كلما حل موعد الاستحقاقات الانتخابية ببلادنا إلا ولاحت معه في الأفق نداءات وشعارات غامضة مفادها نعم لهذا الحزب لا لذاك. وهي عادة ألفناها في المشهد السياسي المغربي المزيف الذي لا يؤسس إلا للفساد والتخريب بما تحمل الكلمة من معنى. ولعل ما تنادي به جل الأحزاب في شعاراتها الراهنة وتؤسس عليه طموحات كبيرة. هو ضرورة المشاركة الفعلية في هذه العملية الانتخابية لقطع يد المفسدين. طرح يستمد مشروعيته عند بعض القادة السياسيين من أن المشاركة الفعالة للشباب- بالأساس- من شأنها أن تحدد مصير اختيار أشخاص أكفياء ونزهاء غير متورطين في الفساد وفي تخطيط وتدبير الشأن العام غير الصحي. إذا كان هذا الطرح يحمل من الجدية ما يحمل؟ فهل مثل هذه الفرضيات من شأنها أن تعالج شأنا سياسيا دخل شيخوخته منذ عهد ولى. يرى تيار المعارضة المغربية الراهن وفي مقدمته اليسار السياسي المشارك في الانتخابات ومن معه أن ظرفية المغرب السياسية التي يعيشها تحتم مشاركة شمولية للأحزاب التي تحمل أمل التغيير، لأن المغرب في حاجة إلى ذلك. وهي تجربة يرى خبراء سياسيون لا جديد معها سوى التخلص من حزب يسمي نفسه بالعدالة خلق مشاكل وعوائق أكثر مما عالجها. وحتى لا نستمر في الكذب السياسي المعهود والمعسول في نفس الوقت، أرى من وجهة نظري أن اليسار وما يعرفه من تعاطف راهني يعيش بدوره تناقضا في أفكاره ومواقفه الغامضة التي لا يعرف ماذا يريد من خلال التخطيط لها. اللهم إذا ما استثنينا ما يتمتع به بعض زعمائه من ثروات مالية تبقى بمثابة مفتاح في مثل هذه التظاهرات السياسية التي سرعان ما ستعود إلى مهدها. كلنا يتذكر بداية 2011 حينما شارك اليساريون في توجهات 20 فبراير ضد تدخل النظام في الشأن السياسي. والتسريع بتنزيل دستور جديد يلائم تغيرات المغرب مع العالم الخارجي، ويعيد النظر في بعض الأحكام الدستورية الممنوحة كما كانت تسمي ذلك الحركة. منادية في نفس الوقت بفتح الطريق أمام الهيئات المدنية للمشاركة في إنتاج هذا الدستور عبر مجلس تأسيسي. غير أن ما يعكسه الواقع هو أن الدستور الجديد لم يضمن استقلالية فعلية للسلط الأربع، خصوصا وأن مركز القرار مازال بالقصر. وما دون ذلك فهو هامشي. فلماذا الحاجة إلى مشاركة مقارباتية. وعوض أن ينادي اليسار بالتغيير، آمن بتزكية هذا الواقع السياسي الغامض. ما يعكس تناقضا مع ماضي هذه الأحزاب التي لعبت في الماضي دور المصلح المشارك لا المتلقي السياسي السلبي. كلنا يتذكر كذلك موقف اللجنة المركزية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية يوم أكدت ضرورة رفض المشاركة الفعلية في صياغة أول وثيقة دستورية لسنة 1962. بدعوى لا تعبر عن طموحات الشعب، مما خلف صراعات أدت بالبلاد إلى منعطف سياسي خطير منحها ملفا سرمديا لا يليق بسمعتها. وإذا كان الكل يشهد بأن المغرب اليوم لم يعد هو مغرب الأمس، فإن بعض الأمور لم تتغير أهمها فوضى الأحزاب وتكريس سياسة من يملك الاقتصاد يملك القرار، خصوصا وأن البعض يتظاهر بمظاهر النضال والتضحية من أجل المبادئ والقيم، غير أنه كلما اقترب الانتخاب إلا وتغيرت معه المواقف صوب المصلحة الفردية لا الجماعية، مع إعلان نوايا الترشح بعد الإيمان بإلغاء عقلية المعارضة وفكرة الانقطاع يوم الاقتراع. فكيف يمكن القبول بضمير مرتاح والانخراط في مؤسسة تشريعية أو حكومة وفق دستور نسمع به أكثر مما نعرف بنوده. دستور يحول دون استقلالية السلط. كلنا سجل التعاطف فيما سبق مع حزب الحكومة الحالية، وكلنا تابع وعود عرقوب التي قدمها. إلا أن الأغلبية من الشعب تفاجأت بما حققه الإخوة الأعداء من إصلاحات كرست وضعا خطيرا لا ينبئ بخير أكثر مما يحدر من سكتة اقتصادية اجتماعية لا قدر الله على جميع المستويات. في ظل هذه المتغيرات، وبعد أن حسمت الأحزاب اليسارية قرارها لصالح المشاركة في انتخابات سابع من أكتوبر القادم. نتساءل عما إن كان سينخرط في هذه العملية الشعب المغربي بتنوعه العرقي والديني؟ وهل فعلا سيجدد هذا المواطن المغلوب ثقته في هذه الأحزاب بعدما فقدها منذ عهد قديم؟ ذلك ما سنعرفه فيما تبقى من أيام مقبلة. هذا في حال ممارسة الموضوعية الانتخابية وعدالة الصناديق.أما إذا ما استعملت وسائل أخرى. فلا أظن أن المغرب بخير، ولا أظنه يسعى إلى بناء دولة ديمقراطية تأخذ بمنطق العقل لا الأهواء. المصطفى البوسعيدي.