تحت شعار :"الحق في الابداع " احتفت جمعية " ابداع وتواصل " بذاكرة الفنان التشكيلي الراحل عباس صلادي ، من 10 الى 16 ابريل 2017 ضمن فعاليات الدورة الثانية من الملتقى السنوي للفنانين العصاميين ، ببرنامج فني / ثقافي متنوع تضمن معرضا جماعيا برواق الخميسة بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء ، والذي عرف حفل افتتاحه مساء يوم الاثنين 10 أبريل الجاري ، حضور أسماء وازنة من عالم الفن التشكيلي ، ومن عالم الصحافة والفن والنقد الفني اضافة الى الفنانات والفنانين المشاركين من مدن مختلفة من المغرب ومن خارجه . وزوال يوم الأربعاء 12 أبريل وفي سياق فعاليات الدورة الثانية من الملتقى السنوي العصاميين ، شهدت رحاب المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء لقاء مفتوحا لطلبة هذه المؤسسة الفنية مع المفكر والباحث ادريس كتير ، بحضور أستاذ مادة الفلسفة المجناوي مصطفى وأستاذ تاريخ الفن الدكتور عبد الله الشيخ ، وأدار اللقاء الاعلامي محمد معتصم .الباحث ادريس كثير تناول في عرضه مفهوم " هشاشة الفن المفرطة: دراسات في التشكيل المغربي " الصادر في طبعته الثانية سنة 2016 ، حيث طرح في بداية عرضه سؤالا جوهريا : لماذا عنوان : هشاشة الفن المفرطة؟ تم توقف عند فلسلفة الفن ، تم حضارة العلامة ، موت الفن ، عمى الانصات : النظر والرؤية الفنية ، جماليات البهاء : محاكاة مغايرة ، وفي المجال الثالث تطرق ادريس كتير الى الاستطيقا ، بلاغة المحو واللامعنى ، بقية سيميائية ، تم خيمياء الشبه والأشبه ، الفضاء المغلق ، نعيم الأبرار : الباري والبراري ليختم عرضه بسنن دافنشي ، الصمت والسر ، العرض القيم تفاعل معه طلبة المدرسة وفتحوا حوله عدة أسئلة جوهرية تحمل دلالات فنية وفلسفية. كما تم عرض فيلم وثائقي حول مسار الفنان العصامي الراحل عباس صلادي ، بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، ملحقة ابن امسيك . وزوال يوم السبت 15 أبريل الجاري احتضن رواق " اخميسة " لقاء مفتوحا حول موضوع : "الفن والعصامية: عباس صلادي كمثال نموذجي " من تسيير الناقد الفني سعيد الرباعي ،بحضور مجموعة من الفنانات والفنانين المشاركين في المعرض الى جانب مهتمين بالفن التشكيلي ومن عالم الصحافة والنقد الفني . وحسب المنظمين : إن هذا الملتقى الفني، الأول من نوعه بالمغرب، مهدى إلى المبدعين العصاميين.فهو أرضية عامة تؤكد مدى تضحية الفنانين العصاميين للحاق بركب ذوي الكفايات والمعارف العملية. لقد حان الوقت للتذكير بالقولة النيرة لميلان كونديرا : »ليست المعارف الرحبة هي التي تميز العصامي عن المتمدرس، بل الدرجات المختلفة للحيوية والثقة بالنفس. لقد أصبح الفنانون العصاميون اليوم قاعدة ذهبية واستثناء. فبيانهم هو : »كونوا عصاميين، ولا تنتظروا دروسا من الحياة. بكل تأكيد، إن العصامية هي الإرادة التي ستخلق الانسجام الداخلي لأرواحنا. فهذا الانسجام هو الذي شكل حياة المسار الإبداعي للفنان العصامي عباس صلادي ، حيث الأثر الإبداعي يتجاوز الحدود بين التجريد والتشخيص. لقد ارتأينا برسم الدورة الثانية الاحتفاء بذاكرته بوصفه من الفنانين العصاميين النموذجيين و الباحثين عن مسالك جديدة. فخارج عزلة فنه بمحترفه بمراكش، كان شخصية انطوائية تحلق في معارج الإبداع الغرائبي. بموازاة النظام التقليدي للتكوين والتمرس المهني خارج التمدرس يبرز نمط جديد من العصامية في ما وراء التمدرس ومسارات التأهيل. إن مظاهر التجديد في المجتمع والعلوم والتكنولوجيا تفرض على كل واحد منا حاجة الحفاظ على سيرورة مستدامة من التكوين الذاتي، في حقول المعرفة والمعرفة العملية قيد التحول الكبير. يمكن لنا القول، بشكل أو بآخر، بأننا جميعا عصاميون بالنظر إلى التحديات الجديدة على مستوى المعرفة والمعرفة العملية التي نواجهها يوميا . أحيانا، نجد وضعيات مأساوية وتمدرس معين، إذ إن شكل هذا الأخير