اليوم الوطني للإعلام أمام سؤال أخلاقيات مهنة الصحافة استأثر موضوع أخلاقيات مهنة الصحافة باهتمام الفاعلين والرأي العام على حد سواء تزامنا مع الاحتفال باليوم الوطني للإعلام الذي يصادف 15 نونبر من كل سنة، في ظل الهجومات المتوالية التي يتعرض لها المغرب من طرف وسائل الإعلام الإسبانية على خلفية أحداث الاثنين الماضي بالعيون كبرى حواضر الأقاليم الجنوبية للمملكة. وبقدر ما بات الاحتفال باليوم الوطني للإعلام مناسبة لإبراز المراحل والخطوات الكبيرة التي قطعها المغرب لإرساء تعامل جديد مع وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، والوقوف على المنجزات التي تحققت خلال العقد الأخير، فإن الحملة التي يتعرض لها مؤخرا من طرف الصحافة الإسبانية تكاد تفسد على الإعلاميين المغاربة الاحتفاء بيومهم الوطني. فخلال العقد الأخير، شهد المغرب تحولا نوعيا وقفزة كبيرة في طريق إرساء حرية التعبير وحرية الرأي والصحافة ، لتكون هذه الأخيرة قوية وقادرة على مواكبة التطور الإيجابي الذي يعرفه المجتمع المغربي. وتميزت العشرية الأخيرة بانطلاقة حقيقية في مجال إرساء تعامل جديد بين الدولة والفاعلين والمهنيين الإعلاميين، مبني على أسس احترام حرية الرأي واتخاذ الإجراءات لإنهاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة. وتجلت هذه الانطلاقة في تحرير قطاع الإعلام السمعي البصري، وميلاد عشرات العناوين الصحفية والمواقع الإلكترونية. غير أن هذه الإنجازات، وإن كانت تلقى تجاوبا وترحيبا على نطاق واسع، داخليا وخارجيا، فإنها تواجه تحديات كبيرة من أجل تطويرها وتعزيزها، والوقوف ضد كل من يحاول المساس بها، خصوصا أمام الحملة الشنعاء التي تستهدف مقدسات وثوابت البلاد، من طرف الصحافة الإسبانية في الأيام الأخيرة التي أعقبت أحداث العيون، والتي بينت أن الجسم الإعلامي المغربي لا يحتاج إلى من يعطيه الدروس في المهنية والأخلاق. وقد استنكرت الحكومة «السلوك اللامسؤول» لعدة منابر إعلامية إسبانية في تناولها للأحداث والأخبار المتعلقة بالمغرب، منددة ب «الانزلاق العنصري الحاقد» لمختلف وسائل الإعلام بالجارة الشمالية والتضليل الخطير الذي تمارسه على الرأي العام الإسباني لإثارة حقده وكراهيته اتجاه المغرب. ووصف وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الإسبانية على المغرب ب «الدعوة الصريحة إلى الكراهية والتحريض على العنف»، مضيفا أن الأمر يتعلق «بتضليل خطير للرأي العام الإسباني، من أجل إثارة الحقد لديه في حق المملكة المغربية، في إطار يهيمن عليه طابع الكراهية والعنصرية». وعبر خالد الناصري، في تصريح صحفي أول أمس السبت، عن استنكار الحكومة المغربية للسلوك اللامسؤول للعديد من المنابر الإعلامية الإسبانية، الذي دأبت عليه منذ فترة طويلة كلما تعلق الأمر بقضية الوحدة الترابية للمملكة، من خلال تعامل تنعدم فيه قواعد المهنية ومبادئ النزاهة والموضوعية المفروضة في كل ممارسة إعلامية مسؤولة ونزيهة. وشدد وزير الاتصال على أنه «أضحى اليوم بديهيا أن الأمر لم يعد مجرد أخطاء مهنية عرضية، أو قراءة مغلوطة للأحداث المرتبطة بالشأن المغربي، وإنما لجوء ممنهج، من طرف عدد من وسائل الإعلام الإسبانية، المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، إلى تزييف وتزوير الأحداث، من خلال فبركة وقائع غير موجودة في الواقع». واتهم وزير الاتصال وكالة الأنباء الإسبانية «إيفي» ببث الأكاذيب المخجلة، وادعاء وجود عشرات الجثث مرمية في مدينة العيون، مستطردا بأن الوكالة الرسمية الإسبانية «تخطت كل الحدود المقبولة أخلاقيا، حين عمدت إلى بث صورة لأطفال فلسطينيين من ضحايا العدوان على غزة، يعود تاريخها إلى يونيو من العام 2006، وتقديمها بكيفية مضللة، كصورة لأطفال وقعوا ضحية لأحداث العيون الأخيرة، ليتم بهذه الطريقة المقيتة، تضليل الرأي العام الإسباني والدولي والتدليس عليه، بهدف الإساءة المقصودة للمغرب، علما أن هذه الصور التي ألصقت ببلادنا، ظلما وعدوانا، قد تناقلتها كافة وسائل الإعلام الإسبانية، وعملت على استغلالها بكيفية