المدونة تدخل اليوم حيز التطبيق لتعزيز السلامة الطرقية والتأهيل الشامل للقطاع تدخل مدونة السير الجديدة حيز التطبيق، ابتداء من يومه الجمعة، بعد أن قطعت مسارا متميزا أكسبها توافق مختلف المتدخلين المعنيين بتطبيق مقتضياتها، كما مكنها من الرقي بمضامينها وجعلها تواكب مختلف القوانين المعمول بها في الدول ذات الخبرة في تدبير هذا القطاع, في أفق وضع حد لحرب الطريق. ويأتي التطبيق العملي للمدونة في سياق يطبعه تزايد أعداد ضحايا الطريق وتنامي الحاجة إلى إقرار قانون جديد يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تأهيل قطاع النقل والرفع من قدراته التنافسية في ظل الانفتاح الاقتصادي والتجاري الذي يعرفه المغرب. واستعدادا لتطبيق مدونة السير، قامت الأجهزة الأمنية المكلفة بالمرور، منذ الاثنين الماضي، بتمرينات ميدانية بمختلف شوارع المدن المغربية التي شهدت، على غير العادة، تواجدا مكثفا لرجال الشرطة مرفوقين برؤسائهم المباشرين، الذين صرح بعضهم للجريدة، أن الهدف الرئيسي من التواجد الأمني المكثف هو وضع أكبر عدد من مراقبي المرور في الصورة الحقيقية لليوم الأول من تطبيق المدونة التي تعد بمثابة حجر زاوية الاستراتيجة الوطنية المندمجة للسلامة الطرقية, وستملأ خصاصا تشريعيا وقانونيا ملحوظا, ما فتئت تتسع هوته في ظل المتغيرات العديدة التي همت القطاع, من قبيل اتساع حظيرة العربات وتزايد أعداد مستعملي الطريق, فضلا عن الوتيرة السريعة للنمو الاقتصادي الذي يستند بشكل أساسي على الأداء الجيد والفعال لقطاع النقل. ويجري الحديث عن تخرج فوج جديد من المكونين الذي أوكلت لهم مهمة التكوين المستمر لضباط الشرطة والأطر الأمنية في تقنيات التنشيط والتواصل لتمكينهم من شرح مساطر تدبير المخالفات لفائدة أعوان المراقبة, حيث تم تأهيل 286 إطارا تابعين للدرك الملكي و341 إطارا من الأمن الوطني و200 من أطر ومراقبي الوزارة, على اعتبار أنهم سيعملون على تمكين أعوان المراقبة من مختلف مقتضيات المدونة الجديدة, بغية ضمان تطبيقها بالكيفية المناسبة. وينظر السائقون المهنيون وغير المهنيين إلى هذه الاستعدادات الأمنية بتخوف كبير. فأغلبهم، حسب المعاينة اليومية للجريدة، يجهلون الكثير عن بنود المدونة، ليظل مصدرهم الوحيد هو تلك الاجتهادات والأقاويل التي يتناقلونها فيما بينهم والتي يبقى جلها مغلوطا، إن لم نقل محرفا وأحيانا مبالغا فيه. وترى عينة من المواطنين الذين يتخوفون من اليوم الأول من عمر المدونة أن تطبيقها كان من المفروض أن يكون تدريجيا حتى يتمكنوا من استيعاب كل بنودها. وهو رأي يشاطره محامون قضوا سنوات في الدفاع عن ضحايا حوادث السير. في هذا الصدد، يرى الأستاذ عبد الواحد مصدق، في حديث لبيان اليوم، أنه من الضروري القيام بحملة تحسيسية تمتد لوقت طويل حتى يتمكن المواطن من التكيف مع بنود المدونة، وفي الآن نفسه من القيام بتهييء البنية التحتية التي لا يجب أن تقتصر، يقول الأستاذ مصدق، على الطرقات التي توجد في حالة سيئة وتنعدم في أغلبها علامات التشوير والإشارات الضوئية وحل إشكالية اختناق حركة السير، وقلة مواقف السيارات...، بل يجب أن تشمل أيضا وأساسا تأهيل القضاء المتخصص من أجل إنجاح بلوغ الهدف الأسمى المتمثل في وضع حد لارتفاع ضحايا حرب الطرق الذين يصل عددهم إلى 11 قتيلا يوميا وأزيد من 4000 كل سنة, فضلا عن خسارة 2 % من الناتج الداخلي الخام. في هذا السياق، يعتبر إقرار مدونة السير على الطريق, حسب ما جاء في حديث مطول لكريم غلاب وزير النقل والتجهيز خص به قناة تلفزية وطنية إجراء عمليا كفيلا بتخفيض هذه التكلفة الباهضة, من خلال إعمال مجموعة من الآليات التي تروم المراقبة وردع المخالفين وحث السائقين على الامتثال لقانون السير. يشار إلى أن أبرز مقتضيات المدونة الجديدة التي تعتبر الحديث اليومي للمواطن العادي, يتمثل في رخصة السياقة بالنقط والعقوبات السالبة للحرية. وتعد رخصة السياقة بالنقط بمثابة إجراء بيداغوجي جديد في مجال السلامة الطرقية, يقوم على تخصيص رصيد من النقط لكل رخصة سياقة, حيث يتم تخفيضه في حالة ارتكاب صاحب الرخصة لمخالفة تستوجب الخصم, بينما أقرت المدونة في المقابل نظاما مرنا لاسترجاع النقط المسحوبة شريطة احترام صاحب رخصة السياقة لبعض القواعد. أما العقوبات السالبة للحرية فتمثل أحد أهم محاور هذا القانون, الذي يروم ردع السائقين المتهورين الذين يخالفون بشكل مقصود قواعد السير ويرتكبون حوادث بالغة الخطورة, ومن ثم تنص المدونة على مجموعة من الأحكام التي تخص الجنح المرتكبة من طرف السائق, والمتعلقة بالقتل والجرح نتيجة عدم احترام قواعد السلامة الطرقية. أما بخصوص مهنيي النقل، فالحديث اليومي يركز، بالإضافة إلى العقوبات والمراقبة الطرقية، على اعتماد المدونة لمفهوم السائق المهني. وقد جاءت المدونة بالفعل لتعترف بوضعية السائق في مجال النقل العمومي للمسافرين والبضائع ولضمان حقوقه وتعزيز قيمة مهنته, ومن ثم تمنع مدونة السير بشكل قطعي ممارسة سياقة عربات النقل العمومي من طرف أي سائق غير حاصل على «بطاقة السياقة المهنية», فضلا عن أنها حددت أوقات «السياقة» وأوقات «الراحة» التي يتعين على السائقين والمقاولات التي تشغلهم احترامها بغية الحفاظ على يقظة السائق وتعزيز شروط سلامته. من جهة أخرى, أقر القانون الجديد ضرورة تأهيل المراقبة الطرقية من خلال اعتماد التقنيات الحديثة والوسائل العصرية الكفيلة بإنجاز عمليات المراقبة, وذلك بكيفية شفافة تقلص من تدخل العنصر البشري وتضمن حفظ الأثر المادي عبر تخزين ومعالجة المعطيات الخاصة بعمليات المراقبة.