أن نتحدث عن الحرية في مجتمع لا يعرف من الحرية إلا الاسم فهذا ضرب من الحمق والعبث، وان نتحدث عن الحرية وفق ضوابط شخصية في مجتمع مازلنا نعيش عبيدا له.. لتقاليده وتصرفاته وأخلاقه وأفكاره الرجعية والمتخلفة فهذا أيضا ضرب من الحمق، وأن يمارس كل واحد حريته كيف شاء وفق أفكار غربية في مجتمع عربي مقيت حقير لا تسيره إلا سياسة الكبت والجهل والبكارة والجزر، فهذا أيضا ضرب من العبث والحمق والتشيزوفرينيا الاجتماعية أن الحرية لا يمكن أن تُفهم إلا في سياق اجتماعي محض، سياق اجتماعي تفرضه ضوابط نعيش خاضعين لها وتربطنا وتقيدنا بها شئنا أم أبينا، مهما ندد المنندوون بالحرية ومهما هرطق المهرطقون ومهما كتبت ومهما انفعلت.. ومهما ثرت، نحن نعيش وفق ضوابط اجتماعية وقوانين هي غير صحيحة في مجملها وقائمة على فلسفة الكبت والعبث، ولكننا عبيد لهذه الضوابط، لا أحد يتمرد عليها ولا أحد يستطيع مهما استطاع.. نتوهم حد الحمق بأننا أحرار وبأننا نملك حرية كل شيء في بلد ينص دستورها الأساس على الحرية كمبدأ وكحق للجميع دون استثناء.. فإذا بنا نجد في الزاوية البشر يعتقلون لأنهم قالوا ما لا يجب أن يقال وكتبوا ما لا يجب أن يكتب وفعلوا ما لا يجب أن يفعل,,, نجد أناسا يزاولون الرقابة الاجتماعية على حق الحرية، إن الحرية حق طبيعي لا ينتزع ولا يطالب به، إنه يولد مع الإنسان دون قيد أو شرط، ولكننا في مجتمعاتنا العربية التي تهرطق باسم الحرية قولا لا فعلا، نجد أنفسنا نعيش في دوامة من التناقضات والوهم,, في الزاوية المواربة.. الحرية بمعنى الحرية في المجتمع المغربي تسمى تسيبا وقلة أدب,,, لأن الوعي السياسي الذي شرع وسن لنا الحرية فهو قد عجز وقصر عن إعطاء المفهوم كما يراه الساسة وليس كما يفهمها العبيد(الناس)، فالحرية في مفهوم الناس ليست متبلورة ليفهموا المعنى والمبنى بأبعاده التاريخية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية,, إن الحرية لابد أن تخدم المصالح السيكسوقراطية للبلاد التي دائما تكون على حساب جهل وتخلف وكبت العباد,.. إن كل من يزاول الحرية الآن باعتبارها مهنة شريفة فهو يلاقي المتاعب ومختلف أشكال المعاناة والألم، ليس لأنه يزاول مهنة تقتضي الحرية ولكن لأنه يسير عكس تيار البلد وسياسيته وأفكاره ونظمه الاجتماعية بمختلف أشكالها، فأن تتكلم وتنتقد وتعطي رأيك بحرية فأنت إذن تبحث عن فوهة نار من مسدس حقير يطلق عليك رصاصه في عمق الليل وتسقط صريعا دون أن تعرف مصدر الرصاصة ولا الفاعل,, أن تعبر بحرية عن ما تريده وما تعتقده صوابا فأنت بالتالي تضرب القيم الاجتماعية القائمة على فلسفة الجزر والأفكار والمبادئ المزيفة... أن تعبر بصدق أو تكتب بصدق فأنت خائن وإرهابي وعميل لدولة لا توجد إلا في المريخ,, ووجب تطبيق الحد عليك، أن تخرج مطالبا بحق من حقوقك وفق ما ينص عليه الدستور من أشكال نضالية واحتجاجية قانونية فأنت معتقل باسم المساس بالمقدسات والمدنسات وكل ما ملكت أيمانهم.. أن تكتب ما يجول في خاطرك وتصف واقعا حقيرا ونفسيات مكبوتة تتاجر بعرق وجهل ومؤخرات الشعب ومقدماتهم فأنت قد تجاوزت حدودك في التعبير وقلت ما لا يجب أن يقال وكشفت المستور الذي وجب عليه أن يبقى مستورا وفق مبدأ/ إذا ابتليتم فاستتثرو... وهي وأشياء كثيرة لا يمكن أن تمارسها بحرية كما نتخيلها.. كما نشتهيها.. كما نتوقعها وكما نحلم بها في مجتمع ضيق البصر والبصيرة,, في مجتمع ضيق افقه حد الشفقة,,, اننا نخاطر بالقول إننا أحرار,, فالحرية لا تعني ذلك التحرر الحقيقي من السلط والقيود التي تحيط بنا، ولا تعني حتى التحرر في اتخاذ القرارات أو رفضها، فالمفهوم غير معلن عن نفسه، ونحن لا نفعل شيئا سوى تنزيق المفهوم وتعميق الهوة بيننا وبين أنفسنا، بالنهاية لسنا أحرارا حتى في ردود أفعالنا حين نكون غاضبين مثلا أو سعداء.. إن الحرية مفهوم لا وجدود له إلا في الخيال الميتافيزيقي والأشياء البعيدة عن تقبل الواقع وليس الذاكرة، الحرية هي تلك القيمة الأخلاقية التي لا توجد إلا في اليوتوبيا باعتبارها البلدة أو المكان الوحيد الذي توجد فيه كل القيم