تتجاوز استقالة رئيس مجلس مدينة طنجة، مدلولها الذاتي، باعتبار ما تحمله من فشل شخصي، أو فشل للحزب الذي ينتمي إليه، لتجسد، في الواقع فشل «فهم» خاص راج في السنوات الأخيرة يقوم على تشخيصات إطلاقية للحياة السياسية الوطنية، وعلى رسم سيناريوهات للمستقبل، ويصل الأمر حد الإصرار على تطبيق ذلك قسرا في بعض مدن المملكة، وهي الممارسات التي حولت حقلنا السياسي والانتخابي والحزبي إلى مرتع لأمراض عديدة أضيفت إلى أخرى كانت مستشرية منذ مدة، واليوم يبعث عمدة عاصمة الشمال برسالة جواب إلى الكل، يعلن فيها أن «لي كايحسب وحدو كايشيط ليه»... إن انسحاب عمدة طنجة، وبغض النظر عن اختلاف التفسيرات أو كثرة البيانات والمانشيطات حول الموضوع هذه الأيام، فإن الأمر مع ذلك يدعو كل من تهمه مصلحة هذا البلد أن يتأمل فيما وقع، ويدرس الحادث بعيدا عن الحدود الجغرافية لطنجة، ويضعه في السياق السياسي الوطني بصفة عامة، كواحد من تجليات فشل نموذج في التفكير وفي هندسة الخريطة السياسية داخل واقعنا الحزبي والانتخابي في السنوات الأخيرة. إن ما جرى في طنجة، يعود إلى الإصرار على الدفع بشخص منعدم التجربة والقدرة إلى التسيير، ويعود إلى تشكيل تحالف هجين تتناقض مصالح مكوناته، ويعود إلى افتقار كل هؤلاء إلى رؤية وإلى مشروع وإلى قناعات، والأخطر أن هذه الخفة الصبيانية تم تجريبها في مدينة تشهد تحولات بنيوية واستراتيجية في المجال الاقتصادي والتنموي، لم تكن تتوفر على منتخبين لمواكبة دينامياتها. هل تكفي إذن، المخاطر الحقيقية والمتوهمة أو المبالغ في تقييم حجمها، للدفع ببلادنا إلى الوراء وضرب كل ما تحقق من مكاسب على صعيد انفتاح الحياة السياسية والديمقراطية، وعلى صعيد العمل الجماعي، وعلى صعيد استقلالية الحياة الحزبية ؟؟؟ إن استقالة عمدة طنجة، تكشف أن جذب نخب جديدة للحقل الحزبي والانتخابي، ليس أمرا مزاجيا، أو قرارا يتخذ في صالونات الرباط ويتم إصدار الأوامر لتطبيقه في الجهات على سبيل النفاذ المعجل. إن المغرب اليوم في حاجة إلى الحرص أكثر من أي وقت مضى على تعدديته الحزبية والسياسية، وعلى تقوية الأحزاب الجدية الحاملة لأفكار وبرامج، وعلى تكريس الوضوح في حياته الحزبية والانتخابية والمؤسساتية، وبالتالي السعي لتصير السياسة هي ذاتها جاذبة لمختلف النخب والكفاءات والفئات. وبقدر ما أن المسؤولية هنا كبيرة على الدولة، فهي أيضا تقع على الأحزاب...