مفدي زكرياء شاعر الوحدة المغاربية.. حين آمن القدامى بالوحدة حد النضال بشراكة بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، وبتنسيق مع ماستر الفضاء المغاربي والعالم المتوسطي ومؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث ومؤسسة مفدي زكرياء، احتضنت الدارالبيضاء خلال نهاية نونبر الماضي ندوة علمية مغاربية تحث عنوان «البعد الوحدوي في النضال المغاربي» احتفت بشاعر الوحدة المغاربية وبامتياز مفدي زكرياء وبنضالات وتضحيات محمد الزرقطوني والوطنيين المغاربيين في بلدان المغرب والجزائروتونس. كان لحبيب بن يحيى الأمين العام لتحاد المغرب العربي أول المتدخلين في الجلسة الافتتاحية، حيت ركز في كلمته على أهمية مثل هذه الندوات الفكرية في تنشيط ذاكرة الكفاح المشترك والعمل الوحدوي الميداني وأشار إلى أن «فكرة الوحدة بالمنطقة كانت حاضرة منذ القدم ومازالت تعتمل في تاريخنا الراهن نظرا للعوامل المشتركة كالدين واللغة والانتماء لفضاء جغرافي موحد، كلها عوامل ساهمت بشكل مباشر في بلورة العمل الوحدوي لدى رواد الحركة الوطنية، وتقوية الشعور لدى الشعوب بضرورة التضامن فيما بينها للتصدي للاستعمار» ثم حاول الأمين العام في جرد تاريخي سريع الوقوف على أهم محطات العمل الوحدي الكفاحي المشترك سواء السياسي أو من خلال المقاومة وجيش التحرير، فمنذ الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر عدة جمعيات تحمل بدرة الوحدة كجمعية نجم شمال إفريقيا وجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين، وخلال أربعينيات القرن الماضي انتقل العمل الوحدوي من المطالبة بالإصلاحات الى المطالبة بالاستقلال بظهور بعض الهيئات واللجان التي عملت على التعريف بالقضية المغاربية كمكتب المغرب العربي بالقاهرة ولجنة تحرير المغرب العربي، وعلى المستوى الشعبي ازداد الوعي المغاربي إثر حادثة اغتيال فرحات حشاد، حيت خرجت العديد من المظاهرات الاحتجاجية في المدن المغاربية واصطدمت بقوات الاحتلال الفرنسية، وفي فترة الاستقلال ذكّر لحبيب بن يحيى بدعم المغرب وتونس الحديثي الاستقلال للقضية الجزائرية عبر حدثين مهمين: الأول هو زيارة الملك محمد الخامس لتونس والثاني هو مؤتمر طنجة التاريخي والذي «يعتبر أهم محطة في العمل الوحدوي» على حد قوله، وختم المتدخل كلمته بضرورة استغلال إرث الماضي المشترك للسير نحو المستقبل. كلمة المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، لم تبتعد عن الروح التي عبر عنها الأمين العام لاتحاد المغرب العربي فتم التركيز فيها على التضامن الكبير لأقطار المغرب العربي مع قضية نفي الملك محمد الخامس من جهة وتضامن الشعب المغربي مع القضية الجزائرية من جهة ثانية، كما أشارت إلى أن تأمين المستقبل لا يمكن أن يكون إلا من خلال تحقيق وحدة المغرب العربي الكبير الجيوسياسية، نفس الأمر بالنسبة لكلمتي ممثلي المؤسستين المحتفى بمن يحملان أسماءهما، فقد كانت كلماتهما مقتضبة مركزة على روح الوحدة والعمل المشترك في مسيرة الشهيدين ودعيا إلى المزيد من التنسيق في أفق تحقيق ما سعى الشهيدان يوما ما إلى