دخل الهولدينغ الملكي SNI (الشركة الوطنية للاستثمار) في مسلسل «ريجيم» قد يفضي قريبا إلى تخفيض وزنه وثقل حضوره في النسيج الاقتصادي الوطني. وكأي مقبل على نظام الحمية الصحية، أسقطت SNI من وجباتها الزيت، وباعت 41 % من أسهم شركة لوسيور للفرنسيين، وتعهدت بإدخال 35 الأخرى إلى البورصة، وبذلك تخرج المجموعة من قطاع حساس وخطير وهو الزيت، على وعد بأن تخرج قريبا من صناعة السكر، ثم الحليب، ثم تدريجيا من قطاع الأبناك والتأمينات والاتصالات... للإنصاف، هذا المسلسل بدأ السنة الماضية وبالضبط في 25 مارس 2010، عندما أعلنت ONA وSNI زواجهما الكاثوليكي، وعزمهما على تغيير استراتيجية حضورهما في الاقتصاد الوطني، لكن للحقيقة، كذلك، فإن الربيع العربي وحركة 20 فبراير وانتقادات الصحافة الحرة وجزء من رجال الأعمال، كل هذا ساهم في صناعة قرار انسحاب «الثروة الملكية» من مجال التنافس الاقتصادي، مراعاة لحرمة صاحبها، وصيانة لمناخ التنافس الحر، والتزاما بمبدأ فصل السلطة عن المال... لقد عانت الصحافة الحرة –ونحن ضمنها- جراء التنبيه إلى مخاطر زواج المال بالسلطة، والآن، وبعد أن أقدمت الشركة الوطنية للاستثمار على بدء انسحابها من الإدارة والتسيير والاحتكاك المباشر بالمستهلك والأسواق ورجال الأعمال المغاربة، لا بد من تشجيع هذا المنحى، وهذا الوعي الاقتصادي الجديد، الذي كان يمكن أن يتحرك في أوقات مبكرة، عندما اتضح أن وزن المجموعة المرتبطة بالقصر قد إزداد بشكل كبير وخطير في نسيج اقتصادي هش، وأن احتمالات الخسارة «السياسية» قد تغطي على فرص الربح الاقتصادي. إن الكثير من العائلات المالكة في أوربا تملك ثروات كبيرة، وملكة بريطانيا تأتي على رأس أغنى الملوك الأوربيين، وهذه الثروة لا تطرح أية مشكلة في مملكة عريقة في الديمقراطية، لأن هذه الثروة تتحرك عبر أسهم أو سندات في البورصة، ومالكتها لا تدير شركة، ولا تسير بنكا، ولا تتخذ قرارا، ولا تنافس أحدا من رعاياها... أظن أن شركة SNI تفكر في هذا الاتجاه، وعليها أن تسرع الخطى أكثر، وأن تخفف من وزنها حفاظا على صحة الجميع، فالظرف الدولي والإقليمي والوطني دقيق جدا، وقد رأينا عددا من اللافتات في شوارع المملكة تعزف على لحن «فصل السلطة عن الثروة»، وتشنع بالشركة ورموزها... إن تحرك القصر في حقل ألغام، مثل الحقل الاقتصادي، تحرك خطر، لأن مناخ البزنس في بلادنا هش ومليء بالانتهازية والزبونية، والريع الذي يريد أن يختبئ وراء الاسم الملكي للمجموعة، والكل يعرف أن القلة من رجال الأعمال، الذين ينتقدون الحضور القوي لSNI في حقل الاقتصادي، صادقة، أما الباقون فإنهم يصرخون عاليا لأنهم لم ينالوا حظهم من الكعكة، ولو أتيحت لهم الفرصة لكي يركبوا القطار لما ترددوا قطعا. قرار انسحاب القصر من «البزنس» قرار حكيم، وهو جزء من أجندة الإصلاحات التي يجب أن تتحرك بسرعة أكبر لتزرع دينامية أقوى في مسار الانتقال الديمقراطي، الذي ينتظر الجميع ولادته الطبيعية بدون أضرار جانبية.