تدخل مدونة السير على الطرق حيز التنفيذ، اليوم الجمعة، في سياق يطبعه تزايد أعداد ضحايا الطريق وتنامي الحاجة إلى إقرار قانون جديد يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تأهيل قطاع النقل والرفع من قدراته التنافسية في ظل الانفتاح الاقتصادي والتجاري الذي يعرفه المغرب. وتأتي هذه المدونة، التي تعد بمثابة حجر زاوية الاستراتيجة الوطنية المندمجة للسلامة الطرقية، لتملئ خصاصا تشريعيا وقانونيا ملحوظا، ما فتأت تتسع هوته في ظل المتغيرات العديدة التي همت القطاع، من قبيل اتساع حظيرة العربات وتزايد أعداد مستعملي الطريق، فضلا عن الوتيرة السريعة للنمو الاقتصادي الذي يستند بشكل أساسي على الأداء الجيد والفعال لقطاع النقل. ومنذ ولوج مشروع مدونة السير حيز المناقشة تحت قبة البرلمان في 19 يناير من سنة 2007، وبمعية مختلف المركزيات النقابية والهيئات المهنية وباقي الشركاء، شهد القانون مجموعة من التعديلات التي طالت بعض مقتضياته المتمثلة، على الخصوص، في نظام الرخصة بالنقط والغرامات التصالحية والجزافية. وعلى الرغم من مجموع التعديلات التي همت مقتضيات المدونة الجديدة إثر سلسلة من جلسات الحوار التي عقدتها الوزارة الوصية مع الهيئات الممثلة لمهنيي القطاع، إلى جانب مناقشتها بشكل مستفيض داخل البرلمان بغرفتيه، حافظ القانون على مضمونه الإصلاحي الذي نص على مجموعة من المقتضيات الجديدة المتمثلة، في رخصة السياقة بالنقط، والغرامات التصالحية والجزافية، وتأهيل المراقبة الطرقية، والوقاية من الرشوة، وضمان حقوق المواطنين، وضبط السياقة تحت تأثير الكحول، فضلا عن إقرار السياقة المهنية، وتأهيل المراقبة التقنية مع تأهيل قطاع تعليم السياقة. ولعل الأشواط العديدة التي قطعها مشروع مدونة السير على الطريق قبل المصادقة عليه من طرف البرلمان بغرفتيه في 14 يناير الماضي، فضلا عن مختلف النقاشات التي أثيرت حول مقتضياته، مكنته من تطوير مضامينه وملائمتها مع تطلعات شغيلة القطاع وباقي مستعملي الطريق على حد سواء، كما عززت التوافق حوله في أفق تطبيقه ضمن مناخ إيجابي وسليم. مدونة السير تمر عبر مسلسل ديمقراطي متميز قبل التأشير على دخولها حيز التنفيذ منذ مصادقة المجلس الوزاري على مشروع مدونة السير في 20 يوليوز من سنة 2006، مرت هذه الأخيرة عبر مجموعة من المراحل التي لم تخلوا من التوتر والممانعة في كثير من الأحيان، وذلك اعتبارا لطبيعة المقتضيات الإصلاحية التي أتت بها، وانطلاقا من كون جزء هام من موادها تعني مهنيي قطاع النقل الطرقي بكيفية مباشرة. فمع انتقال مشروع المدونة الجديدة إلى مجلس النواب ابتداء من 19 يناير 2007، تم على ضوء النقاش الذي أثير حول مضامينها إثرائها ب` 332 تعديلا همت 287 مادة. وبعد إحالة مشروع القانون على لجنة المالية والتخطيط والتنمية الجهوية بمجلس المستشارين ابتداء من 9 فبراير 2009، توقفت أشغال مناقشته في 11 أبريل من نفس السنة، إثر تصريح مشترك بين الحكومة ومجلس المستشارين، وذلك بغية مواصلة الحوار مع الهيئات النقابية والمهنية، والتي كانت لها وجهة نظر