مغرضة» أثارت استنكار وإدانة كبير المفاوضين الفلسطينيين. وأدان كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، بشدة ما وصفه «الاستغلال المغرض لوكالة الأنباء الإسبانية الرسمية لصور الأطفال الفلسطينيين ضحايا العدوان الإسرائيلي، وادعائها أنها آتية من مدينة العيون، مستنكرا الافتراء والكذب العاري من الصحة للوكالة الإسبانية الموجه للمس بالمغرب. وأبرز المسؤول الفلسطيني أن ما قامت به وكالة الأنباء الإسبانية «محاولة يائسة لاستغلال القضية الفلسطينية»، مشيرا إلى أن تلك المناورة عبارة عن «استغلال مرفوض جملة وتفصيلا ولا يمكن قبوله تحت أي ظرف من الظروف». ووصف عريقات ما قامت به وكالة الأنباء الإسبانية بأنه مخالف لأخلاقيات وقواعد مهنة للصحافة واستغلال للقضية الفلسطينية المقدسة ومعاناة الضحايا الفلسطينيين. وقال: «اطلعت على الصور، وهي قادمة من غزة وليس من العيون، ولا يمكن بأي حال من الأحوال محاولة الربط بين ما حدث في العيون وبين ما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب في حق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال». وشجبت الحكومة المغربية على لسان ناطقها الرسمي السلوك المتحامل لكل من قناة «أنتينا تريس» وصحيفتي «أ بي ثي» و»إلباييس»، الأولى لم تكتف بعرض الصورة المنقولة عن الوكالة الرسمية، وإنما استغلت، بطريقة مخجلة، صورا لجريمة شنعاء من جرائم الحق العام وقعت بمدينة الدارالبيضاء في يناير من هذه السنة، وقدمتها على شاشتها كجرائم مزعومة اقترفت في المناطق الصحراوية من المملكة. والثانية التي وصف أحد مراسليها المغرب ب «الديكتاتورية» والمواطنين المغاربة ب «المعمرين»، بل وتجاوز كل هذا بنقل وقائع وهمية وكاذبة بالادعاء أن شوارع مدينة العيون مليئة بجثث القتلى. والثالثة سمحت للصحفي «صامبريرو» بنشر، على موقعها الإلكتروني، بلاغ لا أساس له من الصحة نسبه لما أسماه «تنسيقية مخيم العيون» وادعى أن هذه التنسيقية «تطالب بحق تقرير مصير الشعب الصحراوي»، قبل أن يعمد إلى سحبه من الموقع. واعتبر رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يونس مجاهد،أن ما سقطت فيه وكالة الأنباء الرسمية الإسبانية « أمر خطير جدا لا ينبغي السكوت عنه»، داعيا إلى متابعتها أمام المحاكم الإسبانية. ووصف يونس مجاهد عمل «إيفي» ب «الفضيحة» التي ستسجل في تاريخ الصحافة العالمية، والتي تدخل في إطار الموقف المناهض للمغرب، من طرف وسائل الإعلام الإسبانية التي لا تفوت أية فرصة للتشويش عليه حتى لا يستمر في المطالبة باستكمال وحدته الترابية. مضيفا بأن هذا المسلسل لن يتوقف لذلك «ينبغي إعداد العدة والاستعداد لهذا النوع من الصراع». وأبرز مجاهد أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية بصدد إعداد ملف في هذه القضية من أجل طرح تساؤل على الضمير العالمي وعلى ضمير المنظمات الدولية. وفي الوقت الذي تنفث فيه الصحافة الإسبانية بمختلف ألوانها سموم حقدها وكراهيتها على المغرب، ونشر أخبار كاذبة وأوهام زائفة عن أحداث العيون، جاء صوت الحق من طرف رئيس بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء، هاني عبد العزيز، الذي أكد أنه قام بزيارة بقايا مخيم «اكديم إزيك» الذي قامت القوات العمومية بإخلائه الاثنين الماضي، وصرح المسؤول الأممي أنه لم يرصد أي آثار لاستعمال الرصاص أو الذخيرة الحية من طرف القوات العمومية المغربية. ونفى هاني عبد العزيز وجود أي أثار للرصاص، عكس ما تدعيه أبواق الدعاية الانفصالية وأذنابها، والأدهى من ذلك، حسب المسؤول الأممي، وجود أعداد كبيرة من قنينات الغاز التي استعملها المشاغبون في مواجهة القوات الأمنية. ورغم أجواء هذه الحملة المغرضة، التي تخيم على اليوم الوطني للإعلام لهذه السنة، فإن ذلك لا يمنع من مواصلة تعزيز المكتسبات المحققة في هذا المجال، والتي تميزت بالخصوص بثورة حقيقية في مجال الإعلام في ومواصلة النقاش حول أخلاقيات المهنة وإعداد قانون جديد للصحافة يحدد ضوابط حرية التعبير التي كانت دائما محل خلاف بين الصحافة والسلطات العمومية.