أصبح المغرب مع مطلع القرن العشرين قضية ومسألة متداولة بين الدول الاستعمارية. فبعد احتلال القوات الفرنسية لمنطقة الشاوية سنة 1908، وكذا التسوية الفرنسية-الألمانية للقضية المغربية بعقد اتفاق 4 نونبر 1911 ساد الاعتقاد لدى أصحاب القرار من سياسيين وعسكريين بسهولة غزو واحتلال المغرب بذريعة ضعف السلطة المركزية واضطراب الأوضاع الداخلية في هذا البلد المتسم بانقسامه إلى مجموعة من الوحدات الاجتماعية التقليدية وعلى رأسها القبيلة والقيادات المتنافسة والقوى المرابطية. وباعتبار الشرف أحد العناصر الهامة التي مكنت المغرب من تجاوز أكثر من أربع أزمات تاريخية كبرى منذ وصول الأدارسة، فقد أصبح الناس ينظرون إليه باعتباره عاملا أساسيا يُمَكِّن من الانتصار على المستعمر. ويقول م.بللير بهذا الصدد:” لقد كان الناس ينظرون إلى من يترأسهم إذا كان شخصا منحدرا من سلالة النبي «شريف» باعتباره فألاً ورمزاً للنصر أثناء الدفاع عن الاسلام المهدد”. وفي هذا الاطار يمكن فهم الدور الحاسم الذي لعبه الشرفاء في تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار، كما هو الحال بالنسبة للأسرة الحنصالية. لقد انخرطت قبائل الأطلس الكبير الأوسط، بقيادة سيدي علي أمهاوش في المقاومة، منذ عمليات الانزال بالدار البيضاء في غشت 1907 واحتلال الشاوية وتوغل الفرنسيين بالمنطقة الشرقية، حيث جمع قوات قدرتها المصادر بعشرين ألف مقاتل. إلا أن المقاومين الذين حاولوا اعتراض تقدم القوات الفرنسية ببودنيب انهزموا، الشيء الذي اضطر سيدي علي إلى التراجع، كما حاول صد الفرنسيين عن مدينة خنيفرة سنة 1914 حينما تقدم بحشوده إلى منطقة واد سرو. وبعد أن توفي سيدي علي سنة 1918 ألت زعامة المقاومة إلى ابنه سيدي المكي بطل معركة تازكزاوت ما بين 12 يوليوز إلى 16 شتنبر 1932، والذي قال عنه الجنرال لانصو LanÇon:” إن تأثير سيدي المكي على السكان كان قويا لدرجة أن كل محاولاتنا لتشتيت صفوف أنصاره بواسطة التفاوض باءت بالفشل، حتى إن كل مبعوثينا إليهم لا يعودون أبدا. ولهذا يتحتم علينا أن نلتزم بالحيطة والحذر وأن ننتظر حربا ضروسا مع هؤلاء، لا نستطيع في الوقت الراهن تقدير عواقبها.” لكن رغم استماتة هؤلاء «الجبليين الأقوياء» الذين عزموا على المقاومة والقتال حتى الموت، فإن اختلال موازين القوى بين الطرفين أجبر سيدي المكي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفرنسيين حقنا للدماء. وبعد أسبوع من المفاوضات استسلم المقاومون يوم 14 شتنبر 1932 للجنرال هوري القائد الأعلى للقوات الفرنسية بالمغرب. ومن ناحية أخرى، فعندما داهمت القوات الفرنسية مدينة مراكش سنة 1912 شرع إحنصالن بزعامة شيخ زاويتهم، آنذاك، سيدي محا، في الاستعداد للمقاومة. وهذا الزعيم هو “سليل ولي يحظى بالإجلال في منطقة الجنوب كلها، ذلك هو «داد سيدي» ومعناها سيدي