بين الشعري والتشكيلي ثمة منطقة جمالية دقيقة، هي أرض الما –بين، والتي غالبا ما يتم تمثلها من طرف العارفين باعتبارها نقطة تماس تنصهر في متنها الأفكار وتندمج فيهاالرؤى وتذوب فيهاالحساسيات، بما يتجاوز مقولة النوع. في هذه المنطقة الهشة، ينشأ تماهٍ جديد، لا هو شعري ولا هو تشكيلي، إنه اقتراح إبداعي خالص، يتيح المجال واسعا لحاسة التنبؤ، في أفق الاقتراب من خطاب جمالي مجتهد، يقدم نفسه خارج تصورات الجاهز والمتداول والبسيط. بناء عليه، نستطيع أن نتمثل هذه المنطقة باعتبارها هامش خطر ومجازفة، حيث المغامرة بالمكرس والمتعارف عليه تكون هي الإمكانية الوحيدة المتاحة لإنتاج لغة إبداعية طريفة وطارئة. بهذه الخلفية المركبة أتمثل تجربة الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، باعتباره كائنا إبداعيا مغامرا يقيم في منطقة وعرة، وفي هذه الإقامة ينحت لغته الشعرية والتشكيلية، على حد سواء، لينثرها بين الناس مثل مطر يتكون في جنة المرتفعات. فمنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وهو يجتهد في تلميع آلته الإبداعية، بكل اجتهاد وتواضع وصمت خلاق. والنتيجة، ست مجاميع شعرية وأزيد من ثلاثين معرضا فنيا داخل المغرب وخارجه، إضافة إلى أربع كتب تهتم بخطاب الثقافة والنقد الفني وسؤال الجمال. تشكيليا، كنت قريبا جدا من مغامرته في تطويع المادة ( مسحوق الرخام )، التي كان يتخذها سندا لعمله الفني، قبل أن يفاجئني ( يفاجئنا جميعا ) بتحوله، في شغله الأخير، نحو الورق كسند جديد يبني عليه أفكاره المشاغبة. فعلى الرغم من بقائه وفيا للمسته التجريدية، إلا أنه، وبسبب كيمياء السند الورقي الجديد، الذي يفضله مستعملا من قبل مثل ورق التلفيف، أكياس الإسمنت وما شابه… صار يضيف إلى لوحته بعض الرسومات التجسيدية، بما يخلق هرمونية مبتكرة تنضاف إلى لمسته التجريدية الذكية. في معرضه "أوراق صغيرة " دعوة صريحة لاكتشاف هذا السفر الكبير نحو مجاهل الورق.