تحقيقه. اعتبر عزيز الحسين مدير المدرسة المولوية، وكان يتحدث بصفته الشخصية لا الرسمية، أن الاتحاد المغاربي مقاومة جديدة لإكراه جديد هو العولمة وتهافت المنظمات العالمية على هذا الفضاء بهدف توحيده لخدمة مصالحها المالية والتجارية، وألح المتدخل على ضرورة أن يكون الاتحاد رغبة داخلية لشعوب المنطقة لا إملاء من الخارج، لا سيما أن ماضي المنطقة مليء بصور العمل الوحدوي والتشاركي المتميز، لكنه عاد وأكد أن مسألة غلق الحدود بين المغرب والجزائر تعتبر ضربة قاسمة للنوايا الطيبة للاتحاد كما تصوره القدامى وناضلوا من أجله تحقيقه. البعد المغاربي في العمل السياسي والكفاح المسلح الندوة كانت أيضا مناسبة لالتقاء باحثين أكاديميين من المغرب والجزائر، استعرضوا فيها، وخلال ثلاثة جلسات فكرية، محطات أساسية من البحث عن الوحدة المغاربية المفقودة، وهكذا خصصت الجلسة الثانية من الندوة ل»البعد المغاربي في العمل السياسي والكفاح المسلح» تدخل خلالها مؤرخ جزائري وآخر مغربي، تناول لحسن الزغيدي، من الجزائري، موضوع البعد المغاربي في النصوص الأساسية للحركة الوطنية الجزائرية، فرصد خلالها المراحل التاريخية التي مر منها النضال المغاربي المشترك، والتي كان أولها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث قام المهاجرون المغاربيون المقيمون بفرنسا بالتحرك مدفوعين بظروف داخلية، قانون الهجرة، وأخرى خارجية، وضعية المغرب العربي وثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي، فكان من نتائجها تأسيس نجم شمال إفريقيا كإطار للعمل السياسي للنخب المغاربية بالمهجر، ساهم هذا الأخير بشكل فعال في خدمة القضية المغاربية من خلال التعريف بها دوليا، وكان أبرزها مشاركة «النجم» في مؤتمر بروكسيل للشعوب المناهضة للاستعمار (15-17 فبراير 1927) حيت ألقى الشاذلي المكي كلمة خص بها القضية التونسية ومصالي الحاج كلمة تحدث فيها عن القضية المغربية والجزائرية، وهو ما يجسد نموذجا واضحا لروح الوحدة لدى النخب المغاربية، إلا أن فرنسا سرعان إلى عرقلت هذه الجهود بحلها لنجم شمال إفريقيا، لينتقل الباحث بعد ذلك إلى مرحلة «المخاض» في المغرب العربي عموما وفي الجزائر على وجه الخصوص، حيث أعيد تأسيس «النجم» هذه المرة في إطار جزائري دون أن يتخلى هذا الأخير عن خدمة قضايا المغرب العربي ككل، وكان العلم الجزائري تجسيدا آخر لهذه الثقافة الوحدوية المغاربية، إذ حمل ثلاثة أبعاد رمزية تاريخية ومغاربية ونضالية في الوقت نفسه، ففي البعد التاريخي أخد الأبيض والأخضر من علم الأمير عبد القادر وعلم علي أحمد باي، وفي البعد المغاربي أخد الأخضر والأحمر من العلم المغربي، والأبيض والأحمر من العلم التونسي والهلال رمزا لإسلام، وفي البعد النضالي أخد نجمة جمعية نجم شمال إفريقيا. في مرحلة الحرب العالمية الثانية انتقل النضال المغاربي المشترك إلى المطالبة بالاستقلال، حيث بدأت الحركات الوطنية المغاربية مطالبتها بالاستقلال السياسي الصريح، فصدر بيان الشعب الجزائري 1943، وقدم حزب الاستقلال وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944 أما تونس فقد سبقت