لعل اول سؤال ينتصب أمامنا ما هو التواصل ؟ فما هو ثابت في أدبيات التواصل هو ذلك التفاعل الحار و الايجابي بين المرسل والمرسل إليه بغية فهمه وإفهامه عبر إشارات لغوية او غير لغوية رغبة في الوصول الى معرفة واضحة تتعلق بالمعلومة والمعارف يتفاعل معها المرسل والمرسل إليه. وتأسيسا على هذا المعنى الاجتماعي والإنساني لحمولة التواصل فإننا نجزم بان ذاك لا محل له من الإعراب في ظل المنظومة الصحية ببلادنا وهي تعيش على الضيق وانسداد الأفق والخصاص ولو أن هناك خطاب حكومي متعاقب يسوق بان السياسة الصحية تحتل أولوية في سلم السياسات الاجتماعية العمومية علما أن هناك مياه كثيرة جرت تحت جسر هذا القطاع على خلفية التحولات الاجتماعية والسياسية والدستورية والقانونية والتواصلية التي عرفها المغرب في السنين الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي التي أفرزت حقوقا اكتسبها المواطن ومن بينها : حق الصحة وحق المعلومة . والأكيد أن الاستفادة من الولوج إلى الحق الأول لن يتأتي لا من خلال امتلاك معرفة الإجراءات والتدابير المؤدية إلى ذلك، لكن، في الحقيقة، عندما ننزل ذلك على ارض الواقع، فانه ينكسر بعدما نلامس ذلك في وجود : الصعوبات والمعاناة التي يعانيها المستفيدون والمستفيدات من نظام المساعدة الطبية المعروف اختصارا براميد،المتمثلة في غياب المعلومة عندما يقدر لهم بان يركبوا رحلة العذاب، رحلة الانتقال من أول نقطة متمثلة في المركز الصحي مرورا بالمستشفيات الإقليمية او الجهوية و وصولا إلى نقطة النهاية وهي المستشفيات الجامعية، لولوج خدمة طبية ما، حسب ما تقتضيه الخريطة الصحية للمستفيد. وتبعا لذلك فنجدهم تائهين بين هذا المستشفى وذاك، بين مطرقة المرض وسندان ارتباك المسؤولين، وتعزى هذه المتاهات إلى ما يلي : - غياب وجود وحدة التواصل والدعم النفسي والاجتماعي بالمنظومة الصحية. بعد عطب قطار " راميد " في محطة جهة نادلة ازيلال في 2008 وعطبه كذلك في محطة مارس 2012، أي بعد التعميم تأكد بالملموس أن احد مسببات ذلك العطب يعود إلى غياب جسر التواصل بين المستفيدين والمتدخلين في هذا المجال، ولهذا كان من الأجدر على المسؤوليين أن يسنوا تلك الآلية المشار إليها أعلاه بغية تمكين فئات نظام " راميد " من الدعم النفسي والاجتماعي لولوج خدماته وهم يتعايشون مع أعطابه . - غياب دليل عملي مبسط تشرح فيه الوزارة الوصية على القطاع شروط الاستفادة من منظومة المساعدة الطبية مع وضع النقط على الحروف فيما يتعلق بكل شرط على حدة ،ذلك أن البند 22 من المرسوم 177-8-2 ينص على التعقيد من خلال عبارات غامضة وفضفاضة وهي : بطاقة المساعدة الطبية، و وثيق توجيه المريض، الدفتر الصحي ثم يأتي الالتزام بمسلك العلاجات الوارد في الخريطة الصحية. وفي هذا السياق يطرح المريض وذويه السؤال الاول، لماذا لا تعتبر الإدارة و لو مؤقتا، الشهادة المسلمة من طرف السلطة المحلية التي تفيد بان المرشح ل "راميد"قد تم قبوله من طرف اللجنة المحلية، ومن تم فهو مخول له الولوج إلى الخدمات الطبية ، في انتظار استصدار البطاقة؟ فالإدارة تقبل تلك الوثيقة فقط في الحالات الاستعجالية. والسؤال الثاني كيف تدبر الإدارة إشكالية الولوج الى المستعجلات لمرضى يحملون وصولات تقادمت اي تجاوزت ثلاثة اشهر؟ معنى ذلك ان الجهات المكلفة بتدبير ملفات راميد هي المسؤولة عن التأخير في استصدار البطائق ، إلا أن الإدارة بالرغم من ذاك تطالب المريض حينما يلج إلى الخدمات الطبية بأن يؤدي مصاريف العلاج على نفقته الخاصة. وهذا يضع الإدارة في وضع المعرقل للأهداف المتوخاة من نظام الراميد. فهي بهذا نجدها تسبح ضد الحس الوطني والاجتماعي والقانوني الذي من المفترض ان تتشبع به ، ذلك ان المادة 23 من المرسوم المشار إليه تنص على ما يلي" وفي الحالات الاستعجالية تتم العناية بالمريض على الفور في المستشفى ويتعين عليه الادلاء خلال إقامته بالمستشفى او في نهايتها ببطاقة المساعدة الطبية او عند عدم وجودها أداء ما يترتب عليه من مصاريف الاستشفاء". لكن المستشفيات تختار الخيار الثاني من النص أي أداء نفقات العلاج ولو سارع المريض الى الإتيان ببطاقة المساعدة الطبية سواء خلال إقامته بالمستشفى او في نهايتها، بمبرر أن كل شخص ولج الى المستشفى و أدى تسبيقا نقديا فهو ملزم بإتمام ما تبقى في ذمته . وتأسيسا على ذلك فبطاقة راميد تبقى في هذه الحالة وثيقة ( لاتسمن ولاتغني من جوع). والدليل العملي المشار أليه يجد سنده كذلك في رفع الإحراج الذي تعانيه إدارة المرافق الصحية العمومية من وجود شرط منصوص عليه في البند 22 من المرسوم 177-8-2 المتعلق بالدفتر الصحي، كشرط أساسي من الشروط الأخرى التي تخول الولوج إلى الخدمات الطبية.