بالرغم من أن نتيجة الفوز التي حققها الفريق الوطني المغربي لكرة القدم أول أمس السبت بدار السلام، أمام المنتخب التنزاني، والتي تدخل ضمن تصفيات كأس الأمم الإفريقية، لم تكن بأكثر من هدف لصفر، وبالرغم من أن الخصم يعد من المنتخبات الضعيفة التي تبحث عن مكان تحت الشمس، وبالرغم أيضا من الصعوبات والفترات الحرجة التي مرت منها العناصر الوطنية طيلة المباراة، فإن الانتصار جاء بطعم غال جدا، احتضنه الجمهور الرياضي بحرارة كبيرة، أعادت له نسبيا، لحظات من الزمن الجميل، الذي حمل في السابق أسود الأطلس لريادة القارة الإفريقية، بكثير من الاستحقاق والتألق. بين الماضي الجميل والحاضر الصادم، اختلفت الأمور والمعطيات، ولم يعد المنتخب المغربي ذاك الفريق مهاب الجانب، والدليل على ذلك أن آخر انتصار حققه أصدقاء النجم مروان الشماخ في لقاء رسمي، يعود لحوالي سنتين ونصف، وكان على حساب المنتخب الموريتاني، هذا الضعف جعل حتى صغار القارة يمتلكون شجاعة غير مسبوقة، لإحراج المنتخب المغربي بميدانه وأمام جمهوره، كما فعل منتخب إفريقيا الوسطى، وكما فعلت قبله فرق تتلمس بالكاد أساليب وتكتيكات الممارسة الكروية الحديثة. التعادل في أول لقاء في هذه التصفيات، جاء بعد حزمة التغييرات العديدة التي شهدتها كرة القدم المغربية، مما جعل التخوفات تكبر والأسئلة تتناسل؛ ما العمل للخروج من النفق؟ كيف يمكن وقف النزيف؟ ما هي أسباب تواضع تشكيلة تضم نجوما تضيء بعطاءاتها سماء الاحتراف الأوروبي؟. هذه الأسئلة المشروعة، والتي تطرح بحدة على لسان الجمهور الرياضي ومعه جل المتتبعين سواء داخل المغرب أو خارجه، أصبحت تضع في الميزان عمل المشرفين على الشأن الكروي، ومعهم الأوصياء على القطاع ككل، في وقت لم يعد فيه الخصاص المادي مطروحا بالمرة، بعد الميزانية المهمة التي خصصت للمنتخبات الوطنية لكرة القدم. وتكمن أهمية هذا الانتصار، ليس في كونه جاء محملا بكل الحيثيات التي ذكرناها، ولكن لكونه أشُر على ما يبدو، عن بداية عهد جديد داخل الفريق الوطني، بعد سنوات من ضياع الهوية التي ميزته خلال فترات طويلة، عهد جديد تبينت ملامحه بالملموس من خلال مجموعة من العلامات الدالة، منها القتالية التي أظهرها جل اللاعبين وبمختلف الخطوط، واستعادة روح اللعب الجماعي، وحدوث نوع من التكامل بين الخطوط، وغيرها من المؤشرات الايجابية التي افتقدها أداء العناصر الوطنية منذ سنوات خلت. مباشرة بعد ظهور نتائج القرعة، والتي أفرزت تركيبة المجموعة الرابعة ووضعت المغرب إلى جانب الجزائر، تنزانيا وإفريقيا الوسطى، حصر الجميع الصراع حول ورقة المجموعة الرابعة بين منتخبي المغرب العربي، إلا أن النتائج التي حملتها الدورة الأولى من التصفيات، بعد تعادل كل من المغرب والجزائر بميدانيهما، غير الكثير من المعطيات وجعل الأوراق مفتوحة أمام كل الاحتمالات، فالخصمان اللذان اعتبرا مطية سهلة، كشرا عن أنياب حادة، والأكثر من ذلك، أبانا عن قتالية استثنائية خلقا بها الحدث خلال بداية التصفيات القارية. ويمكن القول إن المميزات التي طرأت على أداء الفريق الوطني المغربي خلال لقاء دار السلام، هي التي أحدثت الفارق، كما أبطلت مفعول الفعاليات القليلة التي يتوفر عليها المدرب الدنماركي بولسن، إلى درجة أن فرص التسجيل لفائدة التنزانيين كانت قليلة، ونادرا ما أحرجت حارسا متألقا اسمه ناذر المياغري، الذي يمنح بجودة أدائه، نوعا من الثقة المطلوبة التي افتقدت بالمرة منذ الرحيل الجماعي للجيل التي كان يقوده باقتدار، العميد نور الدين النيبت. كل من تتبع مجريات هذه المباراة، لمس الرغبة الكبيرة التي امتلكها لاعبو الفريق الوطني قصد تحقيق نتيجة الفوز، كخيار وحيد يمكن من خلاله استعادة التوازن داخل هذه المجموعة، في انتظار المواجهة الحارقة ضد محاربي الصحراء (الجزائر). طموح ورغبة أكيدة ترجمت من خلال أداء متوازن، وصل إلى حدود القمة بعد العملية الجميلة التي جاء من خلالها الهدف الوحيد والتي تستحق أن تكون درسا نموذجيا في كرة القدم الحديثة، كان بطلاها بحق، النجمان المتألقان مروان الشماخ ومنير الحمداوي، وهو الهدف الذي جاء لينهى حالة استعصاء عانى منها هداف الدوري الهولندي. المؤكد أن هذا الفوز سيخلق أجواء ايجابية داخل الفريق الوطني، أجواء مشجعة يجب أن تستغل باحترافية مطلوبة من طرف المشرفين على المنتخب، قصد الحفاظ على الروح التي طبعت الأداء خلال مقابلة ملعب بينجاما ماكابا، والتي ما هي إلا انعكاس لما كان يدور داخل البعثة ككل. وبدون شك، فإن الحفاظ على هذه الامتياز يمر عبر إنهاء حالة الترقب بخصوص مصير المدرب إيريك غيريس، بصفتها حالة غير مقبولة تماما، لما تخلقه من تشتت ذهني لأغلب اللاعبين، ما ينعكس سلبا على عطاء المجموعة ككل. كما أن مجريات المباراة أظهرت الحاجة إلى قطع غيار جديدة، لملء الفراغات المهولة التي لا زالت تعاني منها بعض الخطوط، وبصفة خاصة الدفاع، وغياب صانع ألعاب محوري بوسط الميدان.