مغايرة حول العديد من مواده الأساسية، لاسيما تلك المتعلقة بالغرامات التصالحية والجزافية ومبدأ السائق المهني. وبعد هذا التوقف، تواصلت أشغال مناقشة مشروع المدونة في 23 دجنبر 2009 بناء على محاضر موقعة ومرفقة بجداول تتضمن صياغة دقيقة للتعديلات المتوافق بشأنها (178 تعديلا هم 105 مادة)، حيث تم المصادقة عليه بمجلس المستشارين في 5 يناير 2010، ليتم إعادة قراءته من طرف مجلس النواب، ومن ثم المصادقة على مشروع المدونة في صيغته النهائية من طرف البرلمان بغرفتيه بتاريخ 14 يناير 2010. وعقب مجموع المحطات البارزة التي مرت منها مدونة السير على الطرق قبل تبلورها في صيغتها النهائية، والتي ستدخل حيز التنفيذ اليوم الجمعة، اكتسبت هذه الأخيرة إجماعا واسعا يعد ثمرة المناخ الديمقراطي والتوافقي الذي ولدت من رحمه، ومن ثم أضحت المدونة قابلة للتطبيق على أرضية ملائمة أوجدتها الجهود المبذولة من طرف الوزارة الوصية بمعية مختلف المتدخلين والشركاء. المدونة الجديدة ترصد مجموعة من الآليات الكفيلة بوضع حد لحرب الطريق يعتبر إقرار مدونة السير على الطريق، في سياق يتسم بارتفاع أعداد ضحايا حرب الطرق التي تصل إلى 11 قتيلا يوميا وأزيد من 4000 كل سنة، فضلا عن خسارة 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، إجراء عمليا كفيلا بتخفيض هذه التكلفة الباهضة، من خلال إعمال مجموعة من الآليات التي تروم المراقبة وردع المخالفين وحث السائقين على الامتثال لقانون السير. ولعل أبرز مقتضيات المدونة الجديدة، يتمثل في رخصة السياقة بالنقط التي تعد بمثابة إجراء بيداغوجي جديد في مجال السلامة الطرقية، يقوم على تخصيص رصيد من النقط لكل رخصة سياقة، حيث يتم تخفيضه في حالة ارتكاب صاحب الرخصة لمخالفة تستوجب الخصم، بينما أقرت المدونة في المقابل نظاما مرنا لاسترجاع النقط المسحوبة شريطة احترام صاحب رخصة السياقة لبعض القواعد. من جهة أخرى، أقر القانون الجديد ضرورة تأهيل المراقبة الطرقية من خلال اعتماد التقنيات الحديثة والوسائل العصرية الكفيلة بإنجاز عمليات المراقبة، وذلك بكيفية شفافة تقلص من تدخل العنصر البشري وتضمن حفظ الأثر المادي عبر تخزين ومعالجة المعطيات الخاصة بعمليات المراقبة. ومن أهم ما أقرته المدونة، اعتمادها لمفهوم السائق المهني، من أجل الاعتراف بوضعية السائق في مجال النقل العمومي للمسافرين والبضائع وضمان حقوقه وتعزيز قيمة مهنته، ومن ثم تمنع مدونة السير بشكل قطعي ممارسة سياقة عربات النقل العمومي من طرف أي سائق غير حاصل على “بطاقة السياقة المهنية” في طور الصلاحية، فضلا عن أنها حددت أوقات “السياقة” وأوقات “الراحة” التي يتعين على السائقين والمقاولات التي تشغلهم احترامها بغية الحفاظ على يقظة السائق وتعزيز شروط سلامته. من جهة أخرى، تمثل العقوبات السالبة للحرية أحد أهم محاور هذا القانون، الذي يروم ردع السائقين المتهورين الذين يخالفون بشكل مقصود قواعد السير ويرتكبون حوادث بالغة الخطورة، ومن ثم تنص المدونة على مجموعة من الأحكام التي تخص الجنح المرتكبة من طرف السائق، والمتعلقة