غيرأن هذا الدفتر يفتقده الكثير من مستفيدي نظام المساعدة الطبية ،وبالتالي سيفتقدون الاستفادة من خدمات ذلك النظام، إذا قامت الادارة بتنزيله ضمن الشروط المؤهلة . ولهذا فمن المستعجل أن تقوم وزارة الصحة من خلال مديرية التشريع والمنازعات القانونية بالمبادرة الى مشروع مرسوم ينسخ هذا الشرط. - غياب تثبيت القوانين المنظمة لنظام المساعدة الطبية في مداخل البنيات الصحية الوقائية ( مراكز صحية )، وغياب إشهار ذلك المنظومة القانونية في مداخل البنيات الاستشفائية ومرافقها التي يرتادها المرتفقين بكثرة ( مستعجلات- مكتب الدخول). - إعادة الاعتبار لمكتب الدخول والفوترة بالمستشفيات مع دعمه بالموارد البشرية المؤهلة و اللوجيستيكية لانه هو المسؤول عن استقبال المرضى وولوجهم إلى الخدمات الطبية ( استعجالية – استشفائية – خدمات خارجية ) ومسؤول كذلك عن عملية التواصل الداخلي و الخارجي. وبالتالي لكي يقوم هذا المكتب بمسلسل من الخدمات على أحسن ما يرام يتوجب على المسؤولين ان يعطوا له الفرصة الكافية ليشرف على جميع الوحدات التي من المفترض ان تخضع ل ه: وحدة الاستقبال ووحدة تدبير المواعيد و وحدة المساعدة الاجتماعية و شباك نظام "الراميد" . وحدة الاستقبال يعهد لها ان تستقبل المرضى وتفيدهم بجميع ما يحتاجون إليه من وثائق عبر مخاطبتهم بلغة بسيطة . - ووحدة تدبير المواعيد تتكلف بضبط المواعيد للخدمات الطبية بدون ارتباك أو تعليمات من مسؤولي المؤسسة. - وحدة المساعدة الاجتماعية : تصغي لهموم المرضى ،وتمكينها من التدخل لمساعدة الحالات الاجتماعية . - شباك نظام المساعدة الطبية : تمكين هذا الشباك بجميع الموارد للعمل في أحسن الظروف حتى يتسنى له التأشير السريع على ملفات المرضى بدون تأخير. - التشويش على أذهان المرضى الفقراء من طرف الفاعلين الرسميين في الميدان من خلال سلك خطاب ينقصه الوضوح والتوضيح حتى يكون الجميع على اطلاع كاف بمكامن داء المنظومة الصحية المزمنة، المتمثل في قلة الموارد البشرية والمالية وتقادم البنيات التحتية وضعف تجهيزاتها الطبية، مما يجعل الولوج اليها في كثير من الأحيان صعبا ومتناقضا مع ما هو منصوص عليه في الدستور ودستور منظمة الصحة الدولية وبالتالي فخطاب(حق الصحة للجميع ) هو خطاب لايجد اثره في الواقع المعاش. - غياب التنسيق والتعاون والتواصل بين الوحدات الصحية العمومية التي يسلكها المريض من خلال مسلك العلاج اي انطلاقا من المراكز الصحية والمستشفيات الاقليمية والجهوية والجامعية. وكأنها جزر متباعدة لا يربط بينها خيط ناظم متمثل في وزارة الصحة . ونفس القصور يسجل أيضا على مستوى علاقة المؤسسات المذكورة مع منظومة القطاع الخاص، التي من المفترض أن تساهم بقسط في تجاوز الاختلالات المسجلة في نظام راميد انطلاقا من مسؤوليتها المشتركة مع وزارة الصحة للدفع بتعميم هذا النظام ببلادنا. - غياب دعم اعلامي يسلط الضوء على المزايا والاكراهات التي تتخبط فيها منظومة المساعدة الطبية على المستوى القانوني والاجتماعي والإجرائي والآفاق المقترحة للخروج من ذلك النفق. فلا يعقل ان نتحدث عن دور راميد، إلا في مناسبة يتيمة يستعرض فيها وزير الصحة كل سنة من منتصف مارس أمام وسائل الاعلام الوطنية انجازات " الراميد " من دون أن يتبع ذلك برامج إذاعية أو تلفازية تتناول ذلك الموضوع. - تدوين الوثائق الطبية المؤهلة لولوج المساعدة الطبية باللغة الفرنسية ( التوصيل الطبي، وثيقة توجيه المريض، إشعار بقبول المريض للاستشفاء )، وفي الحقيقة أن هذا الأمر يستعصي على فئات كثيرة من المستفيدين من راميد بحكم ان اغلبهم إما أميون او لا يتقنون اللغة الفرنسية، فكيف بهم إذن أن يفهموا اللغة الطبية ؟