المكسيك، بلجيكا، أستراليا وألمانيا متوجو الدورة وكوريا الجنوبية تحرز الجائزة الكبرى خلال حفل اختتام كبير جرت وقائعه بقصر المؤتمرات، مساء أول أمس السبت الماضي، أعلن من طرف لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرج العالمي جون مالكوفيتش، عن فوز الفيلم الكوري الجنوبي، «مذكرات ميوزون» لمخرجه بارك جونكبوم بالجائزة الكبرى (النجمة الذهبية) للدورة العاشرة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم. بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم للمهرجان مناصفة بين الفيلم المكسيكي «غيوم» للمخرج أليخاندرو كاربر بيسيكي وفيلم «ما وراء السهوب» للمخرجة البلجيكية فانيا دالكا نتارا، وكانت جائزة أحسن أداء من نصيب فريقي عمل الفيلم الأسترالي «مملكة الحيوان للمخرج ديفيد ميشود، وفيلم «عندما نرحل» للمخرجة النمساوية فيو ألاداك. وكما هي العادة دائما مع مهرجان مراكش، فقد جاءت هذه الأحكام لتعبر عن مستوى عال من الحيادية والنزاهة والاحترافية، للجنة التحكيم المكونة هذه الدورة، بالإضافة إلى رئيسها جون مالكوفيتش، من الممثل والمخرج وكاتب السيناريو فوزي بنسعيدي (المغرب)، والممثلة ماغي تشونغ (هونغ كونغ)، والممثل والمنتج والمخرج كايل كارسيا برنال (المكسيك)، والمخرج وكاتب السيناريو بونوا جاكو (فرنسا)، والممثل ريكاردو سكمارتشيو (إيطاليا)، والممثل دومنيك كوبر (بريطانيا) والممثلة يسرا (مصر). وقد تقبل جمهور المهرجان بكل فئاته بما فيها نقاد السينما ومهنيوها، بارتياح كبير النتائج التي خلصت إليها لجنة جون مالكوفيتش، لكون الأفلام المتوجة بالفعل أكدت أنها أعمال متميزة تركت تأثيرا قويا، وانتزعت الإعجاب، منذ عرضها في إطار المسابقة الرسمية. الجائزة الكبرى يحكي الفيلم الكوري الجنوبي «مذكرات ميوزن», المتوج بالنجمة الذهبية لهذه الدورة، قصة شاب يدعى جيون يجد صعوبة كبيرة في الحصول على عمل، ويعجز عن نسج علاقات مع محيطه بسبب بطاقة هوية تكشف عن أصله الكوري الشمالي, وبالرغم من سجل سوابقه النظيف وكونه ليس عاملا مهاجرا، فإنه يعاني من التمييز العنصري ويعتبر نفسه مهمشا في المجتمع الرأسمالي لكوريا الجنوبية. وتجدر الإشارة إلى أن السينما الكورية المدهشة، استطاعت خلال عقد من الزمن، أن تعرف قفزة نوعية وضعتها في مصاف الدول ذات الباع الطويل في مجال الفن السابع، ويجدر التذكير بأن الدورة السابقة لمهرجان مراكش قد كرمت سينما كوريا الجنوبية وعرضت منها العديد النماذج والأعمال المتميزة. جائزة لجنة التحكيم ارتأت لجنة التحكيم هذه السنة أن تمنح جائزتها مناصفة بين الفيلم المكسيكي «غيوم» للمخرج أليخاندرو كاربر بيسيكي وفيلم «ما وراء السهوب» للمخرجة البلجيكية فانيا دالكا نتارا. الفيلم المكسيكي «غيوم» يحكي قصة ثلاثة أصدقاء، يعيشون أوضاعا اجتماعية مختلفة وحنينا إلى الماضي وإلى الهوية الهندية الأصلية قبل الاحتلال الإسباني للمكسيك، من خلال خوسيه الذي يعمل على مضض في مصنع للثلج يمتلكه والده في حي فقير في مدينة مكسيكو، بينما فيليبي مستخدم في مقهى للانترنت حيث يترصد خطوات إحدى زبوناته التي يعشقها، فيما يعيش أوندريس رفقة والده المدمن على الكحول ويقضي وقت فراغه في دراسة العصر الذهبي للمكسيك قبل اكتشافها من قبل كريستوف كولومبوس. ثلاث شخصيات تربطهم