عين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مجددا أول أمس الأحد، فرنسوا فيون رئيسا للوزراء على رأس حكومة جديدة تتميز باستمرار مشاركة عدد من الوزراء البارزين تمهيدا لقيادة المعركة غير المحسومة للانتخابات الرئاسية العام 2012. ويمكن توصيف هذا التعديل الوزاري الذي أعلن عنه الرئيس الفرنسي قبل خمسة أشهر حينما كان في أدنى مستوى تأييد شعبي له والذي يفترض أن يوفر اندفاعة جديدة لعمله, بأنه تبديل لتوزيع المقاعد بين عدد كبير من وزراء الحكومة السابقة مع صبغة يمينية واضحة. وبدأت أولى فصول تشكيل الحكومة الجديدة مساء السبت مع تقديم فرانسوا فيون استقالة حكومته. ومع انقضاء حالة التشويق التي سادت الأوساط الفرنسية في الأيام الأخيرة, تم الإعلان عن إعادة تكليف فيون تشكيل الحكومة الجديدة صباح الأحد. وقال رئيس الوزراء «بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الإصلاحات المشجعة, التي تم إجراؤها على الرغم من أزمة اقتصادية ومالية عالمية حادة, التزم, تحت سلطة رئيس الدولة, مع تصميم, بمرحلة جديدة». ونجح هذا الرجل الرصين والغامض أحيانا البالغ من العمر 56 عاما بفرض أسلوبه الخاص في ظل حكم الرئيس نيكولا ساركوزي. وكان بذلك أول رئيس وزراء يميني يتولى اعتماد سياسة تقشف اقتصادي. وحصل فيون, الذي أعطته استطلاعات الرأي نتائج مريحة, على دعم من اليمين التقليدي الذي فرض تقريبا أعادته إلى منصبه الذي يشغله منذ العام 2007, تحت طائلة القيام بخطوات لا ترضي المكون الوسطي في الأكثرية. وتميزت عطلة نهاية الأسبوع في فرنسا بحركة اتصالات ومساومات مكثفة في اللحظة الأخيرة. وقد توجه رئيس الحكومة ثلاث مرات إلى قصر الاليزيه في وقت كانت تحضر اللوائح الحكومية على وقع شائعات وتسريبات. وهكذا, تخلف ميشال اليو ماري (64 عاما) المعتادة على تولي حقائب وزارية رئيسية (العدل, الدفاع, الداخلية) الوزير برنار كوشنير اليساري والطبيب الفرنسي السابق الذي انضم في 2007 إلى الرئيس نيكولا ساركوزي. وتصبح اليو ماري اليمينية والقريبة من الرئيس السابق جاك شيراك أول امرأة تترأس الدبلوماسية الفرنسية. كما يحل ألان جوبيه (65 عاما) وهو رئيس سابق للوزراء, محل الوسطي ارفيه موران. وحافظت كريستين لاغارد (54 عاما), مدعومة باعتراف نظرائها الأجانب بجدارتها, على منصبها الاستراتيجي وزيرة للاقتصاد بعد يومين على استلام فرنسا الرئاسة السنوية لمجموعة العشرين الجمعة في خضم «حرب العملات», وقبل استلام فرنسا أيضا رئاسة مجموعة الثماني اعتبارا من يناير المقبل. وأثار هذا الخيار حفيظة المعارضة الاشتراكية التي انتقدت تخلي الرئيس الفرنسي عن شعاره الذي لطالما نادى به والمتمثل ب«الانفصال» مع الماضي لتغيير فرنسا, واتهمته بعدم الاكتراث بقلق الفرنسيين. واعتبرت زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري أن «تعيين فيون مجددا يشكل بلاغا من رئيس الجمهورية برفض الاستماع للفرنسيين». ورأت أن هذه الحكومة «قبلية بشكل أساسي», متحدثة عن تشكيلها من «يمين متصلب». وكان جان مارك ارو رئيس كتلة النواب الاشتراكيين انتقد تشكيل الحكومة الجديدة قائلا بتعجب «كل هذا (الجهد) من أجل هذه (الحكومة)!». وتشكيل هذه الحكومة يعطيها ميلا أكثر يمينية من سابقتها. وإضافة إلى ايرفيه موران, وهو وسطي آخر من الصف الأول, فقد قرر جان لوي بورلو (وزير البيئة السابق) ترك فريق نيكولا ساركوزي. واكتملت الحقائب المرتبطة بالشؤون الخارجية مع تعيين هنري دو راينكور وزيرا للتعاون ولوران فوكيه وزيرا للشؤون الأوروبية وبيار لولوش وزير دولة مكلفا التجارة الخارجية. وبقيت حقيبة وزارة الداخلية مع بريس أورتفو القريب من الرئيس. وسيتولى أيضا وزارة الهجرة ما يدل على إلغاء وزارة الهجرة والهوية الوطنية التي أثار إنشاؤها في 2007 وأنشطتها الجدل. وهذه الحكومة مؤلفة من 31 عضوا (أي أقل بسبعة وزراء عن سابقتها) بينهم 11 امرأة (مقابل 13). وتسجل الحكومة الجديدة غياب وزراء منبثقين من التنوع والمعارضة اليسارية مثل راما ياد التي شغلت حقيبة وزارة الدولة للشؤون الرياضية وفضيلة عمارة (وزيرة دولة سابقا لسياسة المدن وهي تتحدر من المجتمع الأهلي) أو برنار كوشنير (الذي كان لوقت طويل قريب من الاشتراكيين). وبين الغائبين البارزين الآخرين اريك فيرت وزير العمل السابق الذي أجرى الإصلاح غير الشعبي لأنظمة التقاعد والذي كان مسؤولا عن أسابيع من الإضرابات والتظاهرات. وتعرض فيرت أيضا للانتقاد في فضيحة سياسية ضريبية على علاقة بالمرأة الأغنى في فرنسا ليليان بيتانكور وريثة مجموعة مستحضرات التجميل «لوريال». والحكومة الجديدة تشهد أخيرا وصول زوجين وزيرين هما ميشال اليو ماري وباتريك أولييه وزير لدى رئيس الوزراء مكلف العلاقات مع البرلمان. ويأمل الرئيس الفرنسي الذي يمر بأزمة ثقة مع الفرنسيين بعد إقرار اصلاح مثير للجدل لنظام التقاعد, في أن تعطي التشكيلة الحكومية اندفاعة جديدة لحكمه في وقت لا تزال شعبيته تسجل تراجعا إذ أشار استطلاع للرأي تنشر نتائجه الاثنين إلى نسبة تأييد شعبي تبلغ 32% بخسارة ثلاث نقاط عن استطلاع سابق.