هل من حق وسائل الإعلام أن تنقل المحاكمات بالصوت والصورة للجمهور؟هل منع الصحافة من تصوير المحاكمات يحد من حريتها ومن دورها تجاه المجتمع؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل موضوع نقاش تشهده حاليا الساحة الإعلامية والقانونية في الشقيقة مصر، في ضوء قرار يقضي بمنع تصوير المحاكمات. القرار القضائي يتضمن منع وسائل الإعلام بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات، وعدم قيامها بتصوير هذه الوقائع أو تصوير هيئات المحاكم أو الدفاع أو الشهود أثناء إجراءات المحاكمات. في هذه الورقة سنتوقف أساسا حول هذا النقاش، مع الاستئناس بموقف القانون المغربي وبعض مقتضيات المحاكمة العادلة. رفعت، مؤخرا، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ثالث دعوي قضائية تطالب بإصدار حكم قضائي بإلغاء قرار المجلس الأعلى للقضاء المذكور. وتقول الدعوى، التي أقامها أحد أعضاء مجلس الشعب المصري وأحد أعضاء لجنة الحريات بنقابة المحامين: إن هذا القرار صدر بالمخالفة لمواد الدستور والقوانين والمواثيق الدولية. وأوضحت الدعوى أن القانون أعطي الحق لرئيس المحكمة في إصدار قرار بحظر النشر لأسباب يقررها، وهذا يعني أن الأصل العام هو نشر جميع مجريات المحاكمات بشكل عام، كما أن المواثيق الدولية أكدت حق المواطن في المعرفة وحق الإعلام في تغطية الأحداث. إعلاميا، خلف قرار حظر التصوير التلفزيوني لجلسات المحاكمات جدلاً كبيراً بين رجال القانون والإعلاميين، البعض يراه إخلالاً بحق المجتمع في المعرفة بسير التحقيقات فى المحاكمات، فى حين يرى البعض أنه لا يجوز أن يتعامل القاضي والمحامى والشاهد داخل القاعة وكأنهم فى «تمثيلية» أو «مسرحية» تسجل وتذاع. قبل تقديم أهم في ما جاء في الموقفين، نشير أن مجلس القضاء الأعلى في مصر قرر بالإجماع عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أية وسيلة من وسائل الإعلام، أو قيامها بتصوير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم، أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات. وأشار المجلس إلى أن هذا القرار يأتي التزاما بما نهى عنه وعاقب على مخالفته قانون العقوبات من نشر أمور بإحدى طرق العلانية من شانها التأثير في القضاة أو النيابة العامة المكلفين بالتحقيق أو التأثير في الشهود أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده، وضرورة مراعاة عدم الخوض في الدعاوى أو التعليق على مجرياتها أو الأحكام غير الباتة الصادرة فيها. المعارضون لقرار المنع تلخص الدعاوى المرفوعة أمام القضاء للطعن في قرار المنع موقف المعارضين. وأوضحت الدعوى الثالثة أن هذا القرار يعد بمثابة تعليمات وتوجيهات من المجلس الأعلى للقضاة، بما يؤثر بالضرورة في استقلالهم نتيجة مصادرة سلطتهم التقديرية بشأن مسألة علانية الجلسات من عدمها. ويرى أصحاب الدعوى أن هذا القرار، وإن اتفق تماما مع مبدأ سرية التحقيقات، حفاظا على مصلحة المتهمين وحماية الشهود والحفاظ على الأدلة، إلا أنه لا يتفق وعلانية الجلسات في مرحلة المحاكمة، سيما أن القضاء المصري لم يصل بعد إلى درجة الاستقلال وفقا للمعايير الدولية، مما يستتبع وجود نوع من المتابعة الشعبية، متمثلة في منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لمراقبة مدى توافر ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة. ويعتبر الرافضون للقرار أن الأصل فى المحاكمات هو العلانية، ولا يجوز حرمان المجتمع من حقه فى متابعة قضية معينة تكون مثار حديث فى الصحف والمجلات. ثم إن قرار المنع في نظرهم يتعارض مع حق دستوري هو حق الحصول على المعلومات وحق الإطلاع، وحرية الصحافة والإعلام، ومبدأ علانية المحاكمات الجزائية. ويشكل مبدأ العلانية، حسبهم، ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة، كما أنه أيضا يحقق رقابة المجتمع على القضاء والقضاة، ويعد أقرب صورة من صور المشاركة المجتمعية فى إدارة العدالة، خاصة أن مصر لا تأخذ بنظام المحلفين السائد في أمريكا... وعن تأثير كاميرات التليفزيون فى سير العدالة، يقول مدافعون من جبهة الرفض «للقاضى سلطة تقديرية تتوقف على طبيعة كل دعوى على حدة، وهو الوحيد الذي يستطيع تحديد إذا كان سيتأثر