الجاليات الإسلامية بهولندا توجه رسالة إلى حكومات الدول العربية وجه مجموعة من رؤساء جمعيات ومؤسسات للجالية الإسلامية بهولندا رسالة لحكومات الدول العربية والإسلامية - عن طريق السفراء المعتمدين لدى هولندا. ويناشد الموقعون على هذه الرسالة تقديم الدعم الإعلامي اللازم لقضايا الجاليات الإسلامية في الدول الغربية التي تعاني شراسة يمين عنصري معاد لهم، ولحقوقهم ومقدساتهم. وفيما يلي نص الرسالة: إلى سعادة السفير. تحية طيبة وبعد. نود أن نعرب لكم -من خلال هذه الرسالة عن قلقنا، وقلق الجاليات العربية والإسلامية من تنامي يمين عنصري معاد للإسلام والمسلمين في هولندا، أدى في الآونة الأخيرة إلى استفحال ظاهرة الاعتداء على المساجد، والمراكز الثقافية الإسلامية، وإلى انتشار أشكال مختلفة من التمييز في حق أبناء جالياتنا. يأتي ذلك بالتزامن مع مشاركة حزب (فيلدرز) العنصري في الائتلاف النيابي للحكومة الهولندية الجديدة، وهو ما يعد استفزازا غير مسبوق بالنظر لمواقف (فيلدرز) وتصريحاته المُهينة لكرامة ومقدسات مليار ونصف المليار مسلم حول العالم. لذا نود أن نعبر لكم عن عميق أسفنا، واستغرابنا عدم اتخاذكم أي موقف مندّد أو مستنكر لمشاركة هذا العنصري في الائتلاف البرلماني الحاكم، في وقت عبرت جهات سياسية عدة هولندية، وأوروبية، وإسلامية (تركيا وإندونيسيا) عن رفضها، لتلك المشاركة، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) عن «قلقه العميق من تنامي التنظيمات السياسية المعادية للإسلام والمسلمين في أوروبا» داعيا القادة الأوروبيين لمواجهتها «حماية لقيم التعايش والتسامح». لذا؛ وحيث أن برنامج (فيلدرز) ومواقفه -فيما يخص الإسلام والمسلمين- تتلخص في حظر القرآن أو تمزيقه، وحظر بناء المساجد، وفرض ضريبة على ارتداء الحجاب، وترحيل المسلمين إلى بلدانهم الأصلية، واستبدال أسم المملكة الأردنية باسم فلسطين وترحيل كل الفلسطينيين إليها، كما يعتبر أن الإسلام ليس دينا بل «إيديولوجيا سياسية فاشية تجب محاربتها أينما وُجدت»، ويصف القرآن الكريم بكونه مشابه لكتاب «كفاحي» لأدولف هتلر.... وحيث من الواضح أن البرنامج السياسي ل (فيلدرز) يتجاوز بذلك الشأن الداخلي الهولندي، إلى القذف الرخيص، والاعتداء الصريح على مقدسات المسلمين، وعلى ثوابت كل الدول الإسلامية، باعتبار الإسلام في دساتير كل هذه الدول هو ركن أساسي لهوية الدولة، وركيزة من الركائز التي ينبني عليها النظام السياسي العام. وحيث أن (اتفاق التراضي) الذي توصل إليه الحزبين الليبرالي، والمسيحي مع حزب الحرية العنصري، يُضفي شرعية الدولة الهولندية على مواقف هذا الأخير عندما يؤكد أن، اعتبار (فيلدرز) للإسلام (إيديولوجيا سياسية) يدخل في إطار «حرية التعبير وحق الاختلاف»، بل ويذهب الاتفاق أبعد من ذلك عندما يؤكد حق (فيلدرز) في العمل على تطبيق ما تُمليه عليه وجهة نظره هذه؟؟ وحيث أن (فيلدرز) لم يعد مواطنا يعبر عن رأيه -مهما كان هذا الرأي- بل أصبح جزءا من الأغلبية في أعلى مؤسسة تشريعية للدولة وهي البرلمان، وبالتالي فاعلا في سن التشريعات، وتحديد السياسة العامة للحكومة داخليا وخارجيا. وحيث إن دولة سعادتكم تربطها علاقات دبلوماسية مع المملكة الهولندية. وحيث أن سيادة الدول تقوم - وفق القانون الدولي - على وحدة الأراضي وسلامتها، وعلى مقومات السيادة الأخرى (كالنظام السياسي، والهوية العقائدية، واللغوية والعرقية). وحيث أن أي اعتداء على هذه المقومات من طرف خارجي هو خرق لميثاق الأممالمتحدة الذي يؤكد، في البند الثاني من الفصل الأول، على ضرورة «إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب». وحيث أن تصريحات (فيلدرز) الرخيصة تعتبر خرقا لمقتضيات هذا الميثاق، وللمواثيق الدولية ذات الصلة بالحريات الأساسية: حيث نصَّت المادة 18 من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) على أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة». وحيث نصَّت المادة 18 من (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) على أن: 1- لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. وحيث يؤكد (إعلان الأممالمتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1981، على ما يلي: المادة 2 1- لا يجوز تعريض أحد للتمييز من قبل أية دولة أو مؤسسة أو مجموعة أشخاص أو شخص على أساس الدين أو غيره من المعتقدات. (...) المادة 3 يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارا لمبادئ ميثاق الأممالمتحدة، ويجب أن يشجب بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وبوصفه عقبة في وجه قيام علاقات ودية وسلمية بين الأمم. وحيث يُلزم ميثاق الأممالمتحدة - في ديباجته - الدول الأعضاء بضرورة احترام «الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي». لذلك كله: فإن من حق الدول الإسلامية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع المملكة الهولندية، اتخاذ موقف حازم - وفق القانون الدولي - إزاء الاعتداءات التي تطال مقدساتها، ومقومات سيادتها ونظامها السياسي، إما بطرح القضية أمام اللجنة الثالثة، أو اللجنة السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أو بمساءلة سفراء هولندا لديها، أو توجيه رسائل احتجاج، أو تنديد، أو حتى استفسار (وهو أضعف الإيمان). من واجب الدول العربية والإسلامية، الشرعي والسياسي والأخلاقي، الدفاع عن نفسها، وعن شعوبها ضد كل اعتداء خارجي يستهدف حقوق مواطنيها ومقدساتهم، وشعائرهم، ومقومات هويتهم الثقافية والحضارية. ونعلم - كما تعلمون جميعاً - كيف تثور ثائرة وزراء خارجية أوروبا وأمريكا، - وكيف يصدرون بيانات وتصريحات غالباً ما تنطوي على نَبْرة تهديد - كلما تعلق الأمر بخرق (فعلي أو مفتعل) لحقوق الأقليات الدينية في الدول الإسلامية، بدءاً من وثَنيي جنوب موريتانيا، ومسيحيي جنوب السودان، مروراً بأقباط مصر، ومارونيي لبنان، ومسيحيي العراق، وصولا إلى بُوذِيي إندونيسيا وأفغانستان. وإذ نلتمس من سعادتكم - ومن حكومتكم الموقرة - إيصال احتجاجكم، وعدم رضاكم لحكومة المملكة الهولندية، عن هذه السابقة الخطيرة في العلاقات الدولية، ليس دفاعا عن الجاليات الإسلامية فحسب، بل - أيضاً - ذودا عن مقدسات وعقائد شعبكم، ومقومات سيادة دولتكم ومصدر شرعيتها، وفق ما تتيحه لكم، تقاليد العلاقات الدبلوماسية القائمة على حسن الجوار، والاحترام المتبادل بين الدول، وما نصت عليه مواثيق الأممالمتحدة، وما تقتضيه مُستلزمات (أضعف الإيمان). لكم -سعادة السفير- منا أجمل المُنى، وأسمى عبارات احترامنا وتقديرنا الأخوي، والسلام. لاهاي 20 أكتوبر 2010