التام والحديث لا يكفي كثيرا لتلبية جميع الحاجيات على نحو قطعي. نلاحظ قاعدة مشتركة في الحاجة إلى التحيين، والتكوين الذاتي، دون نسيان سيرورات محاربة الأمية والتمدرس في السياق الراهن لمجتمع المعلومة. حاجة وبالأحرى ضرورة ملحة تفرض ذاتها خاصة في الأنشطة الأكثر دقة – كما في مجال الطب- حيث يبدو نقص على مستوى التمدرس، وحيث تنضاف مخاطر اختبار غير محين لبعض المهن . ذاكرة الفنان الراحل عباس صلادي عباس صلادي(1992-1950) ذاكرة إبداعية حية تشربت بدروس الفلسفة حتى الثمالة و آمنت بالدرجات القصوى للعزلة مسترسلة مع مخيلتها الفانطازية، حيث الحلول اللامتناهي للكائنات و الأشياء يتخذ صيغا مرئية و لامرئية : الغيلان، المرأة/العصفور ، الرأس/القبة ، النخلة/الشمعة، المرأة/الطاووس، عراء الأجساد و خضرة الكائنات… هنا يدرك المتلقي مدى عمق اللوحة الذي يتسع لعمق الواقع و كأنه كتاب صوفي من كتب المهووسين بالرؤى و الأحلام المجهولة… عباس صلادي ، هذا الوجه المنسي في ظلال الحياة العبثية يذكرنا بالمنطق الشهرزادي : "احك حكاية و إلا قتلتك". يا له من بحث سيزيفي عن الفردوس الأرضي المفقود، عبر الاسم الحركي و الإشكالي للجيلالي الغرباوي تطالعنا لا محالة إشراقات الفنان العصامي عباس صلادي الذي انطبعت سيرته الذاتية بمأساة سيزيفية اتخذت من الفقر و المرض العصابي علامات بارزة لها… هذا الفنان الذي اضطره المرض إلى مغادرة التكوين الجامعي بالرباط ليستسلم لدوامة الحاجة العبثية. ألا نتذكر أمه و أخته اللتين أقبلتا على بيع لوحاته المستوحاة من المشاهد اليومية بساحة جامع الفناء مقابل مبالغ مالية هزيلة؟ ألم تدفعه صدمته النفسية و العصابية إلى استيحاء أعمال فنية تشدد على التواصل العمودي بين الأرض و السماء، تواصل روحي من قبيل القيم الصوفية الشعبية، حيث لا فرق بين الأغنياء و الفقراء؟ ترى كيف كنا سنتصور مصير عمل الفنان صلادي لولا التفاتة مديري المركز الثقافي الأمريكي و المركز الثقافي الفرنسي بمراكش؟ يخيل إلي أن لوحتي "الرجل الأسود" و "وصول الأبرياء" هما بيان جرح أعمال صلادي و سر تجربته الروحية، هو الذي أكد ما مرة بأنه يرسم في بداياته لسد رمق العيش خارج التصنيفات الأكاديمية، و بدون ادعاء و وهم و وصولية. ليست هذه الذاكرة عصامية كما يدعي التبسيطيون و لا شقية كما يذهب إلى ذلك الفوضويون و دعاة "الوعي الشقي". إننا هنا في محراب ذاكرة متفائلة و مقتنعة تمام الاقتناع بمبدإ شوبنهاور المتعلق بإرادة الحياة بحثا عن حياة جديدة و متجددة إلى درجة أنه يخيل إليك أن صلادي يردد مع أبي حيان التوحيدي قوله في "المقابسات": "الحياة ينبوع الفرح و الهم و اللذة و المعرفة، و الحس و الحركة، لا تمام للإنسان إلا بها و لا قوام له إلا معها، و لذلك، إذا نظر إلى الميت استوحش منه و تبرم به و عوجل به إلى القبر، و أبعد في الأقطار لأن الحياة التي كانت مهاد الأنس، و رباطا بين النفس والنفس فقدت". إن عملية الإبداع من منظور صلادي ولادة عسيرة ومستمرة مبدأها قول رفيق دربه الشاعر عبد الله زريقة : " كان لا يرسم شخوصه فقط ، وإنما يعايشهم في كل كبيرة وصغيرة . كان يعيش عالمه الآخر ويؤمن بأن الإبداع لم يخلق هكذا عبثا وإنما للحياة فيه ومن أجله ، حتى كبر عالمه الآخر هذا أمام عينيه، فغلب على عالمه الأول". تخضع فسيفساء أعماله، إذن، إلى طريقة الهدم وإعادة البناء في شكل معالم كرنفالية تحيط بلوحة وكأنها نسيج من لغات الطبيعة المرتبطة ببلاغة الجسد، هذه الصورة المثالية المتبصرة و المتخيلة في الخيال المنفصل وكأنها أرواح نارية أو نورانية تتسم بالدرجة القصوى للتجريد بالمفهوم الصوفي للكلمة الذي ينص على التجرد بالظاهر عن الأعراض وبالباطن عن الأعراض لوجوب الحقيقة لا لعلة غيرها ولا لسبب سواها، فيتم التجرد بالسر عن ملاحظة المقامات التي تحلها والأحوال التي ينازلها بمعنى السكون إليها والاعتناق اليها .