من عدمه، فمثلا الدعاوى الشهيرة سوف تحظى بتغطية إعلامية أكبر، وهناك قضايا عديدة لا يتابعها أحد، والنقل الحي للمحاكمات يجب أن يكون بغرض تثقيف المجتمع وتوعيته، لذلك يجب أن يدرس اقتراح حظر التصوير جيدا، لأنه سوف يؤثر على حق المجتمع في المعرفة ومبدأ العلانية، ونقل المحاكمات بالكاميرا هو استخدام لمبدأ العلانية بطريقة تكنولوجية مختلفة،هدف واحد هو كشف الحقيقة والمصلحة القومية، بشرط ألا يقوم الإعلام بدور القضاء أو وكيل النيابة أو المحامى، فقط يقتصر دوره على توفير المعلومات، وليس من حق الإعلام أن يصدر الحكم أو يحقق العدالة والإنصاف...». المؤيدون لمنع التصوير يرى المؤيدون أن التصوير بكاميرات التليفزيون يؤثر على القاضى والمحامى والشاهد، الذين يهتمون بالظهور أمام الكاميرا بمظهر حسن، بدلا من أن يكون تركيز الجميع فى الدعوى المنظورة أمام القضاء لتحقيق العدالة، والبحث فى القضية. فالتصوير داخل المحكمة، في ظل العدد الهائل من الفضائيات المصرية والأجنبية اليوم، يؤثر على تصرفات الجميع، فيهتم البعض بمشهده أمام الكاميرا، وينشغل بضبط مظهره، أكثر من اهتمامه مثلا بالدفاع عن المتهم!!، وهناك من يحتج بأن منع التصوير يخل بمبدأ علانية المحاكمة، لأن بإمكان أي صحفي أن يحضر جلسة المرافعة مثل أي مواطن آخر، ويستطيع أن يدون ما يجري فيها، ولكن لا يجوز أن تتعامل وسائل الإعلام مع قضايا المحاكم على أنها «تمثيليات» يتم تسجيلها لتذاع من أجل الإثارة الإعلامية أو السبق الصحفي!!.. كما أن التصوير وكثرة الكاميرات والإنارة المبالغ فيها، كلها أمور قد تؤثر على القضية، فتتحول ساحة المحكمة إلى مسرح مفتوح!!، وبرأي أصحاب هذا الرأي أنه في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى يمنع دخول الكاميرات والإعلام إلى قاعات المحاكمة لذلك تستعين القنوات ووسائل الإعلام هناك برسامين يرسمون صور المحكمة والمتهمين، وهناك دول وضعت ضوابط وآليات للتصوير، ولا يتم البث إلا بعد مراجعة التسجيل ويكون للمحكمة سلطة القرار في المشاهد الجائز عرضها وما يحجب عن العرض.. ويؤكد المؤيدون إن الأصل المتفق عليه دوليا أن تكون المحاكمات علنية، لكن العلانية لاتعني (علانية المداولات)، بل تعني أن يفسح المجال لكل من يود حضور جلسة المحاكمة وفق المتسع من المقاعد، ويحق لرئيس المحكمة أن يحول الجلسة إلى سرية. فالعلانية هنا عليها قيود حين تمس ببعض القضايا كالأمن العام للدولة أو احتوائها معلومات عسكرية أو قضايا عائلية شخصية. وهنا لما ينتهي حق العلانية تخضع المحاكمة للسرية. المغرب وتغطية قضايا المحاكم وتجدر الإشارة أن المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تناولت شروط المحاكمة العادلة وبخصوص الاستثناءات تقول هذه المادة: «الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال.» وإذا كانت مصر اشتهرت بمتابعة إعلامها بشكل مثير للقضايا المعروضة أمام المحاكم والسماح لوسائل الإعلام بالتصوير، فإن المغرب عرف متأخرا الانفتاح النسبي للسلطات القضائية على الصحافة. ولم يسمح بالتصوير سوى في حالات استثنائية مثل ما جرى في محاكمة الكوميسير ثابت عام 1993 ومحاكمات التهريب سنة 1996 ومحاكمات الانقلابين في بداية السبعينات. وإذا كان القانون في المغرب يقر جزئيا بالحق في الحصول على المعلومات من مختلف مصادرها ما لم تكن هذه المعلومات سرية بمقتضى القانون، فإنه يفرض على وسائل الإعلام عدة قيود، منها منع نشر وثائق الاتهام وغيرها من الوثائق المتعلقة بالمسطرة الجنائية أو الجنحية قبل مناقشتها في جلسة عمومية، ونشر صور شمسية ومنقوشات ورسوم وصور الأشخاص، تكون الغاية منها التشهير والتشخيص الكلي أو الجزئي لظروف جناية أو جنحة. ويمنع القانون في المغرب كذلك نشر بيان عما يدور حول قضايا القذف أو السب، وكذا عن المرافعات المتعلقة بدعاوى إثبات الأبوة والطلاق وفصل الزوجين، ولا يطبق هذا المنع على الأحكام حيث يسوغ نشرها دائما. كما يعاقب على نشر بغير أمانة، وعن سوء نية، ما جرى في الجلسات العلنية للمحاكم. ويفرض القانون إدراج بعض القضايا في إطار جلسات غير علنية أي لا يحضرها الجمهور. وعموما يمنع التصوير داخل المحاكم إلا في حالة الحصول على الترخيص من طرف رئاسة المحكمة.