البلدين بمطالب الاستقلال في 1938 عبر الحزب الدستوري الجديد، وأمام رفض فرنسا انتقل العمل الوحدوي إلى مصر حيت أسس المغاربيون جبهة شمال إفريقيا، التي تحولت في سنة 1947 إلى مكتب المغرب العربي، وعاشت المنطقة مرحلة الانفجار حيث تأسس حزب الاتحاد والعمل بزعامة مصالي الحاج الذي كان له دور كبير في عرض القضية التونسية والمغربية في الأممالمتحدة سنة 1953، وفي الجزائر انفجرت الثورة الجزائرية في 1954 فكان بيان واحد نوفمبر الذي أعطى لجانب المغرب العربي حيزا مهما، فاعتبره الباحث استمرار لهذه الثقافة الوحدوية مؤكدا كذلك على ضرورة الانتباه إلى رمزية اختيار القيادات الثورية الجزائرية تاريخ الذكرى الثانية لنفي السلطان محمد الخامس كنقطة انطلاق لتوسيع رقعت نضالها الثوري، وبعد استقلال المغرب وتونس، تحدث الباحث، عن جهود محمد الخامس لإيجاد حل للقضية الجزائرية، واعتبر مؤتمر طنجة مؤتمرا للقضية الجزائرية بامتياز، وعن الجانب الجزائري قامت الحكومة المؤقتة في 19 دجنبر 1958 فكانت خطوة أولى لاستكمال توحيد المغرب العربي ككل. عن الجانب المغربي تدخل أسامة الزوكاري الذي أكد أن دراسة تاريخ جيش التحرير المغاربي مازالت جنينية وأن إكراهات المادة المصدرية تعيق دارسة هذا الموضوع تاريخيا، وأكد الباحث أنه اعتمد على وثائق جديدة من مذكرات الهاشمي الطود التي تصدر قريبا، كانت بدايات هذا الجيش سنة 1947، بعد استجابة متطوعين مغاربة وجزائريين وتونسيين لنداء الجهاد ضد إسرائيل، وبعد مشاركتهم في حرب 1948 أرسلوا إلى العراق ليخضعوا لتكوين عسكري في ما بين 1948-1951، التي كانت تنتظرهم تحث قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، ولتعزيز عمل لجنة تحرير المغرب العربي بأطر ذات تكوين عسكري عصري متين، ولإضفاء نوع من التوازن داخل اللجنة بين العناصر الحزبية والأطر العسكرية، وبتنسيق مع قيادات الحركة الوطنية في البداية تحرك المتطوعون في مهام في تونس وليبيا والجزائر والمغرب بهدف إنشاء جبهات داخلية داعمة لمشروع الأمير الخطابي فوق الأراضي المغاربية، وهنا أشار الباحث إلى ثقل تدخل المخابرات المصرية في هذا التنسيق انطلاقا من شهادة لعبد الحميد مهري، فكان مصير التنسيق بين العسريين والقيادات الحزبية المغاربية هو الفشل بسبب تباين عقلية السياسي وعقلية حامل للسلاح، لتصبح محصورة في تنسيق محدود مع القيادات السياسية الجزائرية وبعض القادة المغاربة، رفض محمد بن عبد الكريم الخطابي المراهنة على الحلول التفاوضية التي كرستها غالبية الأحزاب المغاربية، وأعلن عن تأسيس جيش تحرير المغرب العربي، وفي سنة ديسمبر 1952 عقد مؤتمر ضباط المغرب العربي بمشاركة نخبة منتقاة بدقة ومحدودة العدد لضمان السرية الضرورية، ضمت من تونس عز الدين عزوز ومن الجزائر إبراهيم القاضي ومن المغرب محمد حمادي العزيز وعبد الحميد الوجدي والهاشمي الطود، خرجت بمقرراته تهم إحداث مقاومة سرية وموحدة في كل أقطار المغرب العربي ومقاومة أي تدخل أجنبي، وتمكين شعب المغرب العربي من تنظيم شؤونه، وأشرف الخطابي على إطلاق سلسلة من التداريب للأطر المغاربية بمساعدة رسمية من الدولة