العزيز، الرجل ذو القط الأسود، وكان صاحب كرمات وخوارق انتقلت منه البركة، كاملة إلى سيدي محا”. فالمكانة الروحية التي يتوارثها حفدة سيدي سعيد أحنصال أبا عن جد، هي التي خولت سيدي محا شهرة منقطعة النظير بين قبائل الأطلس الكبير الأوسط التي تمتثل لسلطته الروحية. وهذا ما يبدو جليا من خلال قيادته للعمليات الجهادية منذ أن وطئت أقدام الفرنسيين مجال نفوذه. ففي سنة 1916 لم يتراجع عن أزيلال إلا بعد انهزامه أمام جيش الجينرال De lamothe المدعم بقوات المدني الكلاوي وقائد هنتيفة أشطوا أوراغ. وعلى الرغم من ضعف عدته الحربية، وقلة عدد جنوده، فقد استطاع الحاق الهزيمة بالفرنسيين مرتين: في سنة 1918 قرب بويحيا، وفي سنة 1922 على مشارف أيت بوكماز. لأنه “كان على أتم الاستعداد للمعركة، فقد تصالح، بنباهته الدبلوماسية، مع ابن عمه الحسين أتمكا الذي كان خصما له، وذلك استجماعا للقوة لمواجهة المخزن والروم”؛ أي الفرنسيين. وفي الوقت الذي قامت فيه قوات الاحتلال بمحاصرة إحنصالن، ومعهم قبائل المنطقة، عن طريق بناء مراكز المراقبة بكل من بين الويدان وواويزغت لم يجد سيدي محا بُدًا من الاستسلام للسلطات الفرنسية في 27 يونيو 1923 بعد أن قدم إلى مراكش صحبة عدد من شيوخ القبائل لتحية جلالة السلطان مولاي يوسف، والاعتذار إلى أصحاب القرار لدى قوات الاحتلال عن موقفه المعادي للفرنسيين، وأسندت إليه قيادة قبائل المنطقة فيما بين 1923 و 1933. وقد لقي هذا الموقف معارضة شديدة من لدن القبائل المجاورة التي أصبحت مستعدة للقيام بالثورة على الزاوية الحنصالية، التي كانت تعتبر بالأمس القريب من أغلى مقدساتها؛ ففي فاتح شتنبر 1932 قام أيت بولمان بالاستيلاء على 850 رأسا من الغنم في ملكية آيت تاغية، وهددوا إحنصالن بسوء عاقبة الميل إلى سلطات الاحتلال. ورغم ما أحدثه استسلام سيدي محا من مواقف على المستوى المحلي والوطني، وما كان له من آثار سلبية على سمعة زاويته ونفوذها، إلا أن سيدي حساين أُتَمْﯖة أسرع لرتق الفتق الذي بدأ يظهر في علاقة القبائل بالزاوية الحنصالية على إثر خضوع سدي محا للفرنسيين، فقد واصل مقاومته ضد قوات الاحتلال الشيء الذي مكنه من إعادة بناء صرح الرأسمال الرمزي المتهاوي للأسرة الحنصالية، واكتسب بذلك نفوذا قويا بين سكان آيت سخمان الغربيين وآيت إصحا وآيت عطا نومالو وآيت بوزيد. ويعتبر سيدي حساين بمثابة الخلف الروحي للمرابط سيدي علي أمهاوش في الطريقة الدرقاوية، وفي زعامة قبائل المنطقة. فهو “ذو السيادة السانية والأخلاق الزاكية والأوصاف الطاهرة والأحوال الربانية والنسب الباهر والأصل الطاهر وحاكم أيت داود أعلي والقبائل المجاورة”، كما يمثل الجيل الثاني من المقاومين بعد وفاة كل من أمهاوش وموحى أسعيد اليراوى ومقتل موحى أُحْمُّو الزياني.”