إن شعبا بدون ذاكرة شعب بدون تاريخ، والذاكرة الوطنية الموثقة تضمن الاستمرار للأوطان في تعاقب الأجيال، تلك الأجيال التي من حقها أن تعرف تاريخ أجدادها وروموز وطنه. رجلالات المقاومة وجيش التحرير، الذين ستشهدوا ، والذين رحلو ، والذين شاخوا بيولوجيا لهم على الجميع حق الاعتراف ورد الحميل عبر ثوتيق ملاحمهم الوطنية. ارتبط اسم محا أحنصال بالزاوية الحنصالية، وبشدة مقاومته للقوات الفرنسية المحتلة، وكان شيخ الزاوية الحنصالية بأكوديم بمنطقة أزيلال، التي كانت تتمتع بنفوذ قوي في عدد كبير من قبائل الأطلس الكبير مثل آيت إصحا، وآيت مازيغ، وآيت بوكماز، ومكونة، وآيت أوسيكيس، وآيت مسيمير، وآيت بويكنيفن، وآيت سخمان الشرق من آيت عبدي. وكانت تتلقى الزيارات من آيت بوزيد وآيت عتاب وآيت أونير من برنات وآيت عباس وآيت عطا الصحراء. تزعم المقاومة ضد القوات الفرنسية في جهة الأطلس الكبير، وتمكن من خلال حركته من كسب تأييد قبائل أخرى عدة، وتوسيع نفوذ عملياته بشكل كبير. وأهله نفوذه الروحي وتحالفاته مع القبائل المجاورة لخوض مقاومة واسعة النطاق ضد القوات الفرنسية الغازية، وكسب جولات عدة في مواطن متفرقة. وأثرت شوكته في الفرنسيين الذين انهزموا أمامه في عدد من المعارك، كما مني حليفهم الكبير، باشا مراكش التهامي الكلاوي، بخسارة فادحة، حين قتل ابن أخيه عبد الملك في إحدى المعارك وأعقبه وفاة والده المدني كمدا عليه. ويمكن رصد أطوار المقاومة التي خاضها محا أحنصال ضد القوات الفرنسية من الخلال المحطات التالية. قام بمحاولة إخراج الفرنسيين من دمنات، حيث انطلقت مقاومته منذ دخول القوات الفرنسية لدمنات والقبائل المجاورة لها سنة 1912. ولما سمع الثائر أولعيد أوحساين بذلك، بدأ يستعد للجهاد معه، واستنجد بالمرابط الحنصالي، ومعه آيت سخمان وآيت مصاض وآيت بوزيد وآيت عتاب وهنتيفة، قصد الزحف على دمنات. ولم تسفر هذه الاستعدادات عن مواجهة عسكرية مفتوحة بين المجاهدين والفرنسيين، بسبب قطع طريق الوصول على محلة الحنصالي القادمة من إينولتان لنجدة الثائرين، ما مكن المدني الكلاوي من البدء في تطويع إينولتان فرقة فرقة. ورغم ذلك، بقيت عدد من القبائل رافضة للاستسلام ومستعدة للمواجهة، متى تدخلت القوات الفرنسية في مجالها، وهكذا، أتيحت لمحا أحنصال فرصة المواجهة المباشرة مع الفرنسيين في أكثر من موقعة. وكانت أولى هذه المواقع وأشدها على الإطلاق هي تلك التي جرت يوم 29 أكتوبر 1916، حيث اصطدمت الفرقة المتنقلة، بقيادة الجنرال دو لاموط، تساندها في ذلك حركات المدني الكلاوي وابنه عبد المالك قائد دمنات وعبد الله أوشطو قائد قبائل هنتيفة الجبل، وصالح أوراغ، قائد هنتيفة السهل، بمجاهدي القبائل المجاورة، وفي طليعتها قبائل آيت مصاض، وآيت عتاب، وآيت بوزيد، وهنتيفة، وآيت مازيغ، وآيت إصحا، وآيت عطا نومالو، يتقدمهم شيخ الزاوية الحنصالية محا أحنصال. ووقع الاصطدام بالممر المعروف بالزمايز، ورغم المقاومة العنيفة التي أبانت عنها القبائل المنضوية تحت لواء محا أحنصال، نتهت معركة الزمايز لصالح الفرنسيين، بعد خسائر