المصرية. وعن أسباب انكسار هذه التجربة أكد الباحث أنها ترجع لعوامل عديدة أهمها تزامن تأسيس الجيش مع انطلاق مرحلة المفاوضات من أجل استقلال المغرب وتونس، بالإضافة إلى الفج العميق بين دعاة العمل السياسي ودعاة النضال المسلح، فكان أن تم اعتقال العديد من المناضلين في جيش تحرير المغرب العربي من بينهم الهاشمي الطود واختطاف مناضلين آخرين. الأفق الوحدوي في النضال الوطني المغاربي تدخل في الجلسة الثالثة مؤرخان من المغرب وأديب من الجزائر، عنون الأديب الجزائري مداخلته ب»وحدة المغرب العربي في شكر مفدي زكرياء، العوامل والتجليات» بدأها بفكرة أساسية، مفادها أن فكرة وحدة المغرب العربي لم تكن مجرد خاطرة في شعر مفدي زكرياء، بقدر ما كانت عقيدة راسخة في شعره، آمن بها حد الصبابة والهيام، على قول الباحث، فأضحت من أهم مكونات شعره، كان مفدي زكرياء يأمن بالترابط بين الوحدة والتحرر، ولعل ذلك ما بينته العديد من الدراسات التي كان شعره موضوعا لها، تتبع الباحث دور القدر في نشأة شاعر المغرب العربي، حيث كانت أسرته محافظة مما أكسبه رصيدا أخلاقيا عاليا، ثم تعرضه للغربة وهو صغير السن رفقة والده مما دفعه للاعتماد على نفسه أساسا، كانت رحلته إلى تونس وهو ابن 12 سنة، ساعتها كانت تونس تغلي بالعمل المغاربي المشترك، إذ كان الحزب الدستوري عند تأسيسه مكون % 50 من الجزائريين، وكان الشاعر أنداك منخرطا في هذه الدينامية عبر الاتصال بروادها، إذ كان بيت عمه مقر للعديد من الاجتماعات الطويلة مما جعله ينصت لكل ما كان يجري فيها. أنشد مفدي زكرياء أول قصيدة له وعمره 17 سنة، تناولت حرب الريف، بعد أن تناهت الحرب إلى مسامعه فأنشد يحث على مناصرة ثورة الريف وأسدى في القصيدة بعض النصائح إلى الثوار، تركزت على نبد التفرقة كيفما كان شكلها، وألح فيها على أن ثورة الخطابي ليست انتفاضة جهوية محدودة بل هي دعوة صريحة إلى مواجهة المحتل مغاربيا، فقد آمن الشاعر أن الثورة لو نجحت في الريف فستعم كامل التراب المغاربي، روح الحماسة هذه جعلت الشاعر يدشن مسيرته السجنية وعمره 17 سنة عندما كان يلقي قصائد من على منابر الخطابة بدعوى من الوطنيين المغاربيين، فاعتقله الفرنسيون وأودعوه الحبس لمدة 15 يوما. اعتبر الباحث أن فكرة الوحدة كانت تابتا أساسيا في شعر مفدي زكرياء، إذ آمن أن الوحدة المغاربية ما هي إلا مقدمة للوحدة العربية، والأخيرة تمهيدا لوحدة أكبر هي الوحدة الإسلامية، التي خصص لها العديد من قصائده ابتداء من أربعينيات القرن الماضي، وبعد الاستقلال آمن الشاعر بأن أساس التحرر القطري المغاربي كان هو امتزاج دماء الشهداء من كل بلدان المغربي العربي، وتوفى مفدي زكرياء وفاة مغاربية بامتياز حتى صارت الموت رمزية في مشواره، فقد كان في المغرب أسبوعا واحدا قبل أن توافيه المنية في تونس ويعاد جثمانه إلى الأراضي الجزائرية. «البعد الوحدوي في النضال المغاربي– محطات ورموز» هو عنوان مداخلة محمد معروف الدفالي من المغرب، استعرض فيها مراحل تطور فكرة لم الشمل مغاربيا، فكانت الحاجة إلى فكرة الوحدة مرتبطة بالحاجة الملحة إلى مواجهة المستعمر بشكل جماعي أولا