مثلت الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية لحظة ناجحة في الحوار الديمقراطي، وفي بلورة المواقف الواضحة وفي التعبير عنها بقوة ووضوح، وشهد ممثلو مختلف وسائل الإعلام على ذلك من خلال تمكينهم من حضور مختلف الجلسات ومتابعة كل شيء داخل الاجتماع وفي محيطه، وهذا أيضا درس آخر في التدبير الواضح والشفاف للشأن الحزبي. لقد راهن البعض على تفجر اجتماع القيادة الحزبية، ورسم البعض سيناريوهات لذلك غلفها بأرقام وتصريحات غارقة في... الوهم. ويوم «الامتحان» انتصبت الأرقام، لكن هذه المرة عقب عمليات التصويت، لتعطي الدليل على أن للأشياء منطقا آخر يختلف عن... الخواء. وسواء عبر التقرير الواضح والقوي الذي قدمه الأمين العام باسم الديوان السياسي، أو في مناقشات اللجان وتقاريرها، أو في مناقشات الجلسة العامة، أو في البيان الختامي والقرارات المصادق عليها، فقد أكد حزب التقدم والاشتراكية أنه قوة سياسية جدية وذات أهمية بالنسبة للبلاد ولمسار نضالنا الديمقراطي. إن وجود أحزاب مثل التقدم والاشتراكية تمتلك رصيدا تاريخيا كبيرا، ولها هوية وطنية وفكرية واضحة، وبرنامج سياسي ومجتمعي يعبر عن مصالح فئات واسعة من شعبنا، وتمتلك القوة والأدوات لصنع وإعلان مواقف جدية ورصينة وذات مصداقية في الوقت المناسب، إن كل هذا يمثل في الواقع مصلحة وطنية لبلادنا قبل أن يكون الأمر مجرد مصلحة حزبية. وبالإضافة إلى قوة الأفكار والتحاليل، فإن اجتماع اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية أعطى الدليل على قدرة الحزب ومناضليه على ممارسة التقييم الذاتي باستمرار لسلوكهم الحزبي ولأعمالهم ولميكانيزمات الأداء، وقد استطاع الحزب كسب رهان التدبير الديمقراطي لتمايز مواقف الأعضاء من هذه القضية أو تلك، والكل وجد الطريق، عندما كان الأمر يقتضي ذلك، لتوجيه رسالة وحدة الصف وإعلان الالتفاف الجماعي الواعي حول القضايا الكبرى لوطننا وشعبنا. ولقد بلورت اللجنة المركزية، في السياق نفسه، خطة عمل تقوم على بنيان مؤسساتي للعمل الحزبي تنخرط فيه مختلف القواعد والهياكل العامة للتنظيم، وذلك باستكمال انتخاب الأجهزة الحزبية الوظيفية التي ينص عليها القانون الأساسي للحزب، وبالتالي وضع المداخل التنظيمية والتدبيرية الضرورية لتنفيذ خارطة الطريق التي كان الحزب قد أعلن عنها من قبل، والتي ستؤطر عمله، بالخصوص، إلى غاية انتخابات 2012. إن دورة اللجنة المركزية هذه، تستحق أن تكون درسا لأكثر من جهة، ومن المصلحة الانتباه إلى الأفكار والمقترحات السياسية والتنظيمية التي حملتها، ومن الواجب على إعلامنا وعلى محللينا مواكبة مثل هذه الدينامية بكثير من الجدية والرصانة، بدل القراءات الشاردة والمتابعات المتخيلة.