يحل السينمائي الكبير فرانسيس فورد كوبولا, الذي يعد أسطورة حية في مجال الفن السابع, ضيفا على المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته العاشرة (3 -11 دجنبر المقبل), حيث سيقدم إلى جانب مبدعين آخرين محاضرات لفائدة ضيوف المهرجان من سينمائيين وطلبة المعاهد المتخصصة في السينما. وكانت الدورات السابقة للمهرجان قد اقترحت سلسلة دروس في السينما «ماستر كلاس» ألقاها عدد من المخرجين العالميين وعدد من كتاب السيناريو والمنتجين ومدراء التصوير. وسيستفيد هذه السنة مجموعة من السينمائيين من ضيوف المهرجان, إلى جانب طلبة معاهد التكوين السينمائي, من دروس «ماستر كلاس», التي يقدمها المهرجان سنويا, من خلال لقاءات فنية سينمائية مع كل من المخرج الأميركي فرونسييس فورد كوبولا. وكانت الدورات السابقة للمهرجان قد اقترحت مبدعين كمارتين سكورسيزي والناقد السينمائي الفرنسي جون بيير لافوانيا, والمكسيكي ألفونسو كوارون ومدير التصوير والمخرج الأسترالي كريستوفر دويل والمخرج والسيناريست الأمريكي جيم جارموش, فضلا عن المخرج والسيناريست والممثل إمير كوستوريتشا, وذلك لتقديم محاضرات وتنشيط لقاءات مع عشاق السينما. وقد ازداد كوبولا, مبدع التحفة السينمائية «العراب» المكونة من ثلاثة أجزاء, في ديترويت بميشيغان (الولاياتالمتحدة) سنة 1939, ويرجع الفضل لشقيقه الأكبر أوغست الذي ابتكر تقنية «الوصف البصري», في زرع الاهتمام بالفن وحب السينما لدى فرانسيس. ولم ينعم كوبولا بطفولة مستقرة لظروف والده عازف الناي الذي ينتقل بأسرته من مكان إلى آخر سعيا وراء لقمة العيش. كما أصيب في الثامنة من عمره بشلل الأطفال, فبقي بذلك أسير السرير سنة كاملة. ولتجاوز هذا الظرف العصيب نمى كوبولا موهبته المتمثلة في حب العلوم, وبالتالي الاطلاع على سير العلماء , إذ كان حلمه الوحيد هو أن يصبح عالما أو مخترعا, غير أن القدر كان له رأي آخر. وتخصص كوبولا , الذي سيطلق عليه فيما بعد لقب «نابليون السينما» نظرا لانجازاته الفنية, في المسرح بعد التحاقه بجامعة هوفسترا في نيويورك, وفي مطلع الستينات انتقل إلى لوس أنجلس ليلتحق بكلية الإخراج في جامعة كاليفورنيا وحاز على أول جائزة أوسكار سنة 1970 عن فيلم «باتون» وعمره لم يتجاوز الواحدة والثلاثين. ورغم الشهرة الكبيرة لفرانسيس كوبولا المثير للجدل والحائز على خمس جوائز أوسكار, يسيطر عليه إحساس «التلميذ» أكثر من إحساس «المعلم», إذ يعتبر الإخراج متعة ومدرسة لمواصلة التعلم واكتشاف كل ما هو جديد. كما أن العثرات الكثيرة التي صاحبت مسيرته الفنية وتقلبه بين النجاحات والإخفاقات التي عاشها وقادته أكثر من مرة إلى الإفلاس جعلته ينظر إلى الفن من زاوية «المغامرة». وبعد ثلاثيته «العراب» التي حققت نجاحا كبيرا, لا يملك المشاهد سوى أن يقع في عشق عالم هذا المخرج العبقري, الذي لمع نجمه في أكثر من عمل سينمائي حمل توقيعه وبصمته الخاصة, كفيلم «نهاية العالم الآن» الذي اعتبره النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي لوحة إبداعية أدخلت كوبولا عالم النجومية بامتياز, فقد حقق هذا الفيلم أعلى الإيرادات في تلك الفترة. وتتميز أفلام كوبولا التي ينجزها بتأن ودراية, باللغة البصرية الجذابة والرؤية الإخراجية المبهرة, التي تحقق متعة المشاهدة لكل محبي السينما, فالأشرطة التي أخرجها هذا النجم الكبير ليست مجرد أعمال سينمائية عادية تتوارى بعد أشهر أو سنين قليلة بل هي تحف نفيسة تبقى راسخة في الذاكرة وخالدة كعطر أبدي. ولعل أهم خصائص اللغة السينمائية لدى كوبولا , الذي انتزع احترام وتقدير النقاد منذ بداياته, هي قدرتها على الإيحاء والتعبير بتحويل كل مشهد إلى لوحة فنية حية, يطغى عليها أسلوبه المتميز بالتنسيق المحكم بين حركة الممثلين وحركة الكاميرا, والاختيار الموفق للقصة والسيناريو بشكل ينسجم مع إحساسه ورؤيته الفنية. ويملك هذا المخرج الفذ الذي اشتهر بطموح فني بلا حدود وبلمسته الإبداعية الخاصة التي جعلته يتفوق على العديد من مخرجي هوليوود, عائلة فنية مائة بالمائة, فهو أب المخرجين صوفيا ورومان كوبولا اللذان بدءا يضعان بصمتهما الخاصة في الساحة الفنية, وأخ للممثلة القديرة تاليا شير وعم النجم العالمي نيكولاس كيج. ومن بين الأفلام الأخرى التي أخرجها فرانسيس فورد كوبولا والتي فجر من خلالها مكامن الإبداع لدى عدد من الفنانين أصبحوا فيما بعد نجوما, فيلم «صانع المطر» و»ماري أنطوانيت» و»شباب بدون شباب» و»الحديقة السرية» و»المحادثة» و»نادي القطن» و»واحد من القلب» و»الدخلاء» و»حدائق الحجر» و»ضربة قلب» و»وادي السعادة» و»كينزي» و»تيترو».