بالقتل والجرح نتيجة عدم احترام قواعد السلامة الطرقية. وفضلا عن مجموع هذه الآليات، أقرت المدونة العديد من المقتضيات القانونية التي تهدف إلى محاربة ظاهرة الرشوة وضمان حقوق المواطنين، كما نصت على ضرورة استعمال الوسائل التقنية الكفيلة برصد السياقة تحت تأثير الكحول وكذا تأهيل قطاع المراقبة التقنية وقطاع تعليم السياقة، اعتبارا للدور المحوري الذي يضطلع به التكوين في إشاعة ثقافة الاستعمال السليم والمسؤول للفضاء الطرقي. وعلى ضوء هذه المعطيات، يتضح أن مدونة السير قد أقرت مجموعة من القوانين ورصدت العديد من الآليات الإجرائية، التي من شأنها إيجاد مناخ ملائم يتيح الامتثال لقواعد السير، وبالتالي تجنب تبعات آفة حرب الطرق التي أضحت تقوض حق الأفراد والجماعات في التنقل الآمن. إجراءات تروم التمهيد لدخول المدونة الجديدة حيز التنفيذ في ظروف مواتية منذ مصادقة البرلمان بغرفتيه على مشروع مدونة السير على الطريق، وتحديد فاتح أكتوبر كموعد لدخولها حيز التنفيذ، دخلت الوزارة الوصية بمعية مختلف المتدخلين والشركاء (الدرك الملكي والأمن الوطني وقطاعات العدل والصحة والتشغيل والمالية والجماعات المحلية)، غمار إعداد الأرضية الممهدة لتطبيق مقتضياتها في ظروف مواتية. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تم إعداد 68 مسطرة تقنية وإدارية كفيلة بتنفيذ مقتضيات القانون في إطار عقلاني وموحد، كما تم على ضوء هذه المساطر صياغة تسعة مراسيم تطبيقية تمت المصادقة عليها خلال أشغال المجلس الحكومي المنعقد يوم 16 شتنبر الجاري. ومن أجل توحيد مساطر المراقبة، تم إعداد “الدليل الموحد للمراقبة الطرقية”، الذي يعد بمثابة المرجع التطبيقي لمدونة السير، والذي تم إعداده بمراعاة مبادئ وأهداف القانون الرامية إلى حماية كرامة وحقوق المواطنين، من خلال الحد من السلطة التقديرية لأعوان المراقبة عبر استعمال آلات القياس اللازمة والإدلاء، قدر المستطاع، بوسائل الإثبات. من جهة أخرى، تم تكوين المكونين والضباط والأطر في تقنيات التنشيط والتواصل لتمكينهم من شرح مساطر تدبير المخالفات لفائدة أعوان المراقبة، حيث تم تأهيل 286 إطارا تابعين للدرك الملكي و341 إطارا من الأمن الوطني و200 من أطر ومراقبي الوزارة، على اعتبار أنهم سيعملون على تمكين أعوان المراقبة من مختلف مقتضيات المدونة الجديدة، بغية ضمان تطبيقها بالكيفية المناسبة. وإعدادا لدخول المدونة الجديدة حيز التنفيذ، حرصت الوزارة بمعية مختلف الشركاء على اعتماد التكنولوجيا الحديثة لتبادل المعلومات، بغية تحقيق فعالية أكبر على مستوى الكم، وأيضا على مستوى السرعة واحترام الآجال المسطرة، فضلا عن إعداد البنية التحتية الطرقية الملائمة، لاسيما التشوير والبنية الطرقية. وبدخولها حيز التنفيذ اليوم الجمعة، تكون مدونة السير على الطريق قد قطعت مسارا متميزا أكسبها توافق مختلف المتدخلين المعنيين بتطبيق مقتضياتها، كما مكنها من الرقي بمضامينها وجعلها تواكب مختلف القوانين المعمول بها في الدول ذات الخبرة في تدبير هذا القطاع، في أفق وضع حد لحرب الطريق.