منذ الطفولة صداقة وطيدة ويجمعهم حادث مؤلم شكل صدمة بالنسبة لهم ولكل ساكنة الحي الذي يقطنونه. وهو فيلم أكد قوة كبيرة على كل المستويات خصوصا على مستوى الكتابة السينمائية التي بدت جديدة ورصينة، وإن كانت أحداث القصة تطرح بعض الصعوبات بالنسبة للمشاهد نظرا لاعتمادها على الرموز وعلى تداخل الأزمنة والأمكنة عبر توظيف رائع لتقنية الفلاش باك.. والسينما في المكسيك من السينمات القادمة بقوة إلى الصدارة، وقد فازت بالجائزة الكبرى للمهرجان خلال الدورة الماضية. أما الفيلم البلجيكي «ما وراء السهوب» فيتمحور حول قصة امرأة انتزعت منها الحرب زوجها الضابط في صفوف الجيش البولوني، لتجد نفسها في سهوب وعرة منفية ووحيدة مع طفلها المريض. فيلم «ماوراء السهوب» هو أول عمل سينمائي للمخرجة الشابة فانيا دالكانتارا (33 سنة)، حيث استطاعت بمشاهد عملها أن تحرك مشاعر المشاهدين، وتشدهم لتتبع أحداثه المستوحاة من قصة حقيقية. ويتميز فيلم «ماوراء السهوب»، المستلهم من الذاكرة الشخصية للمبدعة، بسرد أحداث مأساوية عاشتها جدتها، أتتثها المخرجة بمجموعة من الأحداث والمعطيات نقبت عنها في الأرشيفات والوثائق التاريخية، مما جعل السيناريو أكثر غنى وأقرب إلى واقع تلك السهوب في بداية أربعينيات القرن الماضي. جائزة أحسن أداء كانت جائزة أحسن أداء من نصيب فريقي عمل الفيلم الأسترالي «مملكة الحيوان للمخرج ديفيد ميشود وفيلم «عندما نرحل» للمخرجة النمساوية فيو ألاداك. ويحكي الفيلم الأسترالي «مملكة الحيوان» قصة كودي وأسرته التي تعيش من احتراف الجريمة، في أحد الشوارع المجهولة في ضاحية بمدينة ملبورن.. جوشيا، أحد أقارب الأسرة، سيمكن الشرطة من التسلل وسط العائلة مما يجعله أمام خيار صعب: أي الطرفين سيصبح ملاذه؟ ويعتبر دافيد ميشود من مخرجي الموجة الأخيرة إذ ما فتئ فيلمه «مملكة الحيوان» يحصد آراء إيجابية مع تصنيفه ضمن الأفلام الممتازة في مجلة Salon وصحيفتي (لوس أنجليس تايمز) و(وول ستريت جورنال)، وملاقاته استحساناً من جمهور مهرجان صاندانس. لذلك ليس من المفاجئ أن يكون هذا الفيلم ضمن لائحة المتوجين في مهرجان مراكش الدولي للفيلم. أما فيلم «عندما نرحل» للمخرجة النمساوية فيو ألاداك، فيحكي قصة أوماي وهي امرأة شابة من أصل تركي/ألماني، تضطر لمغادرة إسطنبول رفقة ابنها من أجل حمايته من بطش زوجها العنيف وتقرر العودة للعيش وسط عائلتها التركية في برلين، لكن أفراد أسرتها لم يلقوها بالترحاب الذي كانت تنتظره منهم، فالأعراف والتقاليد أقوى من عواطفهم تجاهها مما يجعلهم ممزقين بين الحب الذي يكنونه لها وقيم مجتمعهم. أمام هذا الوضع، تجد أوماي نفسها مجبرة مرة أخرى على مغادرة من تحبهم تجنبا للانتقام وألا تكون مصدر العار والخزي لهم. لقد تم عرض هذا الشريط الرائع في اليوم الأخير من المسابقة الرسمية، ليقلب الموازين ويدخل كمنافس قوي على كل المستويات. كلمة الرئيس وفي كلمة له بالمناسبة، قال جون مالكوفيتش رئيس لجنة تحكيم هذه الدورة، إن ملاحظات أعضاء اللجنة تميزت بالجودة، وتم احترام مجموعة من المعايير لاختيار الأعمال الفائزة، ومن بينها أن تكون الحكايات جديرة بالسرد، وأن تعكس الملاءمة الاجتماعية في اختيار المواضيع، وأن تجسد المقاصد التي يروم المخرج إيصالها للمشاهد، فضلا عن التحكم في التقنيات السينمائية.