ربما سيكون الوضع أسوأ إذا توفر معنا كل شيء ونحن فاقدون للتفكير، ونحن نختار الطرق الأسهل ونفضل عدم الإجابة، إذ لم نعد نصدق ما نسمعه ، أصبحت لدينا مناعة ضد الكذب والصدق معا، لا شيء تقريبا يؤثر فينا وبتنا فاقدين للمشاعر وننظر إلى الغد بعيون يائسة، ربما ننتظر الأسوأ، كأن الفشل تفشى وغزا رغباتنا، وكمم أحلامنا وتطلعاتنا وآمالنا، أو كما قال حسن أوريد في روايته: ” سيرة حمار ” : مأساتي هي قدرتي على التفكير. نتمرغ في وعود ضحلة ، الكلام نفسه يكررونه على مسامعنا دون خجل من أنفسهم، يبيعون الوهم ويسوقونه، ويعقدون اتفاقيات بشأنه، إنهم يبيعون لنا اللاشيء مقابل أشيائنا، هذا حال سياسيينا ومن والاهم من أشباه المثقفين وأنصاف الصحافيين، أو الأقلام المأجورة إن صح التعبير. إن التخبط السياسي الذي تعيشه بلدتنا مؤخرا، أعطى الفرصة إلى عتاة رموز الفساد السياسي والأخلاقي والإجتماعي، وأشياء أخرى من هذا القبيل، كما منح الفرصة لأشباه المثقفين وأنصاف الصحافيين، هؤلاء يريدون كما لامسنا في السنوات الأخيرة واشتدت حدته في هذه الأيام، أن يفرضوا علينا تحليلاتهم وأفكارهم قسرا، ودونما قدرة على المقاومة. نعم، نحن نؤمن بالإختلاف ومتشبتون بتنويع القراءات، وإن كان ذلك يقلق المتحجرين، الذين لا يؤمنون بالتشاركية، ولا يعترفون بسماع الآراء الأخرى ولديهم هاجس مع كل من يختلف معهم أو يرونه كذلك. دعونا نكون صرحاء ولو مرة واحدة، انظروا إلى التدوينات والمناقشات على مواقع التواصل الإجتماعي، نجد أنفسنا أمام تطاحنات شخصانية وسياسية، والكل يسعى بمفرداته المعجمية التي يتوفر عليها، وبحجاجاته إقناع المتتبعين، لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام نقاشات سوقية في غالب الأحيان، ونقاشات تتسم بالعاطفية أحايين أخرى، نقاشات بعيدة عن المنهج الجدالي، كل ذلك بسبب عاطفة ملئها الغباء الخرافي. من قال إن القلم أعمى؟ إنه لم يعد كذلك، لقد أصبحت له عيون، بل أكثر من ذلك لقد أصبحت له سلطة، ومن قال له أنه لا دين له ولا ملة؟ دينه منا وملته منا، وقيادته تنمو بيننا نرعاها، حتى تكبر وتتمنطق، فهل هناك نية لتشجيع القلم الحر، وإبقائه قادرا على مواكبة ما يقع وما سيقع، وتصحيح ما فات؟ أم أن الرغبة لدى جزء من المتحكمين وأعداء المصلحة العامة هي الإنتهاء منه ومن الإزعاج الذي يسببه لهم، والإلتفاف حوله إلى حد الإختناق؟ صحيح أننا لا ننتمي معهم لنفس التوجه، ولا نأتمر بأوامر من جهات معينة، ولا ننتظر رضى أحد، بل نحن ننتمي إلى هذه البقعة الجغرافية المتنوعة المسماة أغبالا، دعونا أن نرى بلدتنا بعيون مختلفة ومتنوعة، لا بعين واحدة كما يروق لكم كثيرا ما أتجنب الخوض في مثل هكذا مواضيع، لكن هذا التخبط الذي أراه وأتابعه يوميا على مواقع التواصل الإجتماعي ( الفايسبوك مثلا ) يفرض علينا بإلحاح شديد أن أعيد إلى مسامعكم ما كنت أردده قبل سنوات عديدة، لأن في الإعادة إفادة والتكرار يعلم الشطار، ولا بأس من الإصرار لكي نتواصل جيدا بعيدا عن شعارات خاوية وجوفاء، لقد أصبح موقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك، آهلا بالمتملقين وأصحاب المصالح الشخصية والفضوليين، أولائك الذين لم يعرفوا شيئا، لكنهم يصرون على قول العديد من الأشياء المتناقضة عن أوضاع البلدة، ولا نغفل باعة أنفسهم بأبخس الأثمان، وأولئك المسخرين ممن يحملون أصوات أسيادهم، والمستعدين لتغيير كتف البندقية، بل وتغيير الجسد كله لصالح من يدفع أكثر، كل هذا موجود ومع عدد كبير من الأميين وأنصاف المتعلمين وعديمي المواهب ممن تسللوا إلى ميدان الصحافة عنوة، فأهانوها وأهانوا معها الصحافيين الأحرار النزهاء، ونزلوا بها إلى حضيض الحضيض، هؤلاء يرغبون في المال فقط، حياتهم هكذا لا يحيدون عنها قيد