توظيف لغة حية طبيعية دون الانشغال بتقديسها ودون استخدامها بكيفية تنم عن الانغلاق والتزمت أصدرت جمعية أصدقاء عبدالصمد الكنفاوي، الأعمال الكاملة لهذا الكاتب المسرحي الرائد، التي تتمثل في «أمولا نوبة، سلطان الطلبة، سلطان باليما، بوكتف، السي التاقي، أمثال وحكم»، وبالمناسبة احتضن مقر سابريس بالدارالبيضاء ندوة صحافية، لتقديم هذه الأعمال ومناقشتها. ففي كلمة الجمعية، التي ألقاها رئيسها عبدالصمد أكزناي، تم التذكير بأن الهدف من تأسيسها هو - فضلا عن إحياء التراث الأدبي الذي خلفه المرحوم عبدالصمد الكنفاوي- جعل الفن في خدمة التنمية، أخذا بعين الاعتبار الموقع الذي يحتله الفن في الرقي بالمجتمع، وازدهار حضارته. واعتبر الإعلامي عبدالله الستوكي، التجربة الفنية للكاتب المسرحي عبدالصمد الكنفاوي، بأنها تحفز على التخييل وتثير الإعجاب. وهو ما يجعل من هذا الكاتب إنسانا استثنائيا. وأشاد الستوكي بالدور الذي لعبته أرملة المرحوم، سواء في حياته أم بعد مماته، معتبرا إياها بأنها حارسة ذاكرته. واستحضر في هذا الإطار اعترافها له بأنها تزوجته لدافع واحد هو أنه يضحكها، ليس ذلك الضحك التهريجي، بل الهادف. وتناول الستوكي كذلك بعض خصال المرحوم، حيث أشار إلى أنه شخصية إنسانية رائعة، يحب الناس، دون إغلاق عينيه عن عيوب الآخرين. فضلا عن أنه فنان ومثقف، منفتح على الآخر، يجعل المحيطين به يكتشفون في أنفسهم أشياء تفاجئهم وقد لا ينتبهون إليها هم أنفسهم. ورغم علاقاته الطيبة مع العديد من الجهات النافذة، فهو لم يستغل هذه العلاقات لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة، محافظا بذلك على كرامته، وبالتالي فهو يشكل قدوة يحتذى بها. ومن بين الميزات الأخرى التي يتحلى بها المرحوم الكنفاوي –حسب شهادة الستوكي- أن له القدرة على حدس المواهب الحقيقية، وبالتالي تحفيزها على العطاء. وهو إلى جانب كونه كاتبا، يجيد التمثيل المسرحي. مذكرا بأن في إنتاجه تكمن البساطة والشاعرية في آن واحد. إنه إنسان متعدد، يخلص إلى القول عبدالله الستوكي. وذكر محمد جبريل في شهادته حول المرحوم الكنفاوي، أن أعماله حية، بمواضيعها ومحتوياتها، وأنها لا تزال تحافظ على آنيتها، ذلك أنه بالرغم من التطورات التي طرأت على مجتمعنا؛ فإن إنتاجه يعطي الانطباع بأنه أنتج في وقتنا الحالي. حيث ندد بمجموعة من الممارسات الدنيئة وبمختلف عيوب المجتمع: الرشوة، وسوء التسيير والتدبير، التطرف، النفاق. كما ندد بالوصوليين الذين يحملون قناع النضال. بالموازاة مع ذلك، كانت له الجرأة على تكسير المسكوت عنه، دون السقوط في السطحية والديماغوجية. ويضيف جبريل في شهادته كذلك، أن فرادة الكتابة المسرحية للكنفاوي، تكمن أيضا في توظيف لغة حية طبيعية، دون الانشغال بتقديسها ودون استخدامها بكيفية تنم عن الانغلاق والتزمت. وأشار الفنان الشاب أيوب العياسي، إلى مبادرة إنشاء موقع خاص بالكاتب المسرحي عبدالصمد الكنفاوي، معتبرا أن الدافع إلى القيام بهذه المبادرة، هو سد فراغ مهول تشكو منه مساحة شبكة الأنترنت، في ما يخص الذاكرة الثقافية المغربية. مذكرا بأن أفضل تكريم يمكن أن يحظى به أي كائن، هو الحفاظ على ذاكرته. كما أشاد أيوب بلغة المرحوم، حيث لمس فيها احتفاء خاصا بالدارجة المغربية. وألقى الفاعل الجمعوي محمد مجيد، بدوره شهادة في حق المرحوم، حيث ذكر أنه كان يحب الكتابة والخطابة، وأنه رجل نشيط، مقاوم لعيوب المجتمع المتفشية، من قبيل النفاق والرشوة، بجرأة نادرة، كما أشاد مجيد بالحياة النقابية للمرحوم. وتدخل الأستاذ جمال الدين الناجي، في إطار هذه الشهادات الخاصة بالمرحوم الكنفاوي، حيث ذكر أنه كانت له الجرأة على النطق بالمسكوت عنه، وأتى بمثال على ذلك، يخص لفظة «بوكتف»، التي كان المواطنون يخشون التلفظ بها في الأماكن العمومية، في حين تجرأ هو على كتابة مسرحية، يحمل عنوانها نفس اللفظة، أي «بوكتف». كما أشاد الناجي بموسوعيته، التي تبرز بالخصوص خلال الدخول في نقاش معه، حيث يمكن ملامسة عدة جوانب إنسانية كونية في حديثه. واستطاع بكتاباته المسرحية التأكيد على قدرة بلدنا على أن يكون له مسرح حقيقي، في وقت كانت سائدة فيه «أمي الهرنونية» على حد تعبيره. وعبر الناجي عن أسفه على أن الجيل الذي أتى بعد الكنفاوي، لم يطور التجربة المسرحية المغربية، وبدا كما لو أنه عاش في ثلاجة طيلة هذه المدة، مؤجلا المشاريع إلى أجل غير مسمى. وفي الشهادة التي كتبتها في حق المرحوم، أرملته الأستاذة دانييل، والتي ضمتها الأجزاء الستة لأعماله الكاملة، أشارت إلى أنه طيلة السنوات التي تقاسمت معه فيها حياته، التي تعتبر قدر اثنين تائهين،ظل منشغلا بكتابة الأمثال والشعر والنقد الأدبي والمسرحيات التي كان من خلالها يدين الظلم الاجتماعي والرشوة والنفاق، دون أن يكون حريصا على نشر مسودات تلك الأعمال، وتبعا لذلك فقد وجدت نفسها، بعد أن داهمه الموت بشكل مفاجئ، أمام أعمال هامة، ولربما غير مكتملة، دون أن تكون متيقنة من أنه كان يتمنى حقيقة أن يتم نشرها. وفي هذه السنة، وفي لحظة يتماهى فيها ما هو ذكرى بما هو تاريخ، وجدت دانييل نفسها وقد أنهت المهمة التي حددتها: جمع كتاباته التي أنجزها بالعربية الدارجة وبالفرنسية، والعمل على نشرها بغاية الاطلاع عليها في شكل مجموعة أعمال مسرحية في ستة أجزاء، مذكرة بأن هذه المبادرة التي قامت بها، تحققت بفضل وشائج الصداقات المخلصة لذكراه، مقتنعة بموهبته وبأهمية الدور الذي قام به، بصفته مدافعا حازما عن التقليدي الأصيل وأسباب المعاصرة التي تهدف جميعها إلى إغناء ثقافة وطنية طيلة فترة تعد من أهم فترات تاريخ المغرب.