نقل تدفع بأبنائها للهجرة والرحيل والذهاب بعيدا عن هذا الوطن، وحرمت أبناءها من عطفها وحنانها كما حرمتهم من عطف وحنان آبائهم، فهل هذا يعني أن الدولة تسعى لتغيير سلعة بسلعة بمفهوم أهل التجارة؟؟؟. عندما نُنزل ظاهرة أو إشكالية الهجرة إلى أرض الواقع السياسي، نواجه تعقيدات بلا حصر، فأي رؤية تتحدث عنه الدولة؟ وعن أي مشروع تتبجح به الدولة؟ وعن أي منهج يحدثوننا؟ إذا كانت الدولة جادة وترغب فعلا في الحد من الهجرة، فعليها على الأقل أن تضرب بيد من حديد وتتصدى لكل المتاجرين بفلذات أكبادنا للحد من هجرة القاصرين، فهذا تحدي وطني يجب الإسراع به قبل تفاقم الوضع، فلا يمكن مجابهة هؤلاء المتاجرين وسلوكاتهم إلا بتظافر الجهود، عبر تدخل المصالح الأمنية والقيام بعمليات تحسيسية توعوية، وتشجيع التعليم الجيد وتوفير صحة جيدة وخلق فرص الشغل، وتوفير جو ملائم ومناسب لكي يحس الفرد أنه مواطن حقا، يعيش بكرامة، ويتنسم معنى الحرية، ويشعر بالطمأنينة والأمان. أيتها الشابة، أيها الشاب، أود أن أخبركم أن أجمل سنواتكم تبدأ من الآن، فكروا جيدا في كيفية استغلالها، مازالت البذور تحاول النضوج، إياكم أن تخشوا مرور هذه السنوات وأنتم بدون عمل أو زواج. أيتها الفتاة عوض أن تفكري كيف تعتني بجسدك عندما يفكر أحد في خطبتك، وتتعلم مقالب لإسقاط شاب في شباكك، عليك قبل ذلك أن تدرسي وتتعلمي ، أحسن لك من الإرتماء بين ذراعي رجل جاهل، لا يتقن إلا فرض رجولته. إن كل ما يجب أن يركز عليه المرء في هذه الحياة، هو إغناء عقله بالمعرفة وأن يملأ حياته بالتجارب والمغامرات والقصص الجيدة، لم يفت الوقت ولم يسبقك أحد، ولن تسبق أحد، وعوض أن يبقى المرء يندب حظه في عدم الحصول على عمل أو زواج، عليه أن يدرس ويسافر ويتعلم، يقول جبران خليل جبران: وما السعادة في الدنيا سوى شبح يرجى فإن صار حبسا مله البشر كالنهر يركض نحو السهل مكتدحا حتى إذا جاءه يبطي ويعتكر لايسعد الناس إلا في تشوقهم إلى النبع فإن صاروا به فتروا وختاما: اقرأ ثم اقرأ ولا تنسى أن تقرأ، اقرأ للجميع وآمن بما تشاء. بقلم الداحماد أغبالا في 02يونيو2019