يحق لمؤسسة الرحامنة للتنمية المستدامة, بعد نجاح مهرجانها أوتار أو ربيع الحوز الثقافي في دورته الثانية المنظمة من سادس إلى تاسع ماي الجاري, "أن تفخر, ولأسباب عدة , بإقامة هذا العرس الفني الشبابي المغاربي على إيقاعات وخطى الرواد الكبار من المبدعين الأوائل في هذه الرقعة الغربية من الوطن العربي". كانت هذه ارتسامات أولية استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء، مباشرة بعد إسدال الستار على فعاليات المهرجان، على لسان مجموعة من الفاعلين المحليين وأعضاء في مؤسسة الرحامنة. ولعل أهم هذه الأسباب, يقول كل من حجاج مساعد منتخب جماعي ببلدية ابن جرير وعبد الرحمان البصري مكلف بخلية الإعلام والتواصل والفاعل الجمعوي الدكتور نور الدين الزوزي وعبد العاطي بوشريط أحد نواب رئيس المجلس البلدي للمدينة, "هو توجهها نحو المستقبل وإيمانها بالشباب كأحد أهم ركائز المستقبل, ومن هنا تكون منسجمة مع مشروعها التنموي الحداثي التي انخرطت فيه منذ الإعلان عن تأسيسها كمؤسسة تنتمي إلى نسيج المجتمع المدني, وهذه الحداثة لم تمنع الساهرين على مشروعها من النهل من التراث والتنقيب في أغواره بحثا عن الجودة والأصالة والسير على خطى الكبار". فلا يختلف اثنان, يضيف هؤلاء, على أن وقفة تأملية عند محطة الماضي الأصيل والعريق, هي الطريق الأسلك نحو المستقبل, على أساس أنه ما كان للتوجه نحو المستقبل, أن ينطلق من فراغ, وأن الشباب مهما كانت حماسته وانجذابه إلى الجديد الخادع, فلابد له من وازع يحيله على استلهام المنابع والأصول ليشق طريقه على أسس صلبة يستكمل بها بناء شخصيته قبل أن يطلق العنان لملكاته وإبداعاته. وأوضحوا "أن النبش في التراث, سيظل بهذا المعنى, من حسنات مؤسسة الرحامنة, وذلك انطلاقا من استراتيجية عملها, والتي ربما كانت هي سر استمراريتها منذ تأسيسها, مقارنة مع مؤسسات أو جمعيات أخرى في شمال المملكة وجنوبها, إذ لم يعد لبعضها من أثر حتى في المناسبات الموسمية التي أحدثت في سياقها". واعتبر الفاعلون المحليون, أن فكرة إقامة عرس فني شبابي مغاربي بهذا الحجم, "فكرة وجيهة", وأكدت وجاهتها بنجاحها على أكثر من صعيد, لأنها تنسجم, أولا, مع خطة عمل المؤسسة إذ جنبتها تكاليف باهظة في بورصة جلب مشاهير النجوم. وثانيا لأن كل ما ارتبط بمسألة الشأن المغاربي, هو تحدي سياسي آني يعد أحد الانشغالات الكبرى لكل الوحدويين الحقيقيين وسيظل المغرب في مقدمتهم, وثالثا, يأتي التفكير في الشباب المغاربي, وهو الأمل في المستقبل من أجل أن يتحقق حلم الزعماء والرواد في هذه الوحدة. وشيخ الفنانين الجزائريين امحمد العنقة قال ذات يوم "نحن أمة واحدة رغم الحدود المصطنعة التي أقامها الاستعمار, وأنا واثق من أن وحدة المغرب العربي سوف تعود مهما طال الزمان أو قصر", وما أحوجنا اليوم, يقول أحدهم بنبرة لا تخلو من حماسة, لكي يردد معه هؤلاء المطربين المغاربيين الشباب الذين جمعهم مهرجان ابن جرير مثل هذا القول. وتابع قائلا "ولم لا يرددونه؟