سلام عليك، وأسكنك الله عرصات جنانه وبعد، كم هو حزين، موجع، وشهيد هذا النونبر، أكاد أراه ضريرا يثقب اللؤلؤ، قبورا مفتوحة ومجهزة لميتات متعددة ومتنوعة، امرأة ثكلى بضفائر مبعثرة، وكبدا تنهشه أظافر مقلمة بعناية. بالأمس انسحب القاص محمد بيدي، الشاعر عبدا لواحد أخريف في صمت، إدمون عمران المليح، وكثير من شهداء العيون، وليلة الاثنين ترحل أنت بهاته السرعة المباغتة والمكوكية. كم هو حزين هذا النونبر كم هو موجع هذا النونبر وكم هو شهيد، شهيد هذا النونبر نونبر الأسود الذي شهد نهايتك المروعة بالشارع الرئيسي لمدينة الدريوش التي عشقتها وعشقتك حد أنك خلقت أزمة مدهشة عند كبار مسؤوليها ، باختراقك صوتك وقلمك أحيانا للحدود التي يرونها حمراء. *** عزيزي المختار يقينا تذكر عشاءنا بجامع الفنا، شغب الكوليزيوميين، تلك الجماعة من القاصين المتناقضين الذين التقوا صدفة بمراكش الحمراء، كي يعلنوا رفضهم للمؤسسة كيفا ما كانت وأينما وجدت. يقينا تذكر شقة الشاعر عبد العاطي جميل، ومكتبته التي تضج بالكتب والمسودات. تذكر صخبنا، جنوننا، طفولتنا، ثم سقوطنا على ظهورنا دونما حراك، من فرط السهر. *** صاحبي المختار هل تذكر محطة القطار بالمحمدية؟ هل تذكر فضاءنا المزدحم تلك الأمسية الفاتنة؟ تلك المياه المتدفقة من أمامنا مثل الكوثر؟ وذاك الكمنجي الذي استضافه سعيد عاهد ليقذف لنا موسيقى المغرب الشعبي؟ هل تذكر أنك تظل ساهرا رغم رحلاتك الطويلة؟ هل تذكر أنك كنت تحكي عن المغرب الثقافي، عن القمم الطارئة، عن الثقوب المظلمة ، بتأوهات عديدة؟ *** عزيزي الغرباني سهراتك دافئة وفاتنة أحاديثك تعض على أصابعهم بأسنان حادة. ضحكاتك، صوتك، دوما مثل مناضل جريء. وحين تتعب، كنت تسند ظهرك على الجدار، تطلق زفرات حادة، وتعب من سيجارتك الشقراء، دفعات عميقة. أنت دوما هكذا يا حفيد الخطابي، تتوق لمغرب كما أسنان المشط، ولقصة قصيرة، ولقصائد، فاتنة كالمساءات الباردة. *** صديقي المختار عشت مثل أبي ذر عشت كما السلمون عشت كما عروة وكما ديك الجن أبدا تقذف موسيقاك في الأدوار السفلى عشت كريما، وانتهيت ذات مساء بارد وفاتن. تعازينا لأسرتك، لرفاقك في النضال، لتلاميذك، للشغيلة التعليمية بثانوية مولاي إسماعيل، ولساكنة الدريوش، وأسكنك الله فسيح جنانه. أيها الميمون المبدع، المناضل، الجريء، والمدهش كمساءاته القصصية.