اختارت عشرون جمعية حقوقية مغربية الاحتفاء بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لهذه السنة عبر تقديم وثيقة مرجعية حول إحداث آلية وطنية للوقاية من التعذيب بمراكز الاحتجاز التي تنص عليها مقتضيات البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب. وأكدت أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن هذه الوثيقة التي تحمل عنوان «من المناهضة إلى الوقاية من التعذيب»، نتاج عمل امتد لأكثر من سنة بين الهيئات الحقوقية العشرين المكونة للمجموعة الوطنية للترافع من أجل المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتعد بمثابة أرضية لتعاقد حقوقي جديد بين السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجمعيات الحقوقية من أجل تعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم. واعتبرت رئيسة المنظمة في الكلمة التي ألقتها باسم مجموع الهيئات الحقوقية خلال تقديم الوثيقة المرجعية مساء يوم الأربعاء بالرباط، أن إطلاق هذه المبادرة يعد انتقالا من الدعوة إلى تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة إلى اقتراح ملموس لإعمال إحدى توصياتها، أي متابعة انضمام المغرب للآليات الدولية، والقطع مع مرحلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأشارت الفاعلة الحقوقية، أن البروتوكول الإضافي يسعى إلى الانتقال بالآلية الوطنية من مرحلة «المناهضة» التي جاءت في مقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، إلى مرحلة «الوقاية»، وذلك بتكريس آليات وقائية تتجسد في الزيارات الميدانية لأماكن الاعتقال والاحتجاز أو أي مركز آخر، قد يتواجد فيها أشخاص محرومون من حرياتهم، وتقديم تقارير عن ظروف الاعتقال بها وشهادات المعتقلين عن المعاملة بداخلها. وأبرزت أن الهدف الأساسي من إحداث آلية وطنية للوقاية من التعذيب بمراكز الاحتجاز هو الوعي بضرورة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان من طرف المكلفين بتنفيذ القانون واتخاذها مرجعية أساسية لمراقبة مدى امتثال السلطات المعنية للمبادئ القانونية والقيم الأخلاقية التي يجب ضمانها للأشخاص المحرومين من حريتهم كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والكرامة الإنسانية. وأوضحت في ردها على سؤال لبيان اليوم، حول المبررات التي دفعت بالمجموعة الوطنية للترافع من أجل المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، إلى اختيار نموذج الآلية الوطنية المستقلة عن الجهاز التنفيذي والمؤسسات الوطنية، (أوضحت) أن هذا الاختيار أخذ وقتا طويلا من النقاش بين أعضاء المجموعة والتي بعد تقييمها لمدى تفعيل المقتضيات القانونية الحالية الخاصة بمراقبة الشرطة القضائية وزيارات أماكن الاحتجاز، سجلت أن آلية المراقبة لمراكز الاحتجاز التي تتضمنها القوانين غير مفعلة. وأضافت أن المجموعة ارتأت بناء على ذلك، أن اقتراح آلية وطنية مستقلة يعد الأنسب والأصلح بالنسبة للمغرب اعتبارا لانعكاساتها الإيجابية على مستوى تعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، بل يمكن اعتبار إحداثها انطلاقة جديدة لبلورة دولة الحق والقانون، مستطردة بالقول «إن اختيار آلية مستقلة لا يعني أنها ستكون تحت وصاية المجتمع المدني، وليس أيضا تحجيما للحكومة أو مؤسسة وطنية، بل لأنها تخدم مصلحة مسار احترام حقوق الإنسان بالمغرب لكونها ستتمتع بالحرية الكاملة بعيدا عن أي تأثير في اختيار مواعيد زياراتها لمراكز الاحتجاز، وكذا بلورة تقاريرها على إثر ذلك. هذا واستنادا إلى نص الوثيقة التي طرحتها المجموعة الوطنية، فإن مهام الآلية الوطنية كما حددها البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، تتمثل في زيارة أماكن الاحتجاز بمختلف أنواعها سواء مراكز الشرطة أو السجون، ومقرات الخدمات الأمنية والاستخباراتية، ومراكز احتجاز الأحداث ومراكز شرطة الحدود ومناطق العبور في المطارات والموانئ ونقط الحدود البرية ومراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء ومقرات الاحتجاز في ظل الاختصاصات القضائي العسكري، وغيرها . هذا فضلا عن تقديم تقارير سنوية، وتحليل مؤشرات معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في أماكن الاحتجاز لتعزيز حمايتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مع مراعاة المعايير ذات الصلة. أما فيما يتعلق بمهمة مراقبة مراكز الاحتجاز، أوضحت المجموعة الوطنية في الوثيقة أنه كما اتفقت على ذلك المجموعة الدولية، فإن مصطلح «مراقبة أماكن الاحتجاز» يعني عملية فحص منتظم عبر زيارات ميدانية لرصد جميع جوانب الاحتجاز والذي يشمل فحص كل المحتجزين أو فئات محددة منهم في مكان واحد أو في أكثر من مكان. وتتضمن عملية مراقبة مراكز الاحتجاز الإعلان عن نتائج المراقبة وتقديم توصيات ومتابعة تنفيذها إلى السلطات المعنية وإلى الأطراف الأخرى الفاعلة والمشاركة في حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم على المستوى الوطني والدولي. وأشارت إلى أن المبادئ الأساسية لمراقبة أماكن الاحتجاز باعتبار أن الزيارات التي تجرى لمثل هذه الأماكن تطبعها الكثير من الحساسية، تتمثل في تفادي الضرر عبر وضع إجراءات وتدابير حتى لا يتعرض أي شخص أو مجموعة للخطر خلال الزيارات والتي يجب التخطيط والإعداد لها وفقا لمنهج واضح حتى لا تؤدي إلى إلحاق الضرر أكثر من أن تجلب المنفعة، وكذا حسن التقدير، مبرزة أن الوعي بمعايير وقواعد المراقبة ودرجة صلتها بالموضوع أو دقتها، لا يمكن أن تحل محل حسن التقدير الشخصي، ولهذا ينبغي على المراقبين أن يتحلوا بحسن التقدير في كل الظروف. وبالإضافة إلى كل هذا، يوجد مبدأ احترام السلطات والعاملين المسؤولين والأشخاص أقدمية والمسؤوليات أالمحرومين من الحرية، وتحر المصداقية، واحترام السرية والأمن والدقة والتحديد أثناء جمع المعلومات من أجل وضع تقارير موثوق بها ومراعاة الموضوعية، وكذا التصرف بنزاهة وإدراك حساسية الموقف والحالة المزاجية واحتياجات الشخص المحتجز، فضلا عن الحاجة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أمنه.