التي ابتدعها الإنسان دون أن يستطيع الوصول اليها أو تحقيقها في الواقع باعتبارها غاية وحاجة وضرورة، ولكن مع ذلك نجد أن الإنسان تعايش مع كونه حرا في ظل قيود من العبودية، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش حرا دون أن يستعبد بشكل أو بآخر، والكائن العربي سيضل طول عمره عبدا لمفهوم وهمي يسمى الحرية يزاوله بطرق أكثر شراسة، الأمة التي لا تحترم حرية نسائها وتشيد بهم أمام العاملة وفي المحافل وتأتي في آخر اليوم لتفرغ قادوراتها المنوية فيهم وتعتبرهم مجرد أجساد وليس أفكارا فهي أمة عار عليها الحرية، والأمة التي تقبر حرية رأي كاتبيها وتعدم افكارهم وتعتقلهم بتهم خيالية فهي أمة عار عليها الحرية، والأمة التي ترضع أبناءها الذل وسياسة التخلف والجهل عار عليها أن تعيش في حرية. إن أمتي لا يليق بها إلا النسيان والعدم، أمه رضعت الذل والجهل والهوان والتخلف والكبت حتى صرنا مهزلة للأخر، الآخر الذي منح الحرية والحق للكلب والقط والفار والصراصير,, وهم يعيشون الآن في بلدانهم أكثر حرية منا نحن الإنسان الذي يعيش بدون إنسانية في بلاد كتب بالأحمر العريض في دستورها: الحرية حق للجميع .. إن حرياتنا السالبة الشخصية التي هي حق طبيعي مسلوب مع وقف التنفيذ ويقابلها في ذالك وقف تام لحرياتنا الموجبة التي تعتبر الوسيلة لتحقيق هذه الحرية السالبة، فما وقع لعلي أنوزلا مثلا لا يعد أن يكون إقبارا لحرية الرأي والتعبير، وإبداء وجهات النظر، إننا ندرس الحرية وندرس لكتاب أحرار، يُدرسوننا الحرية مع وقف التنفيذ، يدرسوننا المفاهيم ويعاقبونا على التطبيق، نحن أمة النظريات لا غير، وكل من سولت له نفسه أن يقول ما لا يجب إن يقال فمصيره سيكون أسوأ من علي أنوزلا.. سمك البحر الذي احترف المقاومة ومآذن الله التي تدعوا إلى المقاومة.. علي ذلك الإنسان الذي تشتت دمه عبر التاريخ وبقي وصمة عار على جبين العرب بعد أن قتلوه على حين غرة... هاهو الآن سيبقى وصمة عار مصلوبة على جدار اسمه الحرية مع وقف التنفيذ.. علي قهوة صباحية جميلة.. كنت اشربها كل حين.. واستمع بضغطها وعصبيتها ولكني الآن افتقد إلى علي وأول كلامه.. علي ذلك الإنسان الذي زاول حريته تحت بند حرية التعبير نجد انه يعاقب بالبند ذاته... لم اعتقد يوما أن عليا إرهابي ويساعد في تعميق فلسفة الإرهاب في بلد اغلب أبنائه لا يملكون درهما لكي يشتروا سيجارة أو علبة من الواقيات الذكرية حتى لا يتششت أبناءهم في المزابل أو لا تُعرف هوياتهم... فما بالك بتنظيم ارهابي؟ لم اعتقد أن عليا إرهابي يساعد على الإرهاب في بلد لم تنتفض حتى على ذرهم زيادة في المحروقات ولا في المواد الأولية لكي تسول لها نفسها تشكيل تنظيم إرهابي، فهذا ضرب من الحمق.. ويبقى علي.. غصة في القلب لا يمكن أن تزول حتى لو خرج علي... فما الفرق؟ متى سنقول متى سنعبر متى سنتكلم وأين وفي أي مكان؟؟؟ علي الذي مافتئ يحلم ما فتئ يقول وما فتئ يتبخر.. قليل من النسيان ينفع الآن لنبرر تخاذلا محسوما في أمره وفي نهايته المجيدة... علي... أكلت يوم أكل الثيران باختلاف ألوانهم وأشكالهم فقط لأنهم قالوا : إن ما يرمى إلينا لنأكله حرام...وانتهت مدة صلاحيته.. والآن جاز لي إن أقول.. إني خائفة.. إني خائفة ليس لأني اكتب وليس لأني أكاد أوقن أننا لسنا أحرارا ولكننا عبيد بمعنى من المعاني..ولكني خائفة أن أقول لك يا علي: يا أيُّها المُهْرُ الذي يصهلُ في بَرِيّة الغَضَبْ إيَّاكَ أن تقرأ حرفاً من كتابات العَرَبْ فحربُهُمْ إشاعةٌ.. وسيفُهُمْ خَشَبْ.. وعشقهمْ خيانةٌ ووعْدُهُمْ كَذِبْ إياكَ أن تسمع حرفاً من خطابات العَرَبْ فكلُّها نَحْوٌ.. وصَرْفٌ، وأَدَبْ وكلُّها أضغاثُ أحلامٍ، وَوَصْلاتُ طَرَبْ لا تَسْتَغِثْ بمازنِ، أو وائلٍ، أو تَغْلبٍ ليس في معاجم الأقوام قوم.. اسمهم عرب قومٌ اسمهم عَرَبْ!!. الكلماتُ أصبحتْ، يا سيّدي للبيع والإيجارْ والمُفْرَداتُ يشتغلنَ راقصاتٍ في بلاد النفطِ.. والدولارْ.. تسيرُ فوقَ الشوكِ والزُجاجْ والإخوةُ الكرامُ.. نائمونَ فوقَ البَيْضِ، كالدَّجاجْ وفي زمان الحرب يهرُبُونَ كالدَّجَاج