سماء غائمة مكفهرة، أمطار متساقطة مترددة، رياح تهب في كل وجهة، أنتظر ثلوجا و لكني على علم أنها لن تسقط أبدا، لأن البرد هنا يكتفي بإطلالة مقتضبة، يزور المنطقة بالقدر الذي أتحمله أنا بين أهلها، فبردهم هذا في نظري يزورهم غبا فيزداد حبا، رغم أن هذا التعبير يرونه مبالغة مني حين تجدهم يرددون و يولولون : البرد قارس، فأجيبهم أن الجو معتدل، لأني تعودت منذ طفولتي على برد ليس له مثيل. فجملة الجو بارد تذكرني في أيام الابتدائي و الاعدادي مع الزمهرير الأسود الذي عشته أيام الطفولة المدرسية في بلدتي الجميلة أغبالة التي تقع في أعالي جبال الأطلس المتوسط على حدود جهة تادلا أزيلال، هذه البلدة الصغيرة التي تسمى بإفران الضائعة لجمالية طبيعتها الخلابة رغم قساوة ظروف العيش فيها ... فحينما كنا صغارا كنا نردد ' البرد قارس في شهر مارس تحت المدارس ... ' و كنا نتسلح بكل ما كان لدينا من ملابس قطنية و جلاليب صوفية، إضافة إلى جوارب و قفازات مزدوجة قدر الإمكان، كما نغلف الجوارب ب" الميكا " تفاديا لدخول الماء إلى الأرجل التي تكون دائما مصدر الإزعاج في فترات هذا البرد الذي يدوم أشهرا عدة بأمطارها و عواصفها و رياحها و رعدها و برقها .. فتوقظنا الأم التي سبقتنا في الاستيقاظ أطال الله عمرها و رغم أننا نجد مدفئة الحطب ساخنة مجهزة سلفا و قد عم الدفء أرجاء البيت إلا أننا نعجز عن الإستسلام لدفئ "الكاشة" والتخلص منها، وكان أول سؤال يتبادر إلى ذهننا كل صباح هو كيف صبرت تلك الإنسانة على مشقة الإستيقاظ في هذه الظروف القاسية التي لا ترحم في صراع مع برد الصباح بكل ما تحمله الكلمة من معنى لتجهز كل شيء ؟؟؟ نستسلم أخيرا و نقرر الخروج من رحمة "الكاشة" و" أحندير" لأن الوقت لا يرحم و التأخر على المدرسة شيء مرعب لما قد ينتج عنه من عواقب وخيمة مع 'سلخة' المعلم، و كان أول ما نفعله قبل أن تنادي الأم خد يا ولدي الماء الساخن،هو إلقاء نظرة إلى الخارج لمعرفة مستوى الثلوج في الأرض الذي يتجاوز في الغالب ركبتينا، نفتح الباب فنكاد نصطدم بباب آخر أمامنا شيدته الثلوج . كما نجد الوالدة قد جهزت لنا الفطور بالشاي الساخن و خبز الأمس المسخن فوق الجمر و زيت الزيتون الخالصة، و قد وضعت أيضا بجانب المدفئة كومة الملابس التي سألبسها لتسخن هي الأخرى لأنها كانت مثلجة. كما تضع أيضا قطعا من الحطب و قليلا من النجارة في بلاستيكة لأحملها معي إلى المدرسة ذات السقف المليء بقطرات الندى لإيقاد النار في الفصل، و الانصات للدرس مع المعلم الذي كان يأخد كرسيه في الغالب إلى جانب المدفئة و لا يعرف معنى الرحمة حتى في فصل الشتاء، و توازيا مع الإنصات ننتظر نحن أيضا أن يصلنا دورنا لأخد القليل من الدفء في المدفئة التي نتناوب عليها مثنى و ثلاث... مذكرة من وحي الطفولة – بقلم سعيد وخوتش الجديدة، 30 دجنبر 2013