فادحة ألمت بصفوفهم. ورغم الهزيمة، استمر أحنصال في منازلة الفرنسيين في نقاط مختلفة من تراب آيت مضاض، في آيت امحمد، وآيت بوكماز، وبويحي، ومنطقة بين الويدان، وكانت أقوى معركة جمعته بهم هي تلك التي وقعت في صيف سنة 1918، وكان الهدف منها استكمال السيطرة على قبائل آيت امحمد وآيت عباس واسترجاع المواقع التي احتلتها حركتهم سنة 1917، وتأمين الاتصال بين الطريق الرابطة بين تنانت وأزيلال. وتمكن المجاهدون من مواجهة هذا الزحف في نقاط مختلفة وتكبيد الفرنسيين خسائر فادحة. وشكلت معركة بويحي في آيت امحمد أقوى هذه المواجهات. وبالإضافة إلى الخسائر التي مني بها الفرنسيون، قتل في هذه المعركة قائد دمنات، عبد الملك الكلاوي، وتلاه وفاة والده المدني حزنا عليه، في ما يبدو. إثرها حاولت القوات الغازية وحليفها التهامي الكلاوي الانتقام لشرفهما والقضاء نهائيا على مقاومة محا أحنصال. وهكذا، اصطدم الفريقان في معركة بوكماز في 4 شتنبر 1922، وكانت الدائرة فيها على الباشا الكلاوي وحلفائه الفرنسيين، الذين تكبدوا خسائر بشرية قدرت بعشرات القتلى والجرحى. واستمر احنصال في مقاومة الزحف الفرنسي، بفضل نفوذه الروحي، الذي امتد إلى الصحراء، من جهة، وسياسة التحالفات مع شيوخ القبائل، من جهة ثانية. وتمكن بفضل ذلك من أن يملي شروطه على قوات الاحتلال على إثر المفاوضات التي أجراها معها بكيفية مباشرة أو غير مباشرة عبر شيوخ، مثل الشيخ موحى وداود، شيخ آيت عطا الصحراء، وتمكن أن ينتزع منها الهدنة لفترة معينة. وكانت معركة آيت بوكماز هي آخر محاولة في المسيرة الجهادية لمحا أحنصال، حيث بدأت السلطات العسكرية للحماية في استدراجه إلى صفها بالطرق السلمية، بعد أن يئست من إخضاعه بالقوة العسكرية. وبعد جهاد مستميت وتضحيات جسام، أوقف محا أحنصال مقاومته في 27 يونيو 1923، ثم ذهب في 26 شتنبر من هذه السنة إلى مراكش في وفد مؤلف من ممثلين عن آيت امحمد، وآيت مازيغ، وآيت بويكنيفن، وآيت حاكم، لتقديم الهدية إلى السلطان مولاي يوسف، ثم عين بعد ذلك في منصب القيادة على آيت امحمد وآيت حاكم. لكن يبدو من بعض المصادر أن الرجل كان جاهزا منذ وقت مبكر للتعاون مع السلطات الجديدة، ويشهد على ذلك ما صدر عنه من تصرفات تجاهها قبل أن يخضع لها. فقد ذكر عند الأخوان جيروم وجان طارو أن محا أحنصال كان منذ شهور طويلة على علاقات سرية معهم، وكان يبعث إليهم برسائل يزودهم من خلالها بمعلومات عن مواقع القبائل، ولو بشكل متأخر عما هو مطلوب. وإذا كانت هذه المعلومة تحتاج إلى تدقيق لإثبات مدى صحتها، فإن الخدمات التي أسداها لسلطات الحماية بعد انضمامه إليها سنة 1923، تقدم صورة شخصية متفانية في خدمة هذه السلطات وحريصة على الاندماج في الترتيب السياسي الجديد. فقد ورد في أحد المصادر أن محا أحنصال ساعد القوات الفرنسية خلال سنتي 1932- 1933 في احتلال الأودية العليا لأسيف أحنصال ودادس. مقابل ذلك، كوفئ بإدماج آيت أوكوذيذ، وآيت امحمد، وآيت بوكماز، وآيت بويكنيف، وآيت مازيغ، وآيت إحنصالن تحت سلطاته كقائد، ثم عين أخوه مولاي قائدا على آيت عبدي.