, وهم الذين رددوا بصدق ووفاء وإتقان وصفاء, أزيد من خمسين أغنية تنتمي كلها إلى جيل الرواد المغاربيين الذين وقع الاختيار على ثلاثين منهم, عشرة من كل من المغرب والجزائر وتونس, وعرفوا أن الذاكرة الموسيقية المغاربية هي تراث مشترك لا أحد يجادل في أمره, وأن هذا التراث أطرب منذ عهود خلت كل الموريتانيين واللبيين والتونسيين والجزائريين والمغاربة, فكيف له أن لا يستمر اليوم في اختراق الحدود والجغرافيا?". هؤلاء الرواد الأوائل لفترات ما بين الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي, أكيد أنهم عاشوا خناقات ومضايقات الاستعمار في أوج تعنته وصلافته , لكن ذلك لم يحل دونهم وتوظيف التراث الموحد والمشترك في منطقة المغرب العربي, لكونهم عادوا هم أنفسهم في مرحلة شبابهم إلى الأصول, فنهلوا من كل ألوان وأصناف الغناء والرقص والموسيقى الأندلسية والغرناطية والملحون وغيرها من الأنماط الفنية الشعبية. وقد أتاح المهرجان لهؤلاء الشباب فرصة الانفتاح على محيطهم المغاربي دون قيود, إذ مكنهم, علاوة على أداء خالدات الرواد تحت قيادة المايسترو والعازف الأنيق مصطفى الركراكي ومجموعته الموسيقية التي تضم أجود العازفين, من أداء باكورات إبداعاتهم في أول تجربة من نوعها على الصعيدين المغاربي والعربي, وهو ما جعلهم يعبرون بتأثر كبير عن امتنانهم العميق لمنظمي مهرجان ربيع الحوز الثقافي بمدينة ابن جرير وللجمهور المتميز الذي حج بكثافة لمتابعة حفلاتهم على مدى أربعة أيام. وشارك في هذا العرس الفني الكبير إلى جانب مجموعتي هوبا هوبا سبيريت ومازاكان, كل من نور الدين طيبي ولمياء بطوش القادمين من ولاية تيارت ومستغانم بالجزائر وطارق التونسي من تونس العاصمة والمطربين المغاربة الشباب إيمان قريقبو ومعتز وإلياس طه وهدى سعد ويوسف الجريفي وهناء الادريسي وسعد لمجرد وحاتم عمور وحاتم ايدار وليلى الكوشي وتوفيق البوشيتي ومريم بنمير وهاجر عدنان. وشكلت أغنية "يا إبن الإنسان", التي كتب كلماتها رشيد بولعيون ولحنها الموسيقار عز الدين منتصر, بأدائها الجماعي لكل المطربين الشباب المشاركين في المهرجان, رسالة بليغة وحكيمة في مبناها ومعناها, موجهة إلى حكومات وشعوب المغرب العربي, وتتغنى بالحب والتآخي ونبذ الخلافات بين الأشقاء. ونظمت مؤسسة الرحامنة بموازاة مع برنامج المهرجان معرضا للفنون التشكيلية لفائدة 22 شابا وشابة من تلاميذ المؤسسات التعليمية بإقليم الرحامنة بهدف تشجيع هذه الفئة من المبدعين ودعمها ماديا ومعنويا حتى تشق طريقها نحو المستقبل. كما أقامت معرضا يعرف بمنتجات الصناعة التقليدية وغيرها من المنتجات المحلية قصد إبراز مهارات الصانع التقليدي بالمنطقة وتشجيعه على تسويق منتجاته إضافة إلى تظاهرة ألعاب الفروسية التي توجت بتوزيع الجوائز على الفرق المتفوقة في ممارسة هذه الرياضة الشعبية المتأصلة بمنطقة الرحامنة. وأكدت مصادر مؤسسة الرحامنة للتنمية المستدامة في ختام المهرجان أن الدورة الثانية لمهرجانها، استطاعت أن تحقق الأهداف المرجوة منها والمتمثلة أساسا في الاستفادة من نقائص الدورة الأولى عبر تجاوزها إن على مستوى التدبير أو التنظيم, وإبراز مؤهلات الإقليم وانشغالات ساكنته من خلال فتح مثل هذه القنوات التواصلية الشعبية.