كان سيدي حساين من الوجوه البارزة التي واجهت قوات الاحتلال منذ أن هاجمت خميس آيت مصاض في خريف سنة 1916 إلى أن لقي ربه راضيا مرضيا في سنة 1930… وكانت تعتبره سلطات الاحتلال عدوها اللذوذ”. وخلال مواجهته لقوات الاحتلال، كانت له مراسلات واتصالات عديدة مع زعماء وطنيين كبار في المنطقة وخارجها، كمحى أسعيد اليراوي والمكي بن سيدي علي أمهاوش وبلقاسم النكادي. فعلى سبيل المثال، نجد أن بلقاسم النكادي استغاث بسيدي حساين من أجل استرجاع سلطته التي بدأ احترامها يقل شيئا فشيئا بسبب استبداده بحكم تافيلالت. فعندما “خرج من الريصاني يستنفر الناس إلى الجهاد في المحافل والأسواق، ويظهر من نفسه الصلاح، أعرض الناس عنه إلا القليلين… وحين أنس من الناس الاعراض كتب إلى الحنصالي فتفقا على الاجتماع في زاوية سيدي بيعقوب في أسول… ولكن لم يقع الاتفاق بين النكادي والحنصالي”. كما توصل سيدي حساين في يونيو 1925 برسائل من الريف تحثه على الشروع في المقاومة لتجميد حركة الغزو. وقد عثرنا على نسخة لرسالة الخطابي إلى سيدي حساين تتضمن ما يلي: يحثه على مواصلة الجهاد ويدعوه إلى الصمود وعدم الانخداع بالعدو المهزوم لا محالة. يقترح عليه سبل التنظيم وتدبير شؤون أعمال الجهاد، وينبهه إلى عدم التفريط في المحافظة على السلوك الاسلامي القويم، وبصدد ذلك يسدي إليه بعدة نصائح. يعتقد الخطابي أن مسألة تعيين عامل على المنطقة يعتبر من الأمور المستعصية لأن العامل “يكون دائما في الرباط وفي القتال ولا يذهب إلى داره إلا في الأوقات اللازمة ومهما حاد عن هاته الطريقة فالعامل معزول عندنا ولا عذر له”. وتجدر الاشارة إلى أن سيدي حساين عقد ثلة من التجمعات بحضور شيوخ القبائل بغية التخطيط للعمليات الجهادية التي سيشنها على الفرنسيين، وخلالها طلب من القبائل أن تنتخب شيوخ الحرب لاقتفاء أثر المستعمر حذو النعل بالنعل. ومن بين هؤلاء الشيوخ نذكر: الشيخ علي أُمُحَا لدى أيت عطا، وابن حساين نايت عيسى لدى أيت مساض، وابن حامد لدى اتحادية أيت إسري، ومحا أعوراي لدى أيت داود أعلي بأيت سخمان. وقد استمر هذا الزعيم في عمله الجهادي إلى أن وافته المنية يوم 13 ماي 1930. وبوفاته، كما أكد الجنرال كيوم Guillaume، يختفي الخصم الرئيسي للفرنسيين من مسرح وادي العبيد، وتنمحي صلة الوصل الوحيدة بين آيت إصحا وآيت سخمان وآيت اسري. وقد خلفه ابنه الأكبر سيدي علي الذي ورث عنه حظوته ونفوذه وبركته. وبالرغم من ضعف إمكانياته، فقد واصل مقاومة التغلغل الفرنسي بالمنطقة وبقي سدا منيعا أمامه إلى آخر رمق، حتى أنه اعتبر كواحد من بين آخر الزعماء الذين تصدوا للفرنسيين في المغرب؛ ففي الوقت الذي كان فيه الجنرال دو لوستالDe Loustal يحتل آخر جيوب آيت صحا بين تيلكويت وتالمست تقدم زعماء الأسرة الحنصالية إلى المقيم العام لوسيان سان Lucien saint في تالمست للإعراب عن ولائهم لسلطات الاحتلال وعن استعدادهم لاستعمال نفوذهم لدى القبائل المتمردة.