أنملة، هؤلاء انكشفت مؤخرتهم مؤخرا، واتضح لمن يجهلونهم أنهم انتهازيون ومستعدون لفعل أي شيء. لكي يداروا عفنهم سعوا إلى تنظيم مسيرات احتجاجية وتجييش الناس من أجل تقوية وفرض آرائهم العفنة المتعفنة، ومن ثمة زرع الفتن وإشعال النعرات بين مختلف مكونات المجتمع الأغبالي، حتى أضحى حال المتتبع للشأن المحلي كأعمى يتلمس الطريق نحو وجهته، ويلتفه الغموض بسبب تعدد الروايات المتضاربة ، والتي لا تمت بصلة للواقع، وهدفهم هو إعادة السكين إلى الجرح القديم، وقد صدق أدونيس في شأنهم لما قال في قصيدته: ” كل شيء ينهض احتفاء باللاشيء “ بلى، تمرض الكلمات هي أيضا وبعضها تصير عمياء، صماء، بكماء هذا حال الكلمات حين تأتي على لسان المتملقين وأصحاب الأقلام المأجورة وليس المهجورة، وربما نحن أحوج أكثر من أي وقت مضى لسقراط ليقول قولته الشهيرة ” تكلم حتى أراك ” . اتضح للبعض أن كلمة وقرارات أغلبية المجلس الجماعي مقدسة ولا تنطق عن الهوى، ولا يأتيها الباطل من بين أيديها، ولا ترتكب أخطاء، ولا تذنب، وأنه وحتى إن ظهر عكس ما يرونه، يجدون الفرصة والطريقة والملكة وحتى الموهبة أمامهم مواتية، لكي يغيروا الأشياء ولكي يقدموها في لبوس لا علاقة له بالحقيقة، ويضطرون إلى البحث في إيجاد مشجب يعلقون فيه إخفاقات المجلس، كفاكم تشتيتا لانتباه الساكنة بالحديث عن المعارضة وإيهامهم بأنه البعبع الذي قوض جهود الأغلبية وحال دون تنفيذ مشاريعها واستكمال مسعى دعاة التغيير، لذا تجدهم مصرين على انتزاع مكاسب وهمية من خلال النقاش في شخص الرئيس، مستبعدين دور باقي الأعضاء، كأنهم كراكيز لاغير، والأدهى في الأمر، أن الذين يدعون الحياد، نجدهم في جل منشوراتهم وتدخلاتهم جد منحازين إلى صف الرئيس، هل هي العاطفة يا ترى؟ أم هناك شيء آخر نحن غافلون عنه؟ كما تسربت بعض العقليات التي لا تريد تغييرا، وخلقت نقاشات تعود إلى عصور سحيقة، وأنعشت بعض التصرفات الملتبسة التي تذكرنا بالتباسات مجالس سابقة، وإحياء صراعات مجانية ( صراعات المصالح الصغيرة وغيرها من المثبطات )، وتعيد إنتاج التخلف وبعضا من بؤس الحياة، وكما ساهمت بكل قوة في المسارعة بدفن القوى الحية للإنتهاء من إزعاج، ظلت هذه القوى تشكله لها على امتداد كل الأيام، كثيرا ما سعوا إلى قتلها فكريا ودحرها ثقافيا، الحس الخيالي التنظيري انتصر على حساب الحس الواقعي التطبيقي . الناس تبحث عن لقمة العيش بعيدا عن ضجيج السياسة وشعاراتها الرنانة، وبعيدا عن هلوسة المنافسات التي لا تفيدها في شيء، والسياسيون لا يستطيعون حل مشاكلهم الشخصية، فبالأحرى حل إيجاد حلول لمشاكل الساكنة التي لا تتوفر على أدنى شروط العيش وتعاني من البؤس والفقر والعزلة. تشكلت فروع حزبية متنوعة في الأوراق حسب ما يظهر للعيان، أما في الواقع لا نرى لها أي وجود، ولا أي تحرك سواء كان سياسيا، ثقافيا اجتماعيا…، وهناك بعض الأشخاص يعتبرون من مؤسسي جل هذه الفروع ، وغالبا ما نجد أسماءهم واردة في مكاتب هذه الفروع، وهنا يبدو لنا قصور السلطة المحلية التي تكتفي بالتفرج. . أعرف ويعرف أناس آخرون غيري أن المسألة كلها خضعت لمنطق استهتار سياسي، انتهى إلى ما انتهى عليه، وكنت ممن تنبأ وحكم على هذا المجلس قبل تشكيله بأنه سيكون من أسوأ المجالس المتعاقبة على الشأن المحلي، وكنت أتمني أن يكون تنبؤا مخطئا، لكن للأسف صدق ما تنبأنا به. لذا نقول مجددا لأصدقائنا السياسيين بجميع تلوناتهم الحزبية، أن يشرحوا لنا مجددا ما الذي وقع، وأن يقدموا لنا تفسيرا مقبولا يقنعنا، ونحن في الإنتظار دونما حاجة لإطالة في الكلام، كما أدعوا نفسي وباقي الأقلام بتخفيف الضغط الممارس ضد هذا المجلس الفتي، خاصة وأن معظم أعضائه حديثوا العهد بالسياسة. وفي الختام: وماذا لو اشتعلت كل الشموع؟؟ بقلم الداحماد