هو إيحاء شعري في خدمة الإنسان، وللإنسان، بخطابه السري والمعلن الذي تفجره عناصر الكون ابتداء من أمنا الأرض، ومرورا بكل مكونات الحياة المحسوسة التي تدب فوقها أو فيها، وانتهاء بجارها القمر، وما يسبح في مدارنا الكوني. اللغة الشعرية عن محمد زريويل تحتفي، في طريقها إلى الإنسان،بمكونات الطبيعة وأعراسها كما تحتفي بمكنونات الإنسان وأحلامه وهمومه أينما كان أو لنقل، إن شئنا الدقة اختصارا لما لا ينبغي أن يؤول خطأ، هي انتصار للطبيعة على نفسها، وبنفسها، وكذلك بمساعدة الإنسان ذاته: خادم الأرض وسيدها. تأتينا صرخة بقوة الهمس، وهي تنطوي على ذلك الانتصار أو التحويل السرمدي القائم على مبدإ الظهور والاختفاء، ومبدإ القديم والجديد ومبدإ الطرح ونقيضه، أي في المجمل، ذلك المبدإ القائم على لعبة التضاد أو الثنائيات الجدلية لتؤشر على استمرار الحياة داخل الحياة، فالرياح التي قد تعصف بالزهور، حين نظن أن هذا العصف هو إهدار لدمها الزكي، لا تفعل سوى أن تلقحها أو تطمرها، أي تعيدها إلى رحم الأرض لتنمو من جديد، ربما بصورة أروع، وبكيفية تتيح لها العطاء الوفير. حتى الصيف الذي لا نظنه، إلا هو بمنطق البدايات، يحمل في طياته نقيضه = الخريف، والظلام الذي لا نظنه إلا هو بالمنطق نفسه، يحمل في طياته نقيضه = النور. واحتفال الشاعر بدورة الأرض والطبيعة غير المتوقفة، إنما هو احتفال بالحياة، وتعبير عن فرح عال، لان الكائن البشري في صراعه ضد قوى الطبيعة المتوحشة أحيانا، استطاع القبض على مفاتيحها، أي مفاهيم الجدل التي تحكم دوراتها اللامتناهية. وفي كل الأحوال، لن يكون هذا الاحتفال جديرا باسمه "الاحتفال" إلا إذا غناه الشعر بحرارة. أما عندما ينتقل الشاعر من مستوى الاحتفاء، بما هو طبيعي في علاقته بالإنسان، إلى تصوير ما هو بشري، فإنه ينبهنا إلى أنه لا ينتصر للمفاهيم الدوغمائية، ولا يقول كلامه اعتباطا، بل إنه يعرف ما يقول، عندما يريد أن يقول شيئا متيقنا منه، ولكن عندما يعوزه اليقين، لأن حالة الاستغراب تلفه من كل جهة. يحق له أن يتساءل ككل الناس: أيحن المرء إلى الماضي في خذلان الحاضر. أم يتوق إلى قادم. في لبوس الجائر؟؟ هذا الجائر يظل في أعماقه وسلوكه الخارجي متغطرسا، كاشفا عن أنيابه، مدمرا لكل ما هو جميل وتاريخي: توحدت ليالي بغداد حتى خسوف الخسوف.. جعل الدمار عاليها ( واطيها) فما لم يحرق ينهب ويسرق إن الغازي الآتي في ثوب الحضارة والحداثة والديمقراطية، حول هذا البلد إلى دمار وأنقاض، فأين هي الإنسانية؟؟ الديوان يشكل، بابتعاده عن اللغة التقريرية الجافة، وما هو إيديولوجي ضيق أو ظلامي، وباقترابه من اللغة المجازية المرنة، وما هو إنساني بحت أو نوراني، أنشودة على طريق الاحتفال بالجمال في كل أبعاده ومناحيه، وأنشودة، تستقي ألفاظها من لغة التحول.