ثم بالحاجة إلى مواجهة التخلف ثانيا، وهكذا مرت الفكرة من الجنينية أواخر العقد الأول من القرن العشرين حين نشأت كفكرة مضادة لوحدة الاحتلال مفادها الالتئام في المقاومة، بدأت أول الأمر في تونسوالجزائر بحكم اسبقيتهما في الدخول تحت راية الاستعمار، فبزرت تنظيمات تدعو إلى الوحدة بأغطية دينية أساسا كالجامعة الإسلامية مع عمر راسم وعمر بن قدور وعلي باشا، في هذه المرحلة كانت الفكرة تقاد من خارج المنطقة وتحديدا من جنيف والأستانة العثمانية، ثم برزت أشكال أخرى دعت إلى توحيد المغرب العربي، مثل اللجنة الجزائريةالتونسية سنة 1918 والمؤتمر الاشتراكي ومؤتمر الشعوب والرسالة التي تم بعتها إلى الرئيس الأمريكي ولسون (1919). عاشت فكرة وحدة المغرب العربي مرحلة النمو ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ حركت ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي الآمال مغاربيا، وخاصة بعد ندائه في 15غشت 1925 الداعي إلى طرد المحتل الفرنسي والإسباني من المجال المغاربي، ومن خير ما يستشهد به في هذه المرحلة هناك «علي الحماني» الجزائري صاحب القلم والسيف، الذي جاهد في الأقطار المغاربية الثلاثة، حتى وصَّف العديد من الكتابات الرجل بأنه ينتمي إلى الأقطار المغاربية الثلاثة، ثم برزت الحركة العمالية المغاربية وبعدها الحركة الطلابية في فرنسا وذلك من خلال «نجم شمال إفريقيا» و»جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمون» في هذه المرحلة حرص القادة المغاربيون على الحصول على دعم اليسار العالمي لقضيتهم ، وكان أبرز رواد هذه المرحلة هو مصالي الحاج، الذي لم تنصفه الكتابات المغاربية. بعد ذلك انتقلت الفكرة من العواصمالغربية والشرقية إلى القاهرة مع تأسيس الجامعة العربية والانتقال من الحديث عن شمال إفريقيا إلى الحديث عن المغرب العربي مع تأسيس مكتب المغرب العربي في القاهرة في ظل المد العروبي أنداك، كما شهدت المرحلة تدويل القضية المغربية والتونسية وبروز شخصيات مغاربية تدعو إلى توحيد الطبقة العاملة لضرب الاستعمار الفرنسي في أساسه الاقتصادي وذلك مع فرحات عباس. تأسست لجنة تحرير المغرب العربي وترأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي كان يؤمن بأن ما ذهب بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، كما شهدت الفترة موت «الحبيب تامر ومهدي بن عبود» في تحطم الطائرة التي كانت تنقلهما رفقة آخرين إلى باكستان للدفاع عن القضية المغاربية، آمن رواد هذه المرحلة بأن استقلال تونس والمغرب مجرد التفاف عن الفكرة الرئيسية، أي توحيد المغرب العربي، لكن الجانب الأخر، المستقل حديثا، تدارك الأمر واعتبر استقلال قطريه لا يستقيم ما لم تحرر الجزائر، فكان الدعم القوي للثورة الجزائرية، وكان مؤتمر طنجة المحطة الرئيسية في المرحلة، كما كان المؤتمر إيذانا بنهاية المبادرات الفردية في البحث عن الوحدة المغاربية، وانطلاق المبادرات الحكومية والجماعية. عنون الأستاذ المصطفى بوعزيز مداخلته ب»تساؤلات حول تعقيدات كتابة تاريخ هادئ لجيش التحرير المغاربي» رصد المتدخل حوالي 400 عنوان تناولت جيش