أمين الصبيحي: التغيير في المدرسة يمر عبر العناية بالمدرس ومنحه قوة الانخراط في الإصلاح يعتبر خامس أكتوبر من كل سنة محطة يتوقف عندها المدرس، في كل أرجاء العالم، وقفة تأمل من أجل جرد حصيلة السنة الماضية، والوقوف عند مكامن الخلل والقصور، بما يمكنه من رسم آفاق مستقبلية واعدة، تساهم في النهوض بأوضاع مربي الناشئة وفى الارتقاء بجودة التعليم. وزارة التربية الوطنية اختارت، ككل سنة، تخليد الذكرى على إيقاع لوحات احتفالية كلاسيكية، تتخللها وقفات لتكريم بعض متقاعدي التعليم بمقر وزارة التربية الوطنية. أما بباقي مندوبياتها ومؤسساتها على الصعيد الوطني، فالتكريم سيشمل، ليس فقط نساء ورجال التعليم الذين تقاعدوا بعد أن أفنوا سنوات عمرهم في تربية وتعليم النشء، بل سيطال أيضا من لازالوا يمارسون مهامهم ويتميزون بعطاءات جعلت أسماءهم منقوشة في سجلات المندوبيات، سواء بالنظر إلى الحصيلة النوعية التي راكموها على مستوى التفوق الدراسي لتلاميذهم، أو على صعيد حضورهم الدائم في الإشراف على الأنشطة الموازية على مدار الموسم الدراسي. ولعل هذه المناسبة تشكل فرصة لنساء ورجال التربية والتكوين والنخب السياسية على حد سواء، لمساءلة أزمة تعليم أقر الخطاب الملكي الأخير بعقمه، ودعا إلى رسم معالم الرؤية المستقبلية لتصحيح مساره، حيث حث بكل صراحة ووضوح على القيام بالخطوة الأولى على هذا الدرب، والمتمثلة في النقد الذاتي الذي يسائل مكامن الضعف التي حالت دون اعتماد المغرب تعليما نافعا يعتبر المدرس محوره الأساسي وأداته الرئيسية. في هذا السياق اعتبر الدكتور أمين الصبيحي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن المدرس بوابة رئيسية لانتشال التعليم من عقمه، وأن الإصلاح يمر بالضرورة عبر نساء ورجال التعليم الذين يعملون في ظروف صعبة، وأن غياب العناية بهم سيجعل العقم ملازما للنظام التعليمي في المغرب ويجعل الارتقاء بالمنظومة التعليمية أملا وشعارا بعيد المنال . وأوضح أمين الصبيحي، في حديث لبيان اليوم، أن «حزب التقدم والاشتراكية قدم اقتراحات من شأن تطبيقها إزالة النقاط السوداء العالقة بالمخطط الاستعجالي الذي أهمل، في جوانب كثيرة، دور الموارد البشرية وملحاحية العناية بها بما يسمح بوضع المدرس في المكانة اللائقة به، المتعالية على كل حسابات لا تخدم مصلحة الرسالة السامية للتعليم، وبما يسمح أيضا بقياس الحجم الحقيقي للتحديات التي تفرض، في مغرب الأمية المستشرية، وارتفاع نسبة الغياب، وانتشار حوانيت للاتجار في التعليم، وانخفاض نسبة من يستكملون التعليم في المرحلة الثانوية بعد المرحلة الأولية على كل المستويات، (تفرض) قفزة نوعية لإصلاح جذري يراعي الحاجيات الحقيقية لعصر العولمة ووسائل الاتصال المتطورة وصولا إلى إعداد نشئ يقاوم مغريات الظلامية ويلعب دورا مركزيا في انتقال البلاد من منطق الانطواء والتشنج والتحصن في أبراج عاجية، إلى منطق الانفتاح والتوافق وملامسة الواقع الموضوعي ويساهم في زيادة الفرص الاقتصادية للبلاد» . وأشار الصبيحي إلى أن “مشروع المؤسسة” المتضمن في اقتراحات حزب التقدم والاشتراكية، يعد عنصرا أساسيا لإطلاق دينامية جديدة للمؤسسات التعليمية، ويعد مقاربة شمولية ومتناسقة تبرز أهمية التفكير والعمل الجماعي للمدرسين وإدارة المؤسسة نحو هدف موحد، يتمثل أساسا في النهوض بالمنظومة التربوية وانتشال التعليم من حالة العقم التي وصفها به الخطاب الملكي . وشدد المتحدث على ضرورة جعل الخامس من أكتوبر مناسبة لقراءة جديدة في الخطاب الملكي، الذي يسائل الحصيلة الباهتة للإصلاحات التي انطلقت من المعمورة سنة 1963 بغاية إعادة النظر بشكل أو بآخر في المبادئ الأربعة التي أقرها إصلاح 1957 ، مثلما يسائل الندوات والمناظرات واللقاءات المتوالية التي أنتجت الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والبرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين 2009_2012. كل هذه المحطات تعاملت مع أزمة التعليم بشكل تقني، يقول الصبيحي، في ظل غياب تصور شامل، يحدد أسبابها الحقيقية التي، يسجل التاريخ أنها وليدة أزمة الديون في بداية ثمانينات القرن الماضي حين اضطر المغرب إلى قبول سياسة التقويم الهيكلي. ففي ضوء هذه الأزمة وتبعاتها يمكن قراءة خلفيات كل الإصلاحات التي انطلقت منذ تلك الفترة إلى الآن.