في تقديري أن اللحظة التي يعيشها الشعب المصري حاسمة في تاريخ مصر, وفي تاريخ الشعب المصري خاصة وشعوب العالم عامة, أقول هذا وفي ذهني أمران أولهما أن الشعب المصري كان قد شهد تحركات سابقة و محاولات عدة و سواء اعتبرنا هذه المحاولات قد انتهت إلى الإجهاض كما يذهب بعض الباحثين, أو أن ما نشأ عنها لم يتجاوز النصف كما يذهب باحثون آخرون, أو أن ما وقع في حضن تلك الظروف قد كان تحركا فعلا لم يصنعه من النمو و التحقق. إلا أن مبدأ النضال كان محظورا من أصله, سواء أخدنا بأي من هذه الآراء أم رفضناها. فالواقع الذي لا شك فيه هو أن الشعب المصري قد جعل الآن منها مسرحا حقيقيا له نظرية واضحة, و ممارسة أوضح. فنضال أهل مصر لم يمزجوا الجد بالهزل بل بالمهارة النضالية لبهر العالم و اتخاذ المواقف. فأسلوب النضال هذه المرة مختلف عن الأساليب السابقة, يقوم على مبدأ التشخيص لكل شخص دور ولكل دور صوت, فهو يتوجه إلى كل من يهمهم الأمر من دم ولحم جماهير دفعوا الدم في سبيل شهوده باعتباره نضالا لاقيام له إلا إذا موله الشعب كله . فهو ماديا يتوجه إلى المعنيين بطلب التغيير, و جذريا بالرحيل, يشركهم في الأحداث بتوجيه الخطاب إليهم في مواضع معينة. نضال شعبي بالشعب, و للحكام, و نضال يمزج الحقيقة بالواقع, و يعتمد على أوسع قدر من مشاركة الشعب و المنتظم الدولي بالاستماع و المشاهدة و الرأي. إن الشعب المصري يقدم مادة نضالية حقيقية فلتنتق منها الشعوب المضطهدة ما يخلق العبرة الشعبية التي لا يزال بعضها في جميع أنحاء العالم و كل من يتلاعب بالألفاظ الجوفاء و كل دجال يرى الكسب أهم بكثير من كرامة الشعوب و تقدمها, كل هؤلاء سيجدون أنفسهم يوما ما في مزبلة التاريخ . إن الهدف الرئيسي هو رسالة هذا الشعب إلى الدول التي تسيطر عل العالم والتي انتزعها هذا الشعب الأبي من واقع سوق السياسة الجوفاء البراغماتية, و جعل لها وجودا آخر عن طريق آخر و أنشأ لها حياة مؤقتة باعتبارها كانت تعرض مهاراتها السياسية, يسببون الفقر بغية الاستجداء, و يظهرون أنهم يتعاطفون مع الشعوب التي تدرك أنها تلتقط الرزق من أفواه الخطر , من أنياب الثعبان , أو خرطوم الفيل , أو اعتمادا على مهارة القرد...ويعتمدون الصفو المؤقت كي يمرحوا بعيدا عن تهديد دائم الوجود في بقائهم . إن نضال الشعب المصري جاد جعله يضفي على حضارته العريقة هذه الحياة الجديدة التي تضيف إلى كل المتلاعبين بكرامة الشعوب بعدا آخر و ربما تجعل منهم شخصيات إنسانية تتحرك نحو الصواب. كل هذا يشهد بان مصر تعرف دراما ذات نظرية و ممارسة عملية واضحتين و ذات صلات بكل من يستغفل الشعوب لان التاريخ دساس لا يرحم. إنها فعلا لحظة تاريخية حاسمة . الموستني محمد