التحرير المغربي، ورحب بالبوح الكبير الذي يصنعه العديد ممن شاركوا في جيش التحرير، على أن يحول الباحث المحترف البوح من رواية ومحكي إلى مادة علمية منطقية، عبر إزالة البريق والسحر عنها، فالمؤرخ حسب الأستاذ بوعزيز ينزل الرمز من عليائه إلى الواقع الذي نشط فيه، ويعمل على إطفاء الغضب المتوقد الموجود في الذاكرة، وأشار الأستاذ في بداية حديثه إلى أن ما سيقدمه للحضور عبارة عن ورش يشتغل عليه قرابة عقد من الزمن، عبر أسئلة كبيرة منها: هل هناك قطيعة بين النضال السياسي وحمل السلاح ضمن المقاومة المسلحة؟ هل كان حمل السلاح موازيا لخلق النقابة ونشوء البلوريتاريا؟ وللإجابة وقف الباحث على عدم دقة مقولة أن حمل السلاح كان قطيعة إبستملوجية بين القديم والحديث في الحركة الوطنية، وذلك عبر تتبع المقاومة والعمل النضالي السياسي السلمي. الذي انقطع، حسب الباحث، هو شكل النضال أي شكل ممارسة السياسة، فحمل السلاح مبني على هوية معينة وعندما تصل الأمور إلى المواجهة تشتغل ميكانزمات الشرعية (المقدس- الشيطاني) فالعنف السياسي برز للوجود عندما أغلقت سلطات الاحتلال الحياة السياسية، وفي رصده للثنائيات القاتلة وجد الباحث أن البادية كانت تحمل السلاح والمدينة كانت تحمل العريضة السياسية، كما وجد أن الحزب كان يناضل سياسيا والمنظمة كانت تقاوم بالسلاح، وعلى مستوى المفاهيم كان وما يزال اللبس مطروح حول مفهوم الأمة و« La nation »ونفس الأمر بالنسبة لكمة « Maghrib »التي استخدمها الوطنيون المغاربة في باريس، كيف يمكن ترجمتها؟ يتسائل المتدخل، ففي المشرق العربي كانت الوحدة العربية هي مؤطر التفكير أنداك مما دفع الوطنيين المغاربيين إلى إعطاء مفهوم المغرب العربي للمنطقة، وهنا يستشهد الباحث ب»عبد الحميد مهري» الذي كان يقول «كنا ننعت بالجهويين» ومن هنا اعتُبر المغرب العربي مجرد محطة في انتظار الوحدة العربية الأكبر، كما طرح اللبس فيما بعد بين الحديث عن الفدرالية بين الأقطار كخيار سياسي وعند الحديث عن الناس يطرح مفهوم الشعب المغاربي، بالإضافة إلى أن الإرث المالكي المعمول به في المنطقة يركز على الوحدة الاندماجية، ويخلص الباحث إلى أن حمل السلاح لم يكن بنظرة استراتيجية بقدر ما كان حدثا يوميا خاضعا لتطور الأوضاع. وختم الباحث حديثه بالتركيز على أن منطق الثنائيات ما يزال فاعلا في الفاعل السياسي المغاربي، يدفع بقوة إلى أن يقصي البعضُ البعضَ. المقاومة والوحدة في شعر مفدي زكرياء تدخل في الجلسة الرابعة مختصان في الأدب من الجزائر، الأول هو يوسف الناوري، والثاني هو محمد ناصر بوحجام، عنون الأول مداخلته ب « شعر المقاومة في المغرب العربي تجربة الوحدة والتحديث» وعنون الثاني تدخله ب»مفدي زكرياء شاعر رسالة – قراءة في قصيدة الذبيح الصاعد» أوضح من خلالها أن تجربة التحديث والوحدة قد عاشتها بلدان المغرب العربي من خلال قضايا التحرر، باعتبارها قضية شغلت الكتابات التاريخية ضمن مسار يتحقق فيه فعل المقاومة بأبعادها الثلاثة، بعد تقليدي وآخر رومانسي ثم بعد معاصر، كانت القصيدة في البعد الأخير تعبير عن تحرر مجتمعي وثقافي، يهدف الى الإصلاح وبناء مشروع لهذه الثقافة الشعرية كممارسة الملحون، والشعر الامازيغي والحساني، فقد لعبت التجربة الشعرية أدوارا كبيرة في تحفيز الناس على مواجهة الاستعمار بشكل فعلي، فمثلت شكل مقاومة ثورية، في لباس إبداعي وفكري مرتبط بالعقل، فالتجربة الشعرية اعتبرت طريقة أخرى للمقاومة، تطرقت لقضايا الصحافة والمرأة واتفقت في مبادئ الحق والانتماء الديني والوطني. عكست المحاولة الشعرية للأمير عبد القادر تجربته المزدوجة، التي شملت عمله الميداني ولغته الشعرية، فكما كان ميدان المقاومة والدفاع عن الوطن ساحة للحروب بلغة السيف، جرب الأمير سلاح آخر لا يقل قوة، وهو سلاح الكلمة المعبرة، فأصبح الميدان مسرحا لمشهد عناق أزلي بين لغة القصيدة ولغة السلاح ، وقد استحضر محمد العيد ومفدي زكرياء في نشيد قسما بالنازلات الماحقات» التاريخ الإسلامي، هناك شعراء أخرين من المغرب العربي عبروا عن هموم بلدانهم بإبداعاتهم مثل ما فعل رفيق المهداوي الملقب بشاعر الوطن، الذي عبر عن الأوضاع السياسية التي عاشها الليبيون حتى عهد القذافي، فمنعت أشعاره، ونجد أحمد ولد عبد القادر من ليبيا، وعلال الفاسي من المغرب. وخلص الباحث إجمالا إلى أن تجربة الشعر في المغرب العربي كانت تشكل لبنة أساسية في بناء التحديث والثقافة بهاجس الوحدة والمقاومة، لينتقل بعد ذلك من الشعر كممارسة إبداعية ذاتية الى المقاومة بحماس ثوري دون أن يفقد صفته الابداعية، وهنا نجد قصيدة «الذبيح الصاعد» التي تم اختيارها بمناسبة تدشين المقصلة، وقد أعدم بها الرمز أحمد زبانا الذي استبدل شهادة التوحيد بشهادة الوطن والعروبة وهي «تحيا الجزائر والعرب». جاءت القصيدة في سياق ظروف الثورة التحريرية الجزائرية، كانت القوة المعنوية هي السند والبديل الذي يضمن قوة العزم والمغامرة الاقدام والشجاعة في مواصلة الكفاح بسلاح الأمل، تضمنت القصيدة ثمانية رسائل، في ثمانية وستين بيتا، حددت مضمون القصيدة والدعوة لفهم دروس النضال والعهد لمواصلة الجهاد وتبليغ الرفاق في النضال، كما كانت وثيقة وفاء بالعهد وعدم الاستسلام، ورسالة تحد وتقرير للحقيقة، ليرتقي الشعر الى القدسية التي يعبر عنها هذا البيت: رسالة الشعر في الدنيا مقدسة لولا النبوءة لكان الشعر قرانا ارتبطت مضامين القصيدة وأفكارها بالقران ومعانيه، وبكلمات ذات دلالة قوية في إيصال معنى الاضطهاد الممارس ضد الجزائري، مثل (أشنقوني- أصلبوني – الموت – الجماجم- الرشاش) لتصبح اللغة هنا قوة وسبيل إلى الحرية كما تضمنت ألفاظ القداسة والمسحة الدينية مثل (صلوات- طيبات – القدر- قدسية الله والوحي- سلاما- يمتطي معراجا – ابتهالا) وغيرها.. وقد تم على هامش الندوة عرض شريطين وثائقيين، واحد عن الحياة النضالية لمفدي زكرياء والثاني عن سيرة الشهيد محمد الزرقطوني، أجاد مبدعوهما في إبراز صفات الشهيدين لتبقى خالدة في أذهان النشء، كما تم تبادل الهدايا بين الجهات المنظمة للتظاهرة العلمية وتوشيح صدور العديد من المشاركين بأوسمة شرفية لمؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، وأخرى لمؤسسة مفدي زكرياء، وتوقيع مشروع اتفاقية علمية بين المؤسستين. *باحث مغربي