قاسم الغزوي: محاربة الدولة للمحتكرين مدخل أساسي لحماية الفلاحين والفلاحة الوطنية يجد العديد من الفلاحين بجل المناطق الفلاحية المغربية باستثناء دكالة، صعوبات بالغة في القيام بعملية حرث أراضيهم، في ظل الزيادات الجديدة في أسعار بعض البذور والأسمدة، وغياب أخرى من الأسواق، خاصة البذور المدعمة من طرف الدولة. ولم ينفعهم في شيء التجمهر أمام مقرات «البيزانات»، منذ الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، إذ ظلت نداءاتهم بمثابة صرخات في واد لا رجع صدى لها من قبل مندوبيات الوزارة الوصية على القطاع. ووفق المعلومات التي استقتها بيان اليوم، فوجئ الفلاحون، في عز فترة التساقطات المطرية، باختفاء البذور والأسمدة الأكثر استعمالا، وبارتفاع أسعار الأنواع الأخرى. وقد انطلقت شرارة الزيادات، حسب توضيحات قدمها الخبير الزراعي عباس الطنجي لبيان اليوم، منذ بداية الأسبوع الأخير من شهر نونبر المنصرم، ما دفع الفلاحين إلى المسارعة بطرق أبواب «البيزانات»، بصفتها أقرب الموزعين المعتمدين من طرف الوزارة، من أجل مساءلتها حول المضاربات القوية التي تسود الأسواق، عقب أولى التساقطات المطرية. وقال عباس الطنجي إن بعض الفلاحين لم يبادروا إلى حرث أراضيهم، إلى غاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري، فيما لجأ آخرون، من أجل إنقاذ موسمهم الفلاحي، إلى ما يسمى ب «الفرينة المستعملة» ذات الجودة المتواضعة، والبعيدة كل البعد عن المردود المتوقع عند استعمال البذور المختارة التي تعتبر اليوم عملة نادرة. ولم تنف شركة سوناكوس تأكيدات الطنجي بخصوص ضعف مخزونها. وحمل عبد الجليل حقلاني المدير التجاري لهذه الشركة، في تصريح للجريدة، المسؤولية للارتفاع الكبير الذي شهده الطلب على البذور خلال الموسم الجاري، مقارنة بالمواسم الماضية، مشيرا إلى أنه، باستثناء منطقة دكالة التي تم بها توزيع 92 % من البدور على فلاحين قاموا بالحرث المبكر، فإن باقي المناطق المغربية شهدت تأخيرا في مباشرة الأراضي لأسباب مرتبطة بضعف التزود بالبذور وبالتساقطات المطرية التي ألحقت أضرارا مؤقتة بالتربة والتجهيزات. وحسب مصادرنا، فإن الزيادات في أسعار البذور، استقرت صباح أول أمس، في مستويات قياسية، ولم يتجاوز الحجم المتوسط للمبيعات بالتقسيط 300 طن خلال الشهور الثلاثة الماضية، مما يفيد بوجود عجز واضح لدى الفلاحين الصغار والمتوسطين على حد سواء، وعدم قدرتهم على مجاراة الزيادات الجديدة، خاصة وأن وزارة الفلاحة توقعت تسويق 1000 طن على الأقل لمباشرة الأراضي، في مرحلة الحرث التي تتزامن وفصل الخريف. فوفق توضيحات قدمها لبيان اليوم، محمد الباهي، أحد كبار الباعة بالتقسيط بمنطقة الشاوية، بلغ سعر الملحة من نوع 21 سقف 200 درهم، علما أنها مادة مستوردة غير خاضعة للرسوم الجمركية. وقفز سعر الفوسفاط 18–46 إلى 260 درهما. أما الأسمدة من نوع «ت س ب 45 «، فلم يعد سعرها يقل عن 210 درهما. وحسب المصدر ذاته، قفز سعر الأزوت من نوع 14/28 إلى 420 درهما، وتراوح سعر ما يطلق عليه المزارعون الأسمدة «الحمراء» ما بين 410 و440 درهم، والزرقاء بين 400 و450 درهم، والسوداء من نوع 45 بين 340 و370 درهم، فيما قفز سعر القنطار الواحد من البيضاء إلى ما يفوق 510 درهم. وأكد محمد الباهي أن المكتب الشريف للفوسفاط توقف عن إمداد السوق الوطنية بالأسمدة الأكثر انتشارا والتي يطلق عليها اسم «أسمدة 14–28 «، مما أدى إلى انعدامها الكلي بالسوق لمدة طويلة، قبل أن تعاود الظهور هذه الأيام في بعض المحلات التجارية المتخصصة، بسعر لا يقل عن 600 درهم. وتفيد مصادرنا أن شركة سوناكوس، سارعت صباح أول أمس، بعد رفع تقارير «البيزانات» بخصوص العتبة المتدنية التي بلغها المخزون الاحتياطي من البذور المختارة، إلى إبلاغ الوزارة الوصية باحتجاجات الفلاحين ووضعها في الصورة بخصوص بعض السلوكات التي أبانت عنها شركات الإنتاج والباعة بالجملة على حد سواء، علما أن الدولة تعول عليهم، في ظرفية الندرة لتصريف مخزوناتهم في انتظار الإمدادات الجديدة. وتفضل بعض الشركات عدم بيع الأسمدة المنتجة محليا بكميات كبيرة، في انتظار بلوغ السوق مرحلة الندرة. وقد حاول الفلاحون استبدال هاته الأسمدة المحلية بالمستوردة، إلا أن المضاربين، وفق تصريح أدلى به للجريدة عزيز آيت علي، رئيس «جمعية الأطلس للنهوض بالفلاح»، كانوا سباقين إلى تجفيف المنابع من خلال تعاملاتهم المباشرة مع «فرتيما» و»شرف» و»بروماكري» و»اسميدام» وغيرها من الشركات المرخص لها بالاستيراد. هذا السلوك انعكس على أسعار المنتجات المستوردة التي وضعت الفلاحين في أتون لا يرحم. فقد طوح المضاربون بسعر الآزوت من نوع 33 إلى ما فوق 410 درهم، وأجمعوا على تحديد ثمن القنطار الواحد من الآزوت 21 في 320 دراهم، وعلى حصر سعر الآزوت 46 في 570 درهما. أما البوطاس بنوعيه 48 والغبرة فبات بلوغه من رابع المستحيلات بالنسبة لصغار الفلاحين. إذ قفز السعر على التوالي إلى 1100 درهم و730 درهم. وعلى نفس المنحى سار ثمن الأسمدة المخصصة للسقي بالتنقيط التي تضاعفت بنسبة 500 %. وهو واقع لم ينفه مدير قطب البذور بوزارة الفلاحة، معتبرا إياه، في توضيح للجريدة، «ظرفيا وسيتم التغلب عليه خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة بعد التدابير المتخذة سواء لتشجيع الاستيراد، أو المتعلقة بمتابعة طريقة تسويق المنتوج المحلي». وقال مدير قطب البذور إن الارتفاع الذي شهدته بعض تركيبات الأسمدة، خاصة الآزوطية منها، والذي تراوح ما بين5 و30 في المائة، مقارنة مع الأسبوع الماضي، هو نتيجة ظرفية تسويقها على الصعيد الدولي، موضحا أن أثمنة الأسمدة، التي ينتجها المكتب الشريف للفوسفاط، تخضع إلى تطور أسعار المواد الأولية المستوردة، التي تدخل في تركيبتها وإلى تكلفة الطاقة والنقل البحري. وفي اتصال لبيان اليوم بجمعية منتجي وموزعي البذور المختارة، التي تضم منتجين وموزعين من القطاع الخاص، وتعتبر إلى جانب شركة «سوناكوس» التابعة للدولة أهم المحتكرين للسوق، قال سعيد البوندي، عضو الجمعية، إن المسؤولية الأولى والأخيرة ملقاة على الدولة التي تمت مطالبتها غير ما مرة ب «التقدم أكثر في مجال تحرير قطاع إنتاج وتوزيع البذور بالمغرب، من خلال فتح رأسمال شركة «سوناكوس» التي تستحوذ على حصة الأسد من السوق، أمام مساهمات المستثمرين الخواص وإخضاعها للمنطق التجاري». ويرى، المدير العام لإحدى الشركات المتخصصة في عمليات الاستيراد والتسويق، في توضيح للجريدة، أن الندرة تعتبر، «أولا وأخيرا، نتاجا طبيعيا لواقع وتبعات الموسم الفلاحي الماضي الذي اتسم بالتواضع، وبالظرفية الدولية الصعبة التي جعلت خيار الاستيراد صعبا، ليس فقط بعد تأكد شمول مشكل الندرة بعض الدول المصدرة، وتوجه أخرى نحو إعادة استعمال فوائضها لتحضير منتجات وسلع ومواد طاقية، بل أيضا للزيادات الهامة التي طالت المدخلات الفلاحية المستوردة». وقد كان من المنطقي، يضيف المصدر ذاته، أن «يمتد تأثير هذه الأزمة إلى الأعلاف الحيوانية، التي شهدت هي الأخرى ارتفاعات ملحوظة رغم اتساع المساحات الرعوية وتوزيعها الجيد». بيد أن جمعيات الفلاحين ترى أن هذه العوامل لا تنفي ضرورة استباق الدولة للأزمات، بدل انتظار الانعكاسات والتفرج على واقع شريحة عريضة من الفلاحين وجدت نفسها منذ بداية الأسبوع الماضي بين مطرقة الندرة وسندان الغلاء، وأصبحت بالتالي عاجزة عن مسايرة زحف الأسعار الذي بلغ سقفا غير مسبوق. ففي توضيحاته لبيان اليوم، قال عزيز آيت علي، إن الشلل الذي يميز العديد من الحقول، وما يوازيه من زيادات لا تنتهي في أسعار البدور، يطرح سؤال غياب الرد على شكايات الفلاحين. وبهذا الخصوص، قال قاسم الغزوي إن الزيادات الغير معقولة، والتي طالت الأسمدة الآزوتية، واقع لا مفر منه، يقتضي مساءلة وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش الذي سبق أن أكد، في جواب له على سؤال لفريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين أن المشكل لن يطرح بعد الموسم الفلاحي المنصرم الذي يبشر، على حد قوله، بالخير. وشدد قاسم الغزوي في اتصال أجرته معه بيان اليوم، على أن الوزارة الوصية مطالبة بمحاربة ناجعة لبعض المظاهر الاحتكارية السائدة، والتي اعتبرت دائما العامل الرئيسي في ارتفاع الأسعار في غياب «الحسيب والرقيب».. وأضاف الغزوي أن هؤلاء المحتكرين يستفيدون دائما من تعطل مصالح قمع الغش، ومن غياب المحاسبة التي يجب أن تفرض على محتكرين معروفين بجشعهم وبتوسيع هوامش ربحهم بأشكال لا مشروعة. فمحاربة الدولة للمحتكرين، يضيف الغزوي، تعد مدخلا رئيسيا لحماية